الديمقراطية الليبية تصطدم بحماس التطرف الديني

سفيان بن قومو: سأظل حاملا للسلاح حتى تنتهج ليبيا نظام حكم إسلاميا على نمط «طالبان»

TT

حمل عبد الحكيم الحصادي السلاح لأول مرة منذ قرابة 20 عاما في محاولة لإرساء الشريعة في ليبيا. درس تحت حكم طالبان في أفغانستان، وخلال الثورة التي اندلعت في ليبيا العام الماضي، قاد مجلس ميليشيات محليا هنا في مدينة تشتهر بأنها مهد الجهاد الإسلامي.

غير أن الحصادي ظهر بصورة جديدة الآن كسياسي متحمس لترشيح نفسه لمنصب محلي، متطلعا إلى صندوق الاقتراع للترويج لقيمه الإسلامية. يقول الحصادي: «لا يوجد مبرر لحمل السلاح الآن. فالكلمات هي سلاحنا. السياسة لا تحتاج إلا للكلمة. فهي لا تحتاج للقوة».

في المدينة نفسها، يقود سفيان بن قومو جماعة مسلحة ترفع الراية السوداء المميزة للتيار الإسلامي المتطرف. يقول قومو، الذي كان يعمل سائق شاحنة لحساب بن لادن، والذي قضى عقوبة مدتها ست سنوات في سجن غوانتانامو في كوبا، إن القرآن هو الدستور الوحيد الذي يعرفه. ويؤكد على أنه سيظل حاملا للسلاح إلى أن تنتهج ليبيا نظام حكم إسلاميا على نمط نظام حركة طالبان.

«عشت في كابل بأفغانستان، وقتما كانت تحكمها الشريعة الإسلامية»، هذا ما قاله في تصريح أدلى به مؤخرا للإذاعة المحلية، ويعتبر تصريحه العام الوحيد. وأضاف: «في حالة قيام دولة إسلامية هنا، فسوف أنضم إليها».

وفي ظل نزاع دائر هنا حول مستقبل الحركة الإسلامية، تبدو رؤية الحصادي للتغيير السلمي بارزة. بالنسبة للغرب، ربما يمثل نجاحه أعظم وعود الربيع العربي، بأن المشاركة السياسية يمكن أن تبطل تأثير التيار المتشدد من الإسلام الذي دفع الآلاف للقتال ونيل الشهادة في دول مثل العراق وأفغانستان.

وعلى الرغم من ذلك، فإن ذلك الأمل في تحقيق الديمقراطية تهدده الآن حالة الفوضى في ليبيا، والإشارات الدالة على حرب طائفية في سوريا، والحكم العسكري في مصر.

ويحدو البعض في الغرب مخاوف من أن يجد المسلحون مناطق جديدة لشن هجماتهم في درنة، التي يقول الجيش الأميركي إنها أرسلت عددا من الجهاديين لمحاربة الولايات المتحدة في العراق يفوق أي مدينة أخرى في حجمها، ما زال قومو ومسلحون آخرون يقودون مجموعة أتباع، بحسب مسؤولين محليين وسكان.

يلقي كثيرون باللائمة على المسلحين الإسلاميين في سلسلة من جرائم العنف، من بينها تفجير سيارة «مرسيدس بنز» الفارغة الخاصة بالحصادي.

غير أن كثيرا من الجهاديين السابقين هنا في درنة يقولون إنهم يثقون في الانتخابات، بدءا من التصويت على جمعية وطنية ليبية يتوقع إجراؤه الشهر المقبل.

يقول مصعب بن كامايل (25 عاما) في إشارة إلى امتزاج الهويات الدينية والديمقراطية الانتخابية في إسرائيل: «نرغب في أن تكون سياستنا على شاكلة سياسة إسرائيل». يدير بن كامايل، الذي أسرته القوات الأميركية في بغداد، والذي يدير الآن أشهر المطاعم في درنة، محل كباب يحمل اسم «بوب آيز».

ويتحرك ليبيون بارزون آخرون سافروا من قبل للخارج للقتال باسم الإسلام أيضا في الاتجاه نفسه. فقد قاد عبد الحكيم بلحاج حركة تمرد إسلامية في ليبيا وحارب السوفيات في أفغانستان، ثم انضم لاحقا إلى حركة طالبان قبل أن تعتقله وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في ماليزيا. وبوصفه قائدا للمجلس العسكري في طرابلس، أسس حزبا سياسيا على غرار الحزب الإسلامي الحاكم في تركيا.

يقول أنس الشريف، المتحدث السابق باسم حركة التمرد الإسلامية: «نحن لسنا حزبا إسلاميا».

وعلى الرغم من ذلك، فإن ثمة إشارات دالة على انقسام بين الجهاديين في درنة. فخلال ثورة العام الماضي، حملت الكتابات المكتوبة على الجدران عبارة «لا لتنظيم القاعدة». والآن، تم تسويد كلمة «لا».

قبل بضعة أسابيع، بعد أن تحدث الحصادي في أحد المساجد عن الانتخابات المقبلة، قام مسلحون بتفجير سيارته.

يقول محمد الميسوري (52 عاما) الذي يرأس مجلس الحكم المحلي: «بالتأكيد لدينا متطرفون. هناك ناس ليسوا على اتفاق مع الحصادي لأنه يتحدث عن الديمقراطية والانتخابات». ويضيف قائلا: «لم يقتنع سفيان بن قومو بعد بذلك، لكننا نعتقد أنه منفتح. الناس يحاولون أن يظهروا له أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لإقناع الناس بأفكارك».

