كوريا الشمالية تختبر صبر أقرب حلفائها

الزعيم الشاب كيم جونغ يظهر نوعا من عدم الاحترام للصين

عمال من كوريا الشمالية في حقل خارج العاصمة بيونغ يانغ (نيويورك تايمز)
TT

في الوقت الذي بدأ فيه الزعيم الشاب، كيم جونغ أون، في إحكام قبضته على السلطة في كوريا الشمالية، بدأت علامات الإحباط المتزايد تظهر على الصين، نتيجة السلوك العدواني لحليفتها القديمة.

وفور توليه سدة الحكم خلفا لوالده كيم جونغ إيل قبل ستة أشهر، أدار كيم ظهره للإدارة الأميركية ووضع كوريا الشمالية على الطريق الصحيح لتطوير رأس نووي بإمكانه أن يهدد الولايات المتحدة في غضون بضع سنوات، حسب ما صرح به محللون صينيون وغربيون.

ومع ذلك، كان الشيء الأكثر إثارة للدهشة هو أن كيم قد أظهر نوعا من عدم الاحترام للصين التي تقدم مساعدات كبيرة لكوريا الشمالية؛ فعلى سبيل المثال قام نائب وزير الخارجية الصيني، فو يينغ، بزيارة لعاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ، بعد وقت قصير من وصول كيم لسدة الحكم، وحذره بشدة من المضي قدما في اختبارات الصواريخ البالستية، ولكن كان كيم قد مضى في طريقه على أي حال.

والآن، تنتظر إدارة أوباما والحكومة الصينية، اللتان تتشاوران بحذر فيما يتعلق بالملف الخاص بكوريا الشمالية، ما إذا كان كيم سيسير على خطى والده ويقوم بإجراء بالاختبار النووي الثالث، بعدما كانت بيونغ يانغ قد أجرت اختبارين بالفعل عامي 2006 و2009 أم لا.

وخلال الشهر الحالي، أعلنت وكالة الأنباء الرسمية لكوريا الشمالية أنه لا توجد خطط للقيام باختبار ثالث «في الوقت الراهن»، وهو التصريح الذي يراه محللون بمثابة إشارة على أن كيم ينتظر اللحظة المناسبة للقيام بهذا الاختبار.

وردا على سؤال حول احتمال قيام كوريا الشمالية بتجربة نووية ثالثة، قال تسوي تيان كاي، وهو أحد نواب وزير الخارجية الصيني: «لقد أخبرناهم بصورة واضحة للغاية بأننا ضد أي استفزاز. أخبرناهم بذلك بطريقة مباشرة للغاية، ونؤكد مرة أخرى على أننا ضد القيام بتجربة نووية جديدة».

ولدى سؤاله عن السبب وراء عدم قيام الصين بمعاقبة كوريا الشمالية نتيجة لتلك الاستفزازات، قال تسوي: «إنها ليست مسألة عقوبات، فهي دولة ذات سيادة».

وقال تسوي إن الصين قد قامت بتأييد العقوبات التي فرضها مجلس الأمن على كوريا الشمالية عقب أول تجربتين نوويتين، وأضاف: «لا يمكننا إجبارهم على الاستماع إلينا».

وقد ظهر السلوك الغريب لكيم في وقت مبكر، وفي نهاية فبراير (شباط)، قامت حكومته بتوقع اتفاق مع الولايات المتحدة لتجميد أسلحتها النووية وبرامج الصواريخ الباليستية، وهو ما أعطى انطباعا بأنه سيكون أكثر انفتاحا على التغيير من والده. ولكن بعد مرور ستة أسابيع فقط، أخل كيم بهذا الاتفاق، وأمر (من دون إبلاغ الصين) بإجراء التجربة الصاروخية التي تراها واشنطن بمثابة اختبار لإطلاق سلاح نووي.

وفشلت تلك التجربة الصاروخية في أبريل (نيسان) الماضي، ولكن لم يكن هذا كافيا للحد من مخاوف الإدارة الأميركية من أن كيم عازم على المضي قدما في البرنامج النووي. وقال ايفانز ريفير، وهو نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادي سابقا: «كوريا الشمالية في طريقها لبناء رأس نووي يكون قادرا في غضون سنوات على إصابة أي هدف إقليميي، وأميركي في نهاية المطاف».

