مصر: صراع مكتوم بين «الدولة العميقة» للفلول و«تحالف العسكري والإخوان»

لواء سابق بالجيش المصري: النظام السابق لم ينته تماما

TT

تحدثت مصادر أمنية مصرية لـ«الشرق الأوسط» أمس عما سمته صراعا مكتوما يجري في البلاد بين «الدولة العميقة» التي قالت إن غالبيتها من «الفلول» السائرين على خطى سياسات النظام السابق، وما أصبح يطلق عليه «تحالف المجلس العسكري الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين»، التي فاز أحد قيادييها برئاسة الدولة المحورية في منطقة الشرق الأوسط.. لكن اللواء السابق في الجيش، عادل سليمان، قلل من أهمية الحديث عن «الدولة العميقة»، رغم قوله إن النظام السابق لم ينته بنسبة مائة في المائة بعد، في وقت أعرب فيه اللواء محمد قشقوش، أستاذ الأمن القومي في أكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، عن ثقته في أن المجلس العسكري لا يمكن أن يكون قد أقدم على مثل هذه الخطوة، مشددا على أن «العسكري» لا يعنيه إلا مصلحة الدولة.

وزعمت المصادر الأمنية أن جماعة الإخوان وافقت على مقترحات بترك صلاحيات كبيرة واستراتيجية في يد المؤسسة العسكرية المصرية التي تحتفظ بدورها بعلاقات وطيدة مع واشنطن، وتحصل منها على نحو 1.3 مليار دولار سنويا كمساعدات مخصصة للجيش المصري، منذ توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد عام 1979.

وقالت المصادر إن استمرار الجيش في السلطة، ومنح جماعة الإخوان بعض الصلاحيات الهامشية في الحكم، كان الحل الأمثل الذي توصلت إليه الأطراف الإخوانية والعسكرية المصرية، في ظل مشاورات شاركت فيها أطراف غربية، سواء عبر اتصالات هاتفية أو مقابلات شخصية، لكن جماعة الإخوان والمجلس العسكري نفيا وجود أي ضغوط أو تدخل من هذا النوع.

وأضافت المصادر أنه في أعقاب الإعلان المفاجئ عن فوز محمد مرسي بالرئاسة، شعرت الشريحة العليا في الطبقة الوسطي بالأجهزة الأمنية ممن يسمون بـ«الفلول» أو «ممثلي الدولة العميقة»، أنهم قد تعرضوا للخديعة.

وأشارت المصادر إلى أنه «يمكن القول إنه منذ الإعلان عن فوز مرسي، أصبح يلاحظ عدم ثقة متنامٍ بين أنصار الدولة العميقة والرؤساء الكبار في الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة».

وقال اللواء عادل سليمان، وهو أيضا مدير المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، ومحلل سياسي وعسكري، إن ما قيل عن وصف جيل من الضباط الصغار والمسؤولين في العديد من المؤسسات المصرية الأمنية وغير الأمنية، بأنهم يمثلون «الدولة العميقة»، هو مصطلح اختلقته بعض وسائل الإعلام لإثارة الفوضى، ولا وجود له في مصطلحات النظم السياسية، مثله مثل مصطلح «الدولة المدنية»، قائلا إنه «لا يوجد شيء اسمه الدولة العميقة.. هذه مصطلحات تم اختراعها».

وأضاف قائلا «مصر دولة بيروقراطية منذ آلاف السنين، وفيها أقدم نظام دولة معروف في التاريخ». وقال إن مصر كان فيها (قبل ثورة 25 يناير) نظام أمني قمعي وليس دولة أمنية، و«هذا النظام تهاوى بشكل سريع لكنه لم ينته بنسبة مائة في المائة».

وتابع أنه «كون أن هناك بعض الناس ممن كانوا عسكريين في الجيش أو في الشرطة وتم تعيينهم في السابق بعد التقاعد في بعض الوظائف، فهذا لا يعني أنهم من الدولة العميقة»، مشيرا إلى أن الدولة البيروقراطية بطبعها الوظيفي تنفذ قرارات السلطة أيا كان المسؤول عنها.

وعن التحليلات والتسريبات المحلية والغربية التي تتحدث عن صفقة بين المجلس العسكري وجماعة الإخوان، قال اللواء سليمان، إنه فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة لا أعتقد حدوث ذلك.. «كل هذه إشاعات وبلبلة في نفس سياق الحرب النفسية على الشعب المصري منذ 15 يوما»، مشيرا إلى أن مثل هذا الكلام فيه «نوع من أنواع الإهانة للشعب المصري، ويأتي برد فعل سيئ»، وقال إن بعض التحليلات التي تنشر في الصحف الغربية ليس لها مصداقية، و«لكن لها أهداف»، ولا تعبر عن مواقف الدول التي تصدر منها.

وتابع اللواء عادل سليمان قائلا إن الشعب المصري بسيط لكنه يعرف أين مصلحته، وهو «أخذ قرار ونفذه، وهو إسقاط نظام مبارك بصرف النظر عن الأداة التي يستخدمها في إسقاطه، وكان المؤهل لهذا هو محمد مرسي، أيا كان شكل الرئيس أو الحكومة».

وفيما يتعلق بالقدرة على حشد الأنصار من حملة الفريق شفيق، كما ظهر في منطقة المنصة في شرق القاهرة قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بيوم واحد، والذين قدرت أعدادهم بمئات الألوف، قال اللواء عادل سليمان إن من تظاهروا في ذلك اليوم لا يزيد عددهم على نحو 100 ألف، ويمكن حشد مثل هذا العدد، لكن المشكلة في استمراريته في الشارع، «في مصر ممكن نحشد لكن لن نستطيع أن نجعل أحدا يستمر إلا إذا كان مقتنعا»، مشيرا إلى أن الكثير من الإعلاميين «تم الضغط عليهم من أجل إظهار وجوههم ومع من يقفون»، وهو ما كشف عن مواقف كثير منهم، لكن أعتقد أن هذا لن يمثل مشكلة مستقبلا.

لكن اللواء قشقوش، وهو أيضا محلل استراتيجي عسكري، أعرب عن اعتقاده أن ما أشيع من تحليلات واجتهادات بهذا الشأن «لا أساس له»، كما كانت كل التكهنات السابقة بشأن القضاء والمجلس العسكري غير صحيحة. مشيرا إلى أن هذا «ليس من مصلحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لأن أي شيء يمكن أن يتكشف مستقبلا، بما يسيء للعسكري، وهم (في المجلس العسكري) وطنيون بالدرجة الأولى رغم أنه قد تكون هناك أخطاء في الناحية السياسية بسبب نقص الخبرة، لكن مصلحة الدولة واستقرارها يأتيان في المقدمة».