عضو في الدوما يقود المظاهرات في شوارع موسكو

بونوماريف يستفيد من حصانته ويتوقع 3 سيناريوهات لنهاية حكم بوتين

إيليا بونوماريف
TT

وقف إيليا بونوماريف على المنصة أمام جمهور حاشد يزيد على 50000 من المتظاهرين المناهضين للحكومة في وسط موسكو. صاح في حضور المؤتمر الذي عقد هذا الشهر: «ألا نعلم طبيعة هذه السلطات التي تحكمنا؟! ألا نعلم جيدا من هو بوتين؟! يجب علينا أن نتحرك».

حركت الريح الشريط الأبيض المثبت على صدر سترته، وقال في صوت عال متهدج: «يجب أن نواصل المظاهرات. ينبغي أن نتوقف عن الحديث وأن نكون السلطة بحق، لأننا أصحاب السلطة هنا. نحن هنا أصحاب السلطة الحقيقيون». وردد الجمهور صائحين: «نحن هنا أصحاب السلطة الحقيقيون».

بونوماريف، 36 عاما، ليس خطيبا مفوها قادرا على إلهاب مشاعر الجماهير فقط، بل هو عضو في مجلس الدوما لفترتين، ويسعى حاليا إلى القيام بأمر نادرا ما تشهده الساحة السياسية الروسية المعاصرة، وهو تغيير المؤسسة في الوقت الذي يشكل فيه هو نفسه جزءا منها، وهو ما يعني أنه سيواجه بنظرات شك من كلا الجانبين.

يعتبر بونوماريف، العالم وصاحب شركة لتكنولوجيا المعلومات، واحدا من بين اثنين من المسؤولين الفيدراليين المنتخبين الذين يقودون المظاهرات بفاعلية في الشوارع ضد حكومة الرئيس فلاديمير بوتين (أما الآخر فهو زميله في مجلس الدوما ديمتري غودكوف، 32 عاما).

تبدو عليه الأناقة الواضحة في الشارع حيث يوجد بشكل دائم لقيادة المظاهرات. فهو ليس راديكاليا كما هو الحال بالنسبة لليساري سيرغي أودالتسوف، ولا صاحب بلاغة حادة مثل الناشط المناهض للفساد إليكسي نافالني. يروج بونوماريف أنه براغماتي، إن لم يكن داعما قويا للتغيير. وعادة ما يعمل كوسيط بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، وهو الدور الأسهل بالنسبة له لأن عضو الدوما يتمتع بالحصانة من الاعتقال والملاحقات القضائية. ويقول: «بعض الناس يلقبونني بمحامي مظاهرات الشوارع».

يشكل بونوماريف في البرلمان، حيث ينتمي هو وغودكوف إلى الحزب الصغير «روسيا فقط»، عضوا مشاغبا، وعازما على نقل قدر من تمرد الشارع إلى هيئة كانت على مدى أكثر من عشر سنوات تابعة لسياسات بوتين. وخلال الشهر الحالي، نظم غودكوف وبونوماريف وآخرون أول مناورة سياسية، أو «إضراب على النمط الإيطالي»، بحسب وصف هذا التكتيك باللغة الروسية، منذ صعود بوتين إلى السلطة. وعلى الرغم من فشلهم في نهاية المطاف في وقف إصدار قانون يفرض غرامات كبيرة على المعارضين السياسيين، فإنهم حصلوا على شعبية واسعة، وبدا واضحا أن حزب «روسيا المتحدة» الحاكم لم يعد يحظى بسيطرة مطلقة. والأهم من ذلك، بحسب بونوماريف، أنها كانت خطوة لبناء معارضة نشطة وتدعيم نقاش حقيقي.

وعلى عكس قادة الاحتجاجات الأخرى، لم تتعرض منازل بونوماريف وغودكوف للتفتيش، لكن لم يتضح إلى حد بعيد إلى متى سيتم التسامح بشأن سياسات الشوارع. وخلال المسيرة التي جرت يوم الثاني عشر من يونيو (حزيران)، بدأ حديثه بطرفة ساخرة بشأن إمكانية حدوث أعمال قمعية، وقال: «مرحبا يا أصدقائي، من أعضاء الدوما الحاضرين في الوقت الحالي». ولم تشكل حقيقة كونه معارضا للحكومة في الوقت الذي يتقاضى فيه راتبه منها، تناقضا في حياة بونوماريف. وهو يعد شيوعيا متزمتا حقق ثروة كبيرة من عمله في مجال التكنولوجيا مع الشركات الكبرى. ورغم كونه زعيما للمظاهرات المناهضة للعولمة، فإنه يمتلك منازل في بوسطن وبالو ألتو بالولايات المتحدة، وله روابط تجارية حول العالم.