ومنذ فشل التجربة الصاروخية، نص كيم رسميا في الدستور على أن كوريا «دولة نووية»، في إشارة أخرى على أن الحكومة ليس لديها النية للتخلي عن برنامجها النووي، على حد قول ريفير، الذي أضاف أنه لا توجد اتصالات عملية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، ولذا فقد حان الوقت بالنسبة لواشنطن لكي تشدد من نهجها إزاء الملف النووي الكوري الشمالي.

وفي إطار سلسلة من المناورات السريعة، تولي كيم، الذي يعد عمره الحقيقي غير معروف حتى الآن (يعتقد أنه في الثامنة والعشرين أو التاسعة والعشرين)، السلطة عقب وفاة والده مباشرة، ووضع حدا للشائعات التي كانت تقول في وقت مبكر إن فترة ولايته ستشهد تدخلا في السلطة من جانب أقاربه الأكبر سنا إلى حد كبير.

وعنونت وكالة الأنباء الرسمية الصينية إحدى مقالاتها الأسبوع الماضي كالتالي: «انتقال سلس للسلطة بعد ستة أشهر من وفاة كيم جونغ إيل. كوريا الشمالية تدخل عهد كيم جونغ أون».

وقال دانيال بينكستون، وهو عضو في مجموعة الأزمات الدولية في سيول، الذي قام بكتابة تقرير في المجموعة عن كوريا الشمالية سيصدر قريبا، إن الجنرالات البارزين في الجيش الكوري الشمالي، وبعض منهم في العقد التاسع من العمر، يعملون الآن تحت إمرة كيم كقيادة موحدة للبلاد.

وخلال أحد اجتماعات الحزب الشيوعي الحاكم في أبريل (نيسان) الماضي، تم تعيين بعض أفراد عائلة كيم في مناصب قيادية في المكتب السياسي للحزب. وشملت قائمة المعينين الجدد كيم كيونغ هوي، وهي الشقيقة الصغرى لوالد كيم، وزوجها تشانغ سونغ تايك.

وقال بنكستون: «لا توجد هناك مؤشرات على وجود أي نوع من أنواع المعارضة على نقل السلطة في الحزب، سواء حكومية أو عسكرية. وعلى الرغم من أن كثيرا من الكوريين الشماليين غير راضين عن الحكومة، فإن الحواجز التي تحول دون العمل الجمعي تجعل من الخطورة، وربما من المستحيل، تنظيم أي نوع من أنواع المقاومة».

وفي محاولة لتجنب الحرج الناجم عن فشل التجربة الصاروخية، وجه كيم تحذيرا عدائيا لكوريا الجنوبية في نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي، مهددا بأن فريقا من «العمليات الخاصة».. «سوف ينهي القيادة الجبانة للرئيس الكوري الجنوبي لي ميونغ باك».

وعلى النقيض من والده الذي كان قليل الكلام، كثيرا ما يظهر كيم في المناسبات العامة، ولا سيما بين الطلبة والأطفال، في إطار حملة إعلامية تهدف إلى تقديم صورة أكثر اعتدالا للرئيس في أوساط السكان الفقراء الذين يشعرون بالمرارة.

وقد قضى كيم سنوات كثيرة في مدرسة داخلية سويسرية، وهو ما جعل بعض المحللين يرون أنه سيكون قادرا على القيام بإصلاحات اقتصادية. وقد اتضح فيما بعد أن هذه الافتراضات لم تكن في موضعها، ولم يظهر الزعيم الجديد أي اهتمام بالنصائح الصينية له بفتح الاقتصاد، ولو بطريقة متواضعة.

وعلى الرغم من عناد كيم، لا تزال الصين تدعم الاقتصاد الكوري الشمالي وتحميه من الانهيار، حيث قامت الصين عقب تولي كيم السلطة مباشرة بمنح كوريا الشمالية 50000 طنا من المواد الغذائية و250000 طنا من النفط الخام، وفقا لما أعلن عنه التقرير الصادر عن مجموعة الأزمات الدولية. وقد أدت هذه المساعدات إلى التغلب على ما وصفه مسؤول الإغاثة الألماني، ولفغانغ جامان، في العاصمة الصينية بكين يوم الجمعة الماضي بأنه أسوأ موجة من الجفاف تشهدها البلاد منذ 60 عاما.

