مدونون شباب يضغطون من أجل التغيير الشامل في الصين

غالبيتهم أبناء مسؤولين في الحزب الشيوعي و«معاركهم» تتوسع مع اشتداد الرقابة

وو هنغ، طالب الدراسات العليا بجامعة فودان، يشير إلى موقعه الإلكتروني حول سلامة الأغذية («واشنطن بوست»)
TT

سوف يحدد الأشخاص التسعة الذين سيتم اختيارهم في وقت لاحق من العام الحالي كأبرز القادة الصينيين، ما إذا كان النظام السياسي الاستبدادي في البلاد سيستجيب إلى مطالب التغيير أم لا، وإلى أي مدى ستكون هذه الاستجابة. وسيكون هؤلاء القادة مدفوعين بعدد هائل من المدونين والنشطاء على شبكة الإنترنت الذين يطالبون بمزيد من المساءلة ويضغطون بشكل تدريجي لتوسيع مساحة الحريات في تلك الدولة الشيوعية الاستبدادية.

ولا يزال هؤلاء المدونون والناشطون بعيدين عن الثورية، حيث إن غالبيتهم – مثلهم في ذلك مثل القادة الذين سيتم اختيارهم – من أبناء مسؤولي الحزب الشيوعي. صحيح أنهم وطنيون ويحبون الصين، لكنهم يريدون أن تعمل المؤسسات بشكل أفضل وتعبر عن أمنيات وتطلعات الشعب الصيني. إنهم يقاومون المؤسسات الفاسدة بقدر مقاومتهم ومعارضتهم للحكومة، كما يشعرون بالقلق إزاء ظاهرة اختطاف الأطفال وانتشار مرض الإيدز بقدر اهتمامهم بحق التصويت وأن تكون هناك انتخابات حرة ونزيهة.

ويجذب أشهر المدونين، مثل وو جيانرونغ، الذي تحاول مدونته الصغيرة إجراء اتصال بين الأطفال الذين يتسولون في الشوارع وآبائهم، أكثر من مليون متابع. ويجب عليهم أن يتعاملوا مع قواعد الرقابة التي تتغير باستمرار. وقد تم تعليق حسابات معظم المدونين الأكثر شهرة بصورة مؤقتة أو تم إغلاقها بصورة نهائية، بعدما شنت الحكومة حملة خلال العام الحالي على «إشاعات» الإنترنت، عقب التعليق بصورة عدوانية على قضية عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي المخلوع بو تشيلاي.

ويواجه هؤلاء المدونون تهديدات بالموت والكثير من المضايقات أثناء عملهم الذي يهدف لرفع مستوى الوعي المدني، ومساءلة المسؤولين البارزين في الدولة، ومساعدة الناس على كسر حاجز الخوف والتعبير عن مشكلاتهم. ويقول وانغ شياو شان، وهو صحافي معروف يبلغ من العمر 45 عاما ومدون نشط ويقود حملة لمقاطعة منتجات شركة «منغنيو» للألبان التي كانت محور الفضائح المتعلقة بسلامة الأغذية في الآونة الأخيرة: «إنني أتحدث بهذه الطريقة لأنني أحب هذا البلد». وأكد وانغ أنه يخشى على سلامته وأنه قد أمضى أسبوعا في الآونة الأخيرة في هونغ كونغ وثلاثة أيام في ماكاو، لأنه قد تعرض لتهديد حقيقي لكي يتوقف عن الكلام. وقال إن الخوف الأكبر هو أن يتم اعتقاله وإرساله إلى منطقة منغوليا الداخلية، التي يوجد بها مقر الشركة التي يهاجمها. ومع ذلك، عاد وانغ إلى الصين وإلى الكتابة، وقال: «منذ أن كنت طفلا صغيرا وأنا أريد أن أكون بطلا، وأعتقد أنني قد أصبحت بطلا الآن».

