تطور نوعي في عمليات «الجيش الحر» في القصير

بعد انشقاق كتيبتي الصواريخ الإقليمية في الغنطو والمدفعية في شنشار.. انشقاقات في مطار الضبعة

TT

«القصير ستكون بنغازي سوريا».. قال الشاب الثائر الذي قطع دراسته في الخارج وعاد إلى البلد لينضم إلى «الجيش الحر» ويعمل على إسقاط النظام، أبو عبد الله الذي لم يفصح عن اسمه، قال ذلك بثقة مستندا على العمليات النوعية التي قام بها «الجيش الحر» مؤخرا في منطقة القصير في ريف حمص، القريبة من الحدود مع لبنان، لافتا إلى أنه «تم التخلص من معظم الحواجز العسكرية داخل المدينة»، وكل يوم هناك عمليات كبيرة.. ويوم أمس انشقت «مجموعة من الجنود في مطار الضبعة العسكري القريب من مدينة القصير ودارت اشتباكات عنيفة هناك قتل خلالها 3 مقاتلين من (الجيش الحر)»، مؤكدا أن أكثر من «300 جندي من الجيش النظامي قتلوا في اشتباكات في القصير خلال الأسابيع الـ3 الأخيرة، وفي الأيام الـ3 الماضية سقط 175 قتيلا من الجيش النظامي في اشتباكات مع (الجيش الحر)»، وعلى الرغم من أن السلطات السورية لا تعلن عن حصيلة إجمالية لقتلى قوات الأمن والقوات المسلحة، فلا تخلو وسائل الإعلام الرسمية يوميا من خبر عن تشييع ما بين 20 و30 عسكريا، بين ضابط ومجند، ويوم أمس أعلنت «سانا» نبأ تشييع نحو 68 ضابطا ومجندا سوريا، من مشفيي تشرين وحلب العسكريين ومشفى الشرطة في حرستا.

ومن خلال متابعة الوقائع اليومية لتصاعد الأحداث في سوريا عموما وفي محافظة حمص خصوصا، يمكن القول إنه ومنذ العاشر من يونيو (حزيران) الحالي حصل تطور نوعي في العمليات العسكرية التي يقوم بها «الجيش الحر» ضد قوات النظام، حيث تطور مستوى التخطيط والتنسيق بين قادة كتائب «الجيش الحر»، إذ لم تعد الهجمات تقتصر على تدمير الحواجز المنتشرة على الطرقات، وتلك التي تقطع أوصال الأحياء داخل المدن والبلدات، بل باتت «تظهر خطط لتأمين انشقاقات كبيرة، كما ظهرت عمليات هجومية مشتركة بين الكتائب في كل منطقة»، بحسب ما قالته مصادر في «الجيش الحر» في حمص لـ«الشرق الأوسط»، وكان أبرزها ما جرى في خلال الأسبوعين الأخيرين.

ففي العاشر من يونيو «حصل انشقاق كبير في كتيبة الصواريخ الإقليمية في منطقة الغنطو» في ريف حمص، وكانت ضربة قوية مفاجئة وموجعة للنظام، حيث إن «قائد الكتيبة ينتمي للطائفة العلوية، ومن حيث، وهو الأهم، أنها أول مرة يفقد النظام السيطرة على قاعدة صواريخ إقليمية بعيدة المدى»، كما قالت مصادر «الجيش الحر»، الأمر الذي أثار الهلع في أوساط المجتمع الدولي، ويقول مراقبون إن «هذا الانشقاق كان له الأثر الأكبر في دفع المجتمع الدولي لتسريع جهوده لإيجاد مخرج للأزمة في سوريا».

وبحسب المصادر ذاتها «تم انشقاق كتيبة الغنطو بعد تنسيق بين المجلس العسكري التابع لـ(الجيش الحر) في حمص وتلبيسة والرستن والقصير وقائد الكتيبة 743 في اللواء 72 التابع للفرقة 26 بالدفاع الجوي»، حيث جرى تحديد فجر 10 يونيو انشقاق الكتيبة بشكل كامل. و«قبل ساعات قليلة من موعد الانشقاق قامت قوة مشتركة من كتائب (الجيش الحر) في البلدات المحيطة بالكتيبة المتمركزة في الغنطو في ريف حمص بتأمين الطرق حولها، بينما قام قائد كتيبة الصواريخ بجمع العسكريين وتحدث إليهم حول وضع البلاد ومشاركة الجيش السوري في قتل المدنيين، ثم منحهم تسريحا كيفيا وأعطى لهم حرية الانصراف إلى بيوتهم أو الانضمام لـ(الجيش الحر)»، ويشار إلى أن «الكتيبة تتضمن 130 عنصرا و10 ضباط، وجد منهم في أثناء الانشقاق 35 جنديا وضابطا. واختار 22 جنديا و3 ضباط منهم العودة إلى منازلهم بعد تأمين الطريق لهم، بينما اختار 8 جنود وضابطان الانضمام إلى (الجيش السوري الحر)».

وتحتوي كتيبة الدفاع الجوي المخصصة لحماية مصفاة حمص، على صواريخ «سام 6» و«سام 7» و«كوبرا»، بالإضافة لمضاد طيران وآليات وذخائر متنوعة، وهي تشكل مركز إمداد لقوات النظام السوري المتمركزة في تلبيسة والرستن والقصير وحمص.

وتقول المصادر إن «الجيش الحر» الذي خسر في هذه العملية 3 من أقوى مقاتليه في اشتباكات شنشار، استولى على الكثير من الذخائر والعتاد، قبل أن «تقدم قوات النظام السوري بعد ساعات على قصف موقع الكتيبة وتدمير الصواريخ البعيدة المدى بشكل كامل».