يتنقل بونوماريف بين الأعمال والسياسة والحكومة، فهو يعمل في شركة «يوكوس»، التي كانت في السابق أكبر شركة للنفط في روسيا. وكان المسؤول الإعلامي في الحزب الشيوعي، وعضو اللجنة المركزية الذي ساهم في بناء موقع الحزب ونظام التصويت الإلكتروني الذي كشف عملية التزوير في الانتخابات التشريعية عام 2003.

وعمل أيضا في مكتب عمدة موسكو لدعم مبادرات الأعمال، كما عمل في حكومة بوتين رئيسا لمبادرة وطنية لإنشاء مجمعات للتقنية المتقدمة. وهو متزوج ولديه طفلان، ووالداه عالمان ذوا نفوذ واضح. فوالدته لاريسا بونوماريف، عضو في الغرفة العليا للبرلمان، المجلس الفيدرالي، حيث كانت الوحيدة التي تصوت ضد قانون فرض غرامات على المتظاهرين. وبقدرته على المناورة في هذه العوالم المتصارعة، يصر بونوماريف على أن تلك المناورة ستكون بالغة القيمة للمعارضة السياسية في جهودها في إقصاء بوتين وإقامة حكومة جديدة. وقال: «ربما كان ذلك السبب في لعبي دور الوسيط لأننا في النهاية سنكون بحاجة إلى التفاوض. سواء أكانت هناك مفاوضات سلمية حول طاولة مستديرة أم مفاوضات لاستسلام غير مشروط، يجب أن يكون هناك شخص قادر على الحديث إلى هؤلاء الأشخاص».

وإذا ما نال بونوماريف مبتغاه، فستبدأ المفاوضات مع هؤلاء الأشخاص - يعني بوتين ومؤيديه في الحكومة - عاجلا لا آجلا. وقال: «أعتقد أن هذا النظام لن يعيش عامين آخرين. وقد لا يعيش عاما آخر». وأكثر ما يفضله قادة المعارضة هو توقع متى وكيف سيسقط بوتين، وإن كان أمرا بعيد المنال أو على سبيل التسلية. وقد قلص بونوماريف عدد السيناريوهات المتوقعة إلى ثلاثة. وقال: «في أفضل الأحوال سيشارك بوتين في بعض المحادثات، ويمكننا أن نشهد انتقالا تدريجيا للسلطة. وسوف نكون على استعداد لمنحه كل الضمانات». وأضاف: «السيناريو الثاني، سيكون أكثر عنفا لكنه لن يكون بالضرورة دمويا، إذ سيكون خارج الإطار القانوني حيث يطرد بوتين من الكرملين، وهذا هو السيناريو الأكثر احتمالية، وأنا لا أعلم متى سيحدث ذلك. لكن الحركة في ازدياد الآن وسينزل المزيد والمزيد من الأفراد إلى الشوارع». وأردف: «السيناريو الثالث سيكون الأسوأ، فربما يحدث انقلاب داخل مؤسسة بوتين، والأرجح أن يأتي من القادة الأمنيين، حيث تكون من حادث سيارة أو أزمة قلبية أو سيناريو آخر مماثل، وأن ترشح شخصا آخر من دائرتها الخاصة».

واعترف بأن العقبة الرئيسية التي يواجهونها هي أن المعارضة ليست مستعدة الآن للاعتراف بزعيم لها قادر على الفوز بدعم واسع النطاق. وفي الوقت الراهن يبدو نافالني الخيار الأكثر احتمالية، لكنه رفض الدعوات لتشكيل وقيادة حزب سياسي جديد. وفي الوقت ذاته تزداد حدة الخصومات وقبضة بوتين على السلطة.. حتى أن بعض أقرب أصدقاء بونوماريف يشيرون إلى أنه سيواجه صعوبة في الحصول على ثقة حركة المظاهرات بسبب ارتباطاته بالمؤسسة. وتقول إلينا بوبوفا، صديقة وشريكة بونوماريف في العديد من الشركات والمغامرات السياسية: «لا أحد يثق في السياسيين، لدينا أزمة مصداقية ضخمة. أنا لا أثق فيه، لكنني أومن به. أنا على يقين أنه الرجل المناسب للقيام بالتغيير».

* خدمة «نيويورك تايمز»