خلال العام الماضي، أعرب وو هنغ، وهو طالب دراسات عليا في الجغرافيا التاريخية بجامعة فودان في شنغهاي، عن غضبه الشديد بعدما علم أن بعض وجبات الغداء التي اشتراها للتو من خارج الحرم الجامعي – وجبات كان يعتقد أنها مصنوعة من لحوم الأبقار المعلبة - تتكون في الواقع من لحم الخنزير الذي تم معالجته ببعض الإضافات الضارة لكي يبدو كأنه لحوم أبقار. وقال وو، (27 عاما)، وهو يحمل جهاز كومبيوتر محمول في مقهى الجامعة: «صدمت عندما علمت أن قضية سلامة الأغذية كانت على مقربة من حياتي، ولذا قررت القيام بشيء حيال ذلك». وقام وو بإطلاق الموقع الإلكتروني www.zccw.info، وهي الأحرف الصينية الأولى من عبارة «ألقه خارج النافذة»، التي تشير إلى ما حدث مع الرئيس الأميركي روزفلت عندما شعر بالاشمئزاز من قراءة أوضاع مصانع تعليب اللحوم في شيكاغو وقام بإلقاء وجبة الإفطار من نافذة البيت الأبيض. وبعد ذلك، قام روزفلت بإنشاء إدارة الأغذية والأدوية. وعندما أطلق وو موقعه الإلكتروني، ناشد الآخرين قائلا «دعونا نعمل معا، وبإمكاننا التغيير». وعلى الفور، تطوع 30 شخصا، بينهم 20 أجنبيا، وانضموا للموقع. وعن ذلك يقول وو: «شعرت حينئذ بقوة الإنترنت».

ويقوم الموقع بتجميع التقارير الخاصة بسلامة الأغذية من جميع أنحاء الصين، ويقوم بعرضها على خريطة سهلة التصفح. وبعد إنشاء الموقع بعام واحد، قال وو إن الفترة بين الثالث من مايو (أيار) والثالث عشر من يونيو (حزيران) شهدت دخول 1.6 مليون شخص - 85 في المائة منهم لأول مرة - على الموقع. وقد أدى هذا العدد الكبير إلى حالة من الشلل المؤقت للسيرفر الخاص بالموقع. يتميز وو بأنه دمث الخلق، ولكنه ليس ثوريا، حيث ولد لأب يعمل مسؤولا بارزا في الحزب الشيوعي الحاكم بمقاطعة هوبي الصينية، أما شقيقه الأكبر فيعمل مبرمج كومبيوتر وسار على نهج والده لكي ينضم للحزب. وقال وو إنه يتمتع بقدر أكبر من الحرية لأنه الابن الثاني وليس الأول. وأضاف: «على الرغم من أن القيم التي أمتلكها تختلف عن القيم التي يتمتع بها أبي وأمي، فإنه يمكننا التعايش معا بصورة سلمية».

أكد وو أن موقع الإنترنت الخاص به يحاول عدم اختلاق الأخبار أو التصادم مع السلطات، حيث إنه يطلق على نفسه لقب «مقاتل معتدل» في حرب التغيير في الصين. يشير وو إلى أنه معجب بوانغ شياو شان، على سبيل المثال، ولكنه يلجأ إلى طريقة أقل تصادمية. يقول وو: «لا أملك الوقت والجهد الكافيين لأرفع راية الاحتجاج، ولكنني أستطيع القيام بكل ذلك على الإنترنت».

طالب أحد أصحاب المدونات الصغيرة، الذي يستخدم اسم «الأمين العام لجبل الزهور والفاكهة»، بعدم الإفصاح عن اسمه الحقيقي، كي يجعل من مسألة تعقبه أمرا صعبا على الأشخاص الأقوياء الغاضبين منه. زادت شعبية «الأمين العام» في العام الماضي، بعدما بدأ تجميع الصور الرسمية المنشورة لكبار مسؤولي الحزب الشيوعي الحاكم في الصين والتركيز على ساعات اليد باهظة الثمن التي يرتدونها، ثم قام بعدها بمضاهاة هذه الساعات مع الكتالوغات المتوافرة للعامة في الصين للكشف عن المبالغ الطائلة التي ينفقها هؤلاء المسؤولون على مثل هذه السلع الفاخرة، على الرغم من أنه من المفترض أنهم يعيشون على رواتبهم الحكومية.