تعتبر درنة، المحاطة بجبال بها كهوف عميقة، مركزا طبيعيا لمقاومة أفراد العصابات منذ عهد الإمبراطورية العثمانية. وفي عقد الثمانينات من القرن العشرين، انضم بعض شبابها للقتال ضد السوفيات في أفغانستان، ثم عادوا في التسعينات لتشكيل محور الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية، التي مثلت تهديدا للعقيد القذافي لفترة قصيرة.

وبعد هزيمتها، فر كثيرون، من بينهم قومو والحصادي، إلى أفغانستان.

يظل السواد الأعظم من الناس في حالة من الشك والارتياب في نوايا الغرب. يقول بن كامايل، صاحب المطعم الذي أمضى سنوات في سجن تديره الولايات المتحدة في العراق: «حتى الآن، لم أشهد أي جانب إيجابي في السياسة الأميركية».

حينما أتى إليه وسيط ليبي يعمل بصحيفة «نيويورك تايمز»، صاح قومو من الباب قائلا: «اذهب للجحيم. كنت في غوانتانامو لمدة ست سنوات، ولم يكن الأميركيون مهتمين بالحديث إلي! فلم أتحدث إلى أميركي الآن؟» حكم على قومو، الذي أتم الدرجة السابعة فقط، بالسجن 10 سنوات في 1993 بجريمة مخدرات. وفر، بحسب السجلات الحكومية، إلى السودان، حيث رافق بن لادن لأول مرة.

واعتقل في عام 2002 على أيدي الاستخبارات الباكستانية، ثم اقتيد إلى سجن «غوانتانامو». وفي عام 2008، نقل إلى أحد السجون الليبية.

والآن، أصبح قومو هو من يتلقى كل اللوم النابع من المخاوف من اندلاع أعمال عنف جديدة من قبل الإسلاميين، خاصة بين أتباع المدارس الإسلامية غير التقليدية.

يقول المحافظون المتشددون الذين أشعلوا الثورة لدوافع دينية إنهم يعيشون في حالة من الخوف من العناصر الجهادية المسلحة.

قال إمام متشدد، متحدثا مشترطا عدم الكشف عن هويته: «قلبي يعتصر ألما».

يقول صوفيون إن المسلحين دمروا دارا للعبادة خاصة بهم. وأشارت طبيبة نفسية صوفية بارزة إلى أنه تمت زيارة قومو لسؤاله عن حكم الشريعة بشأن إطلاق اللحية. قالت الطبيبة، منصفة موسى: «عظيم».

عندما ظهر قومو في البرنامج الإذاعي في يناير (كانون الثاني)، وجه إليه المتصلون اتهامات بإصدار أوامر باغتيالات وإخفاء المقاتلين الأجانب، وتساءلوا عن سبب عدم قيامه بدور أكثر فاعلية في الحياة المدنية مثل الحصادي. تساءل أحد المتصلين قائلا: «ماذا عن المدنية التي لا يحبها الشيخ سفيان؟».

في البداية يذكر المتصلين بالسنوات التي قضاها رهن الاعتقال في سجن «غوانتانامو» قائلا: «إذا تحدثت عن ذلك الآن، فلن تستطيعوا منع دموعكم».

وأشار إلى أنه لم يصدر أوامره بالاغتيالات قائلا: «يجب أن تكون أميرا لتصدر تلك الأوامر»، وأنه لن يجبر امرأة مطلقا على ارتداء الحجاب. وأضاف: «إنه أمر غير وارد!».

من المستحيل معرفة عدد من يقفون وراء قومو في درنة. غير أن بعض العناصر الجهادية السابقة وآخرين في محيطهم يبدون محرجين من آرائه. قال فارس الغرياني (32 عاما): «إنهم يظنون أنهم المسلمون الحقيقيون في المدينة».

على جانب آخر، كان آخرون متقبلين لحلول وسط، مثل التجاوز عن تحريم الكحوليات للسماح بها في الفنادق السياحية.

قال ماهر المسماري (37 عاما)، الذي سافر إلى العراق للقتال بعد الغزو الأميركي: «سيتعين علينا أن نلتقي في منتصف الطريق».

تباهى الحصادي، الجهادي الذي تحول إلى سياسي، بأنه لم يطلب من امرأة أن تصبح زوجته الرابعة. وأوصى بأن يجرب الغرب أشكال العقاب البدني التي تنص عليها الشريعة الإسلامية، مثل قطع أيدي اللصوص، كعقاب رادع.

لكنه يحاول توسيع نطاق جاذبيته. يؤم الحصادي، الذي عمل أستاذا بمدرسة، الصلوات في مسجد محلي، ويقدم برامج تلفزيونية وإذاعية، ويتودد لوسائل الإعلام الإخبارية المحلية والدولية. ويقول إن حركة طالبان كانت مخطئة في حظر عمل المرأة (سوف يقمن بالتصويت في ليبيا).

يظل هو وقومو صديقين، بحسب الحصادي، وكان يعمل على إقناع قومو بالإيمان بالديمقراطية ونزع أسلحته، أو على الأقل إنزال راية الجهاديين من مجمعه.

وأشار الحصادي إلى أنه حدثه قائلا: «إنك تشوه صورتنا». وأضاف: «من الجيد أن يكون لديك تلك الراية، لكن إذا كان الأمر يخيف الناس، فلماذا تملكها؟ لا يمكنك فعل أي شيء. لم لا تغادر هذا المكان؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»