هذه العملية شكلت منعطفا كبيرا في حركة للانشقاق والعمليات العسكرية التي يقوم بها «الجيش الحر»، حيث تلا هذا انشقاق آخر مماثل في كتيبة المدفعية المتمركزة في منطقة شنشار، وذلك «بعد الاتفاق بين قادة الكتيبة وقادة (الجيش الحر) في المنطقة، وكانت هذه الكتيبة تدك بقذائفها أحياء مدينة حمص، لا سيما بابا عمرو وكذلك مدينة القصير لأكثر من 5 أشهر، وكان لانشقاقها كاملا في 18 يونيو الحالي وقع كبير لدى أهالي المنطقة الذين عانوا كثيرا من قذائف المدفعية التي كانت تنهمر عليهم من كتيبة المدفعية في شنشار».

وبحسب سكان المنطقة: «دمر أكثر من 70 في المائة من المنازل في القصير وبابا عمرو بتلك القذائف». وكان رد النظام على هذا الانشقاق بشن معركة شرسة سقط خلالها عدد من الجنود المنشقين وجنود «الجيش الحر» وجرح العشرات، تبعتها حملة مداهمات واعتقالات عشوائية للعشرات من أهالي بلدة شنشار وإذلال الأهالي في الشوارع بعد اتهامهم بإيواء الجنود المنشقين الذين قدر «عددهم بنحو 200 جندي، كما تصاعد القصف على مدينة القصير والقرى المحيطة بها بهدف دك معاقل (الجيش الحر)».

وبالتزامن مع انشقاق الغنطو، قامت كتائب «الجيش الحر» مجتمعة في مدينة القصير (5 كتائب) يوم 10 يونيو الحالي بالهجوم على أكبر معقل لقوات الجيش النظامي والأمن و«الشبيحة» داخل المدينة، وحول تفاصيل العملية قالت المصادر في «الجيش الحر» بحمص: «تمت محاصرة ومهاجمة مبنى البلدية المؤلف من 5 طوابق وفيه أكثر من 100 ضابط ومجند من المشرفين على العمليات في القصير، بالإضافة لـ20 قناصا كانوا يتناوبون على السطح الذي يكشف كل المدينة ومحيطها، كونها المبنى الوحيد المؤلف من 5 طوابق في مدينة كان أعلى مبنى فيها لا يتجاوز الـ4 طوابق»، بينما تتراوح أغلب المباني بين طابقين أو 3 طوابق.

وليلة الهجوم على مبنى البلدية قامت كتائب «الجيش الحر» بالإعداد لعملية مشتركة نوعية، حيث «تمت مهاجمة جميع الحواجز المحيطة بالمبنى الواقع في مركز المدينة، وأغلقت كل الطرق لمنع وصول تعزيزات، بينما توجهت كتائب أخرى إلى المبنى وقامت بالهجوم بأسلحة متوسطة وثقيلة بينها مدرعة سبق وتم الاستيلاء عليها. واستمرت المعركة الشرسة نحو 24 ساعة، تمكن خلالها (الجيش الحر) من السيطرة على محيط المبنى، وقبل اقتحامه قامت طيارات النظام بقصفه من الجو وتهديمه على رؤوس من فيه من ضباط تابعين للقوات النظامية، الذين تحصنوا في غرفة العمليات في القبو وقدر عددهم بنحو 75 ضابطا ومجندا».. جميعهم ما زالوا تحت الأنقاض، بينما نجا نحو 23 مجندا، أغلبهم قناصة، «أعلنوا استسلامهم بعد انهيار القبو على قادتهم ورفاقهم»، وتم أسرهم من قبل «الجيش الحر» الذي أعطاهم الأمان، وجرى التحقيق معهم جميعا وبثت مقاطع فيديو للتحقيقات على شبكة الإنترنت، أما الجرحى من جنود النظام فتم تسليمهم لذويهم، «بعد عدة مناشدات للصليب الأحمر الدولي ليتسلمهم دون استجابة».

وما إن تم إعلان تهدم مبنى البلدية والتخلص من أكبر معاقل النظام داخل المدينة، ومنصة القنص التي قتل أكثر من 50 شخصا برصاصها، حتى خرج الأهالي للاحتفال وطارت بشائر القضاء على البلدية عبر الهواتف، كخبر لا يصدق، كما تحول المبنى المحطم إلى محج للأهالي بعد أن حرموا من الوصول إلى محيطه منذ أكثر من عام. سيدة من القصير زغردت عبر الهاتف وهي تزف الخبر لأبنائها في العاصمة بصيغة مشفرة مفادها «البلدية بَح»، وكذلك كانت الفرحة بانشقاق كتيبة المدفعية، بينما توالت العمليات النوعية لـ«الجيش الحر»، كان آخرها الهجوم على معاقل وحواجز النظام، إذ تبعت معركة البلدية عملية نسف حاجز البرهانية في محيط مدينة القصير، وكان ثاني أكبر حاجز في المنطقة.

كما تمت مهاجمة باقي الحواجز ولم يتبق سوى حاجز المشتل الذي تتمركز فيه مدفعيات تقوم بقصف المدينة، بالإضافة إلى الحواجز المنصوبة على الطريق العام الذي يصل المدينة بالطريق الدولي حمص - دمشق. وبذلك يكون أكثر من 70 في المائة من المدينة خارج سيطرة النظام، ويقول أبو عبد الله: «ما يؤخر تقدمنا مدفعيات وطائرات النظام التي تقصفنا عن بعد، بينما لا يتمكن أي جندي من الدخول راجلا إلى القصير»، وأكد: «سنزيل كل الحواجز ومقار النظام ونعلن القصير منطقة محررة حتى لو متنا كلنا».