زادت شهرة مدونة الساعات هذه بصورة كبيرة، مما أغضب الكثير من مسؤولي الحزب الشيوعي، حيث تم حذف المدونة في نهاية المطاف وتجميد كافة حسابات المدون الشخصية، مما دفعه إلى إنشاء مدونة صغيرة جديدة لفضح بعض الجماعات التي تزعم أنها غير هادفة للربح، على الرغم من أنها تمثل منتجي السلع الفاخرة العالميين في البلاد. أدت هذه الفضائح إلى تلقيه الكثير من التهديدات، مما دفعه إلى التنقل بين مختلف الأماكن في الصين حرصا على سلامته، حتى قام في نهاية المطاف بالتوجه إلى فيتنام للاختباء لفترة قصيرة هناك بعد أن قام بإجراء إحدى المقابلات الصحافية في العاصمة الصينية بكين.

يقول هذا المدون، البالغ من العمر 33 عاما، أثناء وجوده في أحد المقاهي: «في الواقع، أنا خائف للغاية»، ولكن هل سيتوقف عن العمل ويتخلى عن التدوين في المدونات الصغيرة؟ يجيب المدون عن هذا السؤال قائلا: «أمامك خياران، إما أن تتكلم أو تسكت، ولكن الحرية أمر شديد الأهمية». ومثل وو تماما، فالمدون المعروف بـ«الأمين العام» هو أيضا ابن لأحد أعضاء الحزب الشيوعي الذي كان يعمل طبيبا في الجيش. يقول المدون إن والده قد أصيب بخيبة أمل، حتى إنه قد أصبح الآن يستقي الكثير من الأخبار من على الإنترنت أكثر من التلفزيون الحكومي. انضم هذا المدون أيضا إلى الحزب الشيوعي أثناء فترة دراسته الجامعية، ولكنه ترك الحزب حتى سقطت عضويته.

يزيد عدد مستخدمي الإنترنت في الصين على 500 مليون مستخدم، وفقا لـ «مركز معلومات شبكة الإنترنت في الصين»، كما يوجد نحو 250 مليون مستخدم لمواقع التدوين الشبيهة بموقع «تويتر»، المعروفة في الصين باسم «ويبو». وأفاد موقع «سيناويبو»، أشهر المدونات الصغيرة في الصين، بأن عدد الرسائل التي تمت كتابتها على الموقع في رأس السنة الصينية الجديدة قد بلغ رقما قياسيا، حيث كان يتم إرسال 32.213 رسالة جديدة في الثانية.

أجبرت هذه المدونات الصغيرة الحكومة الصينية على أن تصبح أكثر توافقا مع الرأي العام، بينما ألغت سيطرة الحزب الشيوعي التقليدية على تدفق المعلومات. ويتزايد أعداد مستخدمي الإنترنت الصغار الذين يؤكدون أنهم يحصلون على الأخبار عن طريق مواقع «ويبو» أكثر من محطات التلفاز أو الصحف المملوكة للدولة التي تتقيد بالخط الذي يرسمه الحزب الشيوعي الحاكم في الصين. يقول هو يونغ، وهو أستاذ في كلية الصحافة بجامعة بكين: «تعتبر المدونات الصغيرة هي نقطة البداية فقط في مطالبة الحكومة بأن تكون أكثر عرضة للمساءلة».

لا أحد يتوقع أن يؤدي استخدام الإنترنت إلى إصلاح النظام الحاكم في البلاد، حيث قامت السلطات ببذل الكثير من الجهود للسيطرة على هذه المدونات الصغيرة، سواء عن طريق إغلاق بعضها أو مطالبة المستخدمين بتسجيل أسمائهم الحقيقية وأرقام بطاقات الهوية الخاصة بهم للدخول إلى البعض الآخر. ويقول جيرمي غولدكورن، مؤسس موقع (Danwei.org) الذي يقوم بتتبع وتحليل وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت الصينية: «إنها متطورة للغاية ولكنها ليست ثورية»، مضيفا أن السلطات الحكومية: «تتمتع بقدرات كبيرة في التعامل مع التهديدات الموجة للسلطة».

لا يختلف المدونون مع هذا الرأي، حيث يقول وانغ: «لقد تغيرت الأدوات، حيث أصبح بمقدور الناس الحصول على أفضل المعلومات بصورة أسرع ومن مصادر مختلفة. ولكن إذا أحست الحكومة يوما بأن هذه المصادرة تمثل تهديدا، فسوف تقوم بإغلاقها على الفور».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»