وزير المالية السوداني: لا تراجع عن الإجراءات الاقتصادية ورفع الدعم.. رغم الاحتجاجات

حزب الأمة السوداني يرفض قرار الأمن منع نشاطه السياسي في داره.. وينفي وجود مبادرة مع الحزب الحاكم

وزير المالية السوداني
TT

أعلن علي محمود، وزير المالية السوداني، أن الحكومة ستتمسك بقرارها خفض دعم الوقود على الرغم من المظاهرات المعارضة للتقشف والمستمرة منذ أكثر من أسبوع في الخرطوم ومدن أخرى.

وقال وزير المالية إن الحكومة لا خيار لها سوى خفض الإنفاق لسد عجز الموازنة العامة، الذي قال في وقت سابق إنه وصل إلى 2.4 مليار دولار. وأضاف في تصريحات صحافية: «في حالة ارتفاع أسعار النفط العالمية سنزيد أسعار المحروقات ولن نتراجع عن قرار رفع الدعم للمحافظة على المؤشرات الكلية للاقتصاد ونسبة النمو الحالية».

وقال شهود عيان ونشطاء لـ«رويترز» إن نحو 200 محتج احتشدوا أول من أمس في بلدة القضارف بشرق البلاد قرب الحدود مع إريتريا وهتفوا «لا لا للغلاء» و«الشعب يريد إسقاط النظام». وأشعل المتظاهرون النار في مكتب محلي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم. وقال شهود عيان إن النيران أتت على جزء من المكتب قبل أن تحضر مركبات الإطفاء لإخماد الحريق.

وهون محمد عبد الفضيل، معتمد بلدية القضارف، من شأن الاحتجاجات، قائلا في بيان صحافي: «إن مجموعة من المخربين والمندسين استغلوا الجماهير التي شاركت في تخريج مجندي عزة السودان، وحاولوا إحداث بعض الزعزعة داخل المدينة». وأضاف البيان «أن المواطنين لم يستجيبوا لعمليات التخريب التي يقف من ورائها بعض ضعاف النفوس والأقلية من المدسوسين، وقامت الشرطة بتفريق المتظاهرين من السوق».

وقال البيان إن المتظاهرين حطموا زجاج ثلاث سيارات وأحرقوا سبعة مقاعد بلاستيكية خارج المكتب المحلي للحزب الحاكم قبل أن تفرقهم الشرطة. وأضاف البيان أن الوضع الآن مستقر «وعادت الحياة لطبيعتها». ونفى وقوع أي خسائر في الأرواح.

بدأت المظاهرات، وهي أوسع احتجاجات تشهدها البلاد حتى الآن، في 16 يونيو (حزيران) الحالي بأحياء في الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان، واتسعت رقعتها فتخطت نطاق النشطاء الطلابيين الذين هيمنوا عليها.

وهون الرئيس عمر حسن البشير من شأن المظاهرات يوم الأحد، ووصفها بأنها من فعل قلة من مثيري الاضطرابات الذين لا يوافق غالبية السودانيين على أهدافهم. وساد هدوء نسبي في العاصمة منذ حملة أمنية قامت بها الشرطة يوم السبت، لكن النشطاء استمروا في محاولة استغلال الاستياء العام في بناء حركة أوسع نطاقا على غرار انتفاضات «الربيع العربي» ضد حكم البشير الممتد منذ 23 عاما.

وقال شهود عيان إن الشرطة استخدمت الهراوات والغاز المسيل للدموع في وقت متأخر يوم الأحد الماضي لتفريق احتجاج في منطقة الجريف بشرق الخرطوم بعد أن سد المتظاهرون طريقا رئيسيا وأحرقوا إطارات ورددوا هتافات تندد بالغلاء.

وتضرر الاقتصاد السوداني - الذي يعاني بالفعل من سنوات الصراع والعقوبات التجارية الأميركية وسوء الإدارة - من انفصال جنوب السودان المنتج للنفط في يوليو (تموز) الماضي.

وقال وزير المالية السوداني إن الاقتصاد السوداني تضرر مرة أخرى بسبب الاشتباكات التي وقعت مع جنوب السودان في أبريل (نيسان) الماضي في منطقة هجليج، وهي منطقة حدودية كانت تنتج قرابة نصف ما تبقى للسودان من إنتاج نفط. وأضاف: «لم يكن أمامنا خيار غير تعديل الموازنة». وأدت إجراءات التقشف الأخيرة إلى ارتفاع سعر جالون البنزين من 8.5 جنيه سوداني (ما يزيد قليلا على 1.5 دولار حسب سعر الصرف في السوق السوداء) إلى 12.5 جنيه.