يذكر أن منظمة المعونة الغذائية العالمية التي يعمل بها جامان تدير برنامجا للأغذية في كوريا الشمالية منذ عام 1997.

وأضاف جامان، الذي عاد لتوه من زيارة إلى كوريا الشمالية: «لو استمر الجفاف، ستواجه كوريا الشمالية مشكلة كبيرة».

ويبدو أن المعونة الصينية قد نجحت في منع حدوث كارثة في كوريا الشمالية حتى الآن. ووفقا لوزارة الخارجية الكورية الجنوبية فإن نقص الغذاء لا يبدو خطيرا كما كان متوقعا، على الرغم من أن الوضع في كثير من المناطق الريفية سيئا للغاية.

ومع ذلك، لم ينجح هذا السخاء في حماية الصين من عدوان كوريا الشمالية، التي قامت باحتجاز أكثر من عشرين صيادا صينيا لنحو أسبوعين في شهر مايو (أيار) الماضي. وعقب إطلاق سراحهم، قال أحد الصيادين إن قاربه قد تم الاعتداء عليه من قبل رجال البحرية الكورية الشمالية الذين كانوا يلوحون ببنادقهم ويهددونهم.

وبعد «13 يوما في الجحيم»، تم إطلاق سراح الصيادين، وفقا للمقابلات الشخصية التي أجرتها وسائل الإعلام الصينية، ولكن بعد أن تم تجريد الرجال والقارب من كل شيء، لدرجة تجريد الصيادين من ملابسهم وتركهم بملابسهم الداخلية.

ونتيجة لهذا السلوك الغريب، اشتعلت الاحتجاجات على المواقع الإلكترونية الصينية، وقال المحللون الصينيون الذين يتابعون الشأن الكوري الشمالي، والذين عادة ما يكونون هادئين للغاية، إنهم شعروا بغضب شديد من تلك الإهانات. وقال أحد المحللين الصينيين، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته خشية أن يتسبب في غضب رؤسائه: «شعرت بخيبة أمل من السياسة غير الحازمة التي اتبعتها حكومتنا أثناء أزمة احتجاز الصيادين».

ويقول شي ينهونغ، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة رينمين إن المسؤولين الصينيين «لا يجرؤون على استخدام النفوذ الاقتصادي الصيني ضد كوريا الشمالية، لأن سقوط حكومة كوريا الشمالية سيؤدي إلى قيام كوريا موحدة تابعة للولايات المتحدة، وهو ما يمثل كابوسا مخيفا للصين، بحسب شي.

وترى يون سون، محللة الشؤون الصينية في واشنطن أن القلق المتزايد بشأن ما تعتبره الصين جهودا حثيثة من جانب الولايات المتحدة لاحتوائها (بما في ذلك تمركز سفن حربية في المحيط الهادي) يجعلها أقل رغبة في مساعدة الولايات المتحدة في القضية الكورية.

وكتبت في مقال نشر لها الأسبوع الماضي في مركز الدارسات الدولية والاستراتيجية في هاواي، حيث يقع مقر قيادة القوات الأميركية في المحيط الهادي، ذراع الجيش الأميركي التي تشرف على الوجود العسكري البحري الأميركي في المحيط الهادي: «لن تساعد الصين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية في حل مشكلة كوريا الشمالية أو أن تسارع من وتيرة استصدار قرار لا تحبذه، نظرا لأن الصين ترى نفسها العدو المقبل ضمن لائحة الولايات المتحدة.

ويعتقد ستابلتون روي، السفير السابق للولايات المتحدة في بكين ونائب رئيس معهد هنري كيسنجر في مقال هذا الشهر، لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، أن هناك أسبابا تاريخية كامنة وراء الحماية الصينية لكوريا الشمالية، فيقول: «ترفض بكين كل جوانب سياسة كوريا الشمالية، لكن الذكريات الطويلة لكل من الحرب الكورية وكيفية استخدام اليابان لشبه الجزيرة لغزو الصين في الفترة من عام 1937 وحتى 1945، يجعل للصين مصالح أمنية أصيلة، في الحفاظ على نفوذها في بيونغ يانغ، وفي عدم السماح للقوى الأخرى بأن تكون صاحبة اليد العليا هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز»