الحكومة الكويتية تستقيل لتفادي «أي شبهة دستورية».. والمعارضة تشكك بنواياها

ساحة الإرادة تشهد اليوم تجمع المطالبين بحل مجلس 2009

وزير إعلام الحكومة الكويتية المستقيلة محمد العبدالله يتحدث للصحافيين في مؤتمر صحافي أمس (أ.ف.ب)
TT

قدمت الحكومة الكويتية أمس استقالتها لأمير البلاد، بعد أيام من حكم المحكمة الدستورية إلغاء مجلس الأمة الحالي الذي تحتل المعارضة أكثرية مقاعده بعد فوزها في الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير (شباط) الماضي.

وفي حين رأت الحكومة أن الاستقالة تأتي «لتفادي السقوط في أي شبهة دستورية»، رأى معارضون أن القرار من شأنه إطالة أمد الأزمة. وتواجه الحكومة المستقيلة اليوم الثلاثاء اختبارا للقوة تقدمه المعارضة التي دعت جمهورها للاحتشاد في ساحة الإرادة، كمسعى للضغط على الحكومة لحل مجلس الأمة 2009 والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة.

ومنذ تشكيلها منتصف فبراير (شباط) الماضي، واجهت الحكومة الكويتية عاصفة من الاستجوابات النيابية، لكن معظمها جاء من الأقلية التي تتحالف معها، وعدد أقل من المعارضين. واستقالت سبع حكومات على الأقل في السنوات الأخيرة وسط أزمة سياسية مستمرة ألقت بظلالها على الإصلاح وعطلت مشاريع تنموية حيوية في البلاد.

وأعلن وزير الإعلام، الشيخ محمد العبدالله الصباح، أن الحكومة التي يرأسها الشيخ جابر المبارك قدمت أمس استقالتها لأمير البلاد بعد اجتماع استثنائي عقده مجلس الوزراء، تم فيه تقديم رئيس اللجنة الوزارية المكلفة النظر في كيفية تنفيذ حكم المحكمة الدستورية القاضي ببطلان مرسوم حل مجلس 2009.

وأضاف: «الاستقالة لم تأت لنزع الفتيل السياسي (للأزمة) لكن الهدف الرئيسي هو استكمال الجوانب الإجرائية الواجب توافرها لتنفيذ حكم (المحكمة) الدستورية».

وقال وزير الإعلام إن الحكومة قدمت استقالتها حتى لا تقع في نفس المطب برفع مراسيم جديدة من طرف حكومة غير ذي صفة قانونية، مضيفا «أن الحكومة ارتأت تقديم استقالتها حتى تضمن التنفيذ السليم لحكم المحكمة الدستورية، وأن لا يكون مدعاة لأي طعون في المستقبل، ولتفادي السقوط في أي شبهة دستورية».

وقال الشيخ محمد العبدالله: «من واجب الحكومة أداء القسم أمام الأمير لاكتساب الصفة التنفيذية، وأمام مجلس الأمة لاكتساب الصفة التشريعية»، مشيرا إلى أن حكومته أجرت استطلاع آراء عدة لمختصين في جامعة الكويت بشأن الإجراءات الخاصة بتنفيذ قرار المحكمة الدستورية، مضيفا: «ما نمر به اليوم هو سابقة دستورية أولى من نوعها منذ خمسين عاما».

من جانب آخر تحشد المعارضة جمهورها اليوم في مظاهرة بساحة الإرادة بهدف إجبار الحكومة على حل مجلس 2009، ودعا للتظاهر تجمع «نهج» الذي يتألف من قوى معارضة بينها: الحركة الدستورية الإسلامية، وكتلة العمل الشعبي، والتجمع السلفي، والحركة السلفية، واتحاد الطلبة، وتجمع ثوابت الأمة.

وكانت الحركة السلفية الكويتية قالت في بيان أمس إنها ستشارك اليوم فيما سمته الحراك الشبابي بهدف التصعيد السياسي، وقال بدر الشبيب، الأمين العام للحركة السلفية، إن حركته ستشارك في التصعيد السياسي للحراك الشبابي بكل طاقاتها وإمكانياتها، وذلك في التجمع الحاشد اليوم الذي دعت إليه «نهج»، وهي جزء منه، والمطالبة بإعادة حق اختيار الشعب مرشحيه، وأن الخروج من هذه الأزمة هو الحكومة المنتخبة التي دعت إليها الحركة السلفية سابقا منذ عام 1997.

إلى ذلك قال ناصر العبدلي، رئيس جمعية التنمية الديمقراطية في الكويت لـ«الشرق الأوسط» أمس: «المظاهرات التي دعت لها المعارضة تأتي كخطاب انتخابي، حيث وعدت الأغلبية ناخبيها بمشروع إصلاحي لم تتمكن من تحقيقه، والحراك في الشارع يستهدف رص الصفوف وإيجاد حشد انتخابي».

وأضاف: «ثمة متغيرات طرأت على المزاج الشعبي الكويتي، فأسباب الحراك السابق الذي ساهم في إسقاط مجلس 2009 لم تعد قائمة، حيث لا وجود لرئيس الحكومة السابق (الشيخ ناصر المحمد) المتهم من قبل المعارضة بتعطيل الإصلاح».

في حين قال أحمد الديين، عضو التيار التقدمي الكويتي (يسار)، لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة في الكويت تتعمد إدخال البلاد في هذا المأزق السياسي». وأضاف: «تأتي استقالة الحكومة اليوم (أمس) لتسجل مبالغة في التحوط الإجرائي بهدف إطالة أمد الأزمة، وإطالة عمر مجلس عام 2009».

وقال إنه من الواضح أن السلطة في الكويت لم تكن راغبة في قبول نتائج انتخابات فبراير 2012 وتعمدت تلغيم قرار حل المجلس 2009 بأخطاء إجرائية لكي تستغلها لاحقا، مضيفا: «ما زالت المخاوف قائمة من أن يتم استغلال الوضع للعبث في الدوائر الانتخابية بتقسيم الكويت لـ10 دوائر انتخابية، وتغيير آلية التصويت».

وقال الديين إن المخرج لهذه الأزمة «يتمثل في حل مجلس الأمة 2009 وإجراء انتخابات نيابية وضمان عدم العبث في الدوائر الانتخابية»، أما على الصعيد الاستراتيجي فإن الكويت بحاجة «للتخلي عن عقلية المشيخة والتوافق على بناء مشروع الدولة الحديثة في إطار برلماني متكامل وحياة حزبية، والقيام بتطور ديمقراطي حقيقي».

من جانب آخر، أجلت محكمة الجنايات أمس محاكمة المتهمين باقتحام مجلس الأمة 2009، إلى جلسة 8 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وأخلت سبيل النواب التسعة المتهمين بعد التحقيق معهم، وجاء إخلاء سبيل النواب لتمتعهم بالحصانة النيابية.

وفي إشارة لافتة، شارك الشيخ جابر المبارك، رئيس الوزراء المستقيل، مساء أول من أمس، في تكريم نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية السابق مصطفى جاسم الشمالي، في حفل توديعي أقامته وزارة المالية للوزير السابق الذي استقال على خلفية استجواب المعارضة له في مجلس الأمة، وعلى هامش الحفل صرح وزير الإعلام، الشيخ محمد العبدالله الصباح، بأن الشمالي ترك «أثرا غير طبيعي» في النفوس بعد أن طويت صفحته العملية، مبينا أنه من الرجال الذين يعجز اللسان عن إيفائهم حقوقهم وذكر صفاتهم الحميدة.