إلى ذلك، قالت سلمى الورداني، الصحافية المصرية التي تعمل في وكالة بلومبرغ الدولية، أمس، إنها موجودة حاليا في مطار الخرطوم تنتظر إبعادها من قبل السلطات السودانية. وقالت سلمى وهي تبكي: «لقد أمروني بالمغادرة»، حسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أمس.

وقد احتجز عناصر أمن الدولة سلمى الورداني خمس ساعات أثناء قيامها بتغطية مظاهرة طلابية.

وعلى صعيد آخر اعتبرت الجبهة الوطنية العريضة (المعارضة) تصريحات الرئيس البشير دعوة لقتل المواطنين. وقال علي محمود حسنين، رئيس الجبهة، في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه: «إن عمر البشير وأمام مجموعة من مرتزقة نظامه هاجم المعارضين الذين يقودون انتفاضة سلمية عارمة في مدن السودان تطالب بإسقاط النظام ووصفهم بشذاذ الآفاق. وليس في هذا جديد، فالبذاءة هي لغة قادة النظام، بل هذا ما يردده الطغاة الذين ثارت عليهم شعوبهم. ولكن الجديد هو تهديد البشير باستدعاء من وصفهم بالمجاهدين الحقيقيين لمواجهة المتظاهرين. وهذه دعوة صريحة واضحة لقتل المواطنين وإشعال حرب على الثوار السلميين وإراقة الدماء الطاهرة. وهو لم يهدد باستدعاء المجاهدين عموما، بل باستدعاء المجاهدين الحقيقيين، أي الإرهابيين الذين لا يرعون إلا ولا ذمة ويقتلون بغير حساب».

وأضاف البيان: «إن الجبهة الوطنية العريضة تحذر النظام من السير في هذا الطريق الشائك، وتعلن لكل شعوب العالم أن نظام الإنقاذ الذي ارتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وجرائم الإبادة الجماعية في دارفور، ويواصل ارتكاب جرائمه في جبال النوبة والنيل الأزرق، لا ينبغي أن يسمح له بأن يواصل جرائمه في مواجهة الثوار المدنيين السلميين في مدن السودان المختلفة. وندعو منظمات حقوق الإنسان إلى إدانة سياسات النظام».

من جهة أخرى، نفى حزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي، رئيس الوزراء الأسبق، وجود أي مبادرة من طرفه، واصفا الأنباء التي تحدثت عن ذلك بمحاولة لتشويش مواقف الحزب فيما يجري الآن في السودان، وشدد على أنه سيواصل نشاطه الجماهيري بعد رفضه قرار جهاز الأمن بوقف النشاط السياسي داخل الدار.

وقال الدكتور إبراهيم الأمين، الأمين العام لحزب الأمة القومي، لـ«الشرق الأوسط»، إن زعيم حزبه الصادق المهدي لم يقدم أي مبادرة لحزب بعينه، مشيرا إلى أن الحزب كان قد طرح قبل أكثر من أسبوعين مشروع سلام على كل القوى. وقال: «هو مشروع سلام للشعب السوداني ولم نطرح مبادرة لحزب بعينه». وأضاف: «هذا المشروع تم طرحه قبل اندلاع المظاهرات الأخيرة، ولكن جهات بعينها تحاول أن تحدث تشويشا في مواقف الحزب تجاه الأحداث الجارية الآن وإرباك جماهيرنا».

وقال الأمين إن المكتب السياسي لحزبه رفض بشكل قاطع منع النشاط الجماهيري في دار الحزب ومواصلة حقه المشروع في هذا المجال. وأضاف: «الرفض كان بالإجماع في المكتب السياسي، كما رفضنا الرقابة على الصحف واتخاذ موقف عملي في التضامن مع الصحافة لكفالة حريتها». وتابع: «من حق الشعب السوداني التعبير عن نفسه سلميا في مطالبهم السياسية، وهو حق مكفول في الدستور». وقال: «سوف نعقد ندوتنا الدورية غدا (اليوم) في الدار للتعبير عن مواقفنا الرافضة لسياسات الحكومة بصورة منضبطة ولا تسمح بأي تخريب».

وكان حسبو محمد عبد الرحمن، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني، قد كشف في تصريحات عن تسلم حزبه مبادرة من الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة القومي، لعقد مؤتمر للسلام قريبا، مشيرا إلى أن الحزبين دخلا في حوار جديد حول القضايا الراهنة، وقال إن الحوار الجديد مع حزب الأمة بدأ منذ وقت قريب حول الأجندة الوطنية، وأضاف أن الحوار مستمر بينهما.