مصادر دبلوماسية أوروبية: نوعان من العوائق منعا أنان من الدعوة إلى مؤتمر جنيف حول سوريا

المبعوث الدولي يسعى لحلول وسط يقبلها الغربيون ولا يرفضها الروس وتفضي إلى «الانتقال السياسي»

TT

خيب المبعوث الدولي - العربي كوفي أنان آمال الذين كانوا يتوقعون أن يعلن رسميا في مؤتمره الصحافي المشترك في جنيف يوم الجمعة الماضي مع قائد بعثة المراقبين الدوليين في سوريا الجنرال روبرت مود، عن موعد أول اجتماع لـ«مجموعة الاتصال» الدولية وأن يكشف عن بعض ملامح ما سمته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «خطة الطريق» التي يبلورها من أجل الحل السياسي في سوريا.

واعترف أنان بأنه «غير قادر» على تأكيد تاريخ الاجتماع ولا الكشف عن تفاصيله رغم أن وزيري خارجية فرنسا وسويسرا توقعا تباعا أن ينعقد الاجتماع في جنيف في 30 من الشهر الجاري. ويبدو الإحراج واضحا في جواب وزارة الخارجية الفرنسية أمس، في مؤتمرها الصحافي الإلكتروني عندما ردت على سؤال عن المؤتمر بقولها إنه «يعود» لأنان أن يعلن عن التفاصيل.

وحتى تاريخه، لم يتم بعد إرسال الدعوات إلى الأطراف المفترض أن تشارك في اجتماع جنيف العتيد. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر رسمية أن باريس لم تتلق حتى الآن أي دعوة إلى جنيف. لذا، فالسؤال المطروح يتناول طبيعة الصعوبات التي حالت دون الدعوة إلى الاجتماع خصوصا أنه لم يتبق سوى قليل من الوقت على الموعد المنتظر؟

تقول مصادر دبلوماسية أوروبية إن نوعين من الصعوبات أعاقا، حتى الآن، تأكيد تاريخ الاجتماع: الأول يتعلق بشكل المؤتمر وهوية الدول والمنظمات التي ستدعى للحضور وحسم مشاركة إيران والثاني يصب في خانة معرفة ما هو متوقع من الاجتماع أي صورة الحل الذي سيخرج من لقاء جنيف وإمكانية تطبيقه والآلية المقترحة لذلك.

يبدو، بالنسبة للموضوع الأول، أن أنان مصر على مشاركة إيران حيث أكد في جنيف أن إيران «يجب أن تكون جزءا من الحل» بينما يعتبرها الغرب وتحديدا الثلاثي الأميركي - الفرنسي - البريطاني «جزءا من المشكلة» وبالتالي «لا يمكن أن تكون جزءا من الحل». وبحسب الغربيين، فإن طهران دعمت وما تزال القمع الدموي الذي يمارسه النظام السوري لا بل إنها تشارك فيه بشكل أو بآخر. وحتى الآن، ما زال الغربيون متمسكين بموقفهم. ولم يعرف بعد ما إذا كانوا مستعدين لقبول صيغة تسوية تقول تقارير إنها موضع تشاور بين أنان وبينهم. وتقوم التسوية على امتناع إيران من المشاركة في الاجتماع الأول على أن تضم إلى الاجتماعات اللاحقة. ومعروف أن روسيا تصر على حضور إيران وهي تجد نفسها على الخط نفسه مع أنان القائل بالحاجة إلى ضم «كل الأطراف المؤثرة على النظام السوري وكذلك على المعارضة».

غير أن المصادر الأوروبية ترى أن للغربيين حسابات أخرى تتعلق بالملف النووي الإيراني وبطموحات طهران الإقليمية ورغبتها في الحصول على «اعتراف» بمصالحها عبر استخدام الورقة السورية. وكشفت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع أن الجانب الإيراني دأب باستمرار على جر مجموعة الدول الست «الخمس دائمة العضوية وألمانيا» إلى قبول البحث في الملفات الإقليمية وتحديدا اثنين منها: سوريا والبحرين. بيد أنه قوبل باستمرار بالرفض بحجة أن الإطار ليس ملائما من جهة ويتخطى الانتداب الذي تلقته المجموعة من مجلس الأمن الدولي فضلا عن أنه من «غير المقبول» بحث ملفات دول غائبة عن الاجتماعات.

ورغم أن الملفات الساخنة في الشرق الأوسط متداخلة ببعضها البعض، فإن المصادر الأوروبية تتخوف من أن تسعى إيران لـ«الحصول على ثمن» مقابل الدور الذي يمكن أن تلعبه في البحث عن تسوية في سوريا. كذلك، فإنها ترى أنه سيكون من الصعب على الغربيين مطالبة إيران بالتعاون في ملف «سوريا» واتباع سياسة بالغة التشدد معها في ملف آخر «النووي».

ويوم السبت الماضي، عقد في جنيف لقاء تمهيدي ضم إلى جانب أنان، ممثلي الدول الغربية من أجل التحضير للمؤتمر. لكن يبدو من مصادر متطابقة أنه لم يتم حتى الآن التوصل إلى «مخرج» لموضوع الحضور ما يستدعي اتصالات إضافية ومزيد من الجهود الدبلوماسية.

غير أن الملف الخلافي الثاني يبدو أكثر تعقيدا إذ يتناول صورة ومضمون الحل السياسي في سوريا وهو الذي تأتي على ذكره الفقرة السادسة من خطة أنان المقدمة بداية أبريل (نيسان) الماضي. وقد صيغت هذه الفقرة بشكل عمومي للغاية ما أتاح للجميع الموافقة عليها وإعلان دعمها له. لكن عند الوصول إلى ترجمتها إلى خطوات فعلية، فإن الأمور تتعقد ويغيب التوافق. ويمكن اختصار المواقف، كما شرحتها المصادر الدبلوماسية الأوروبية كالتالي: يفهم الغربيون عبارة «عملية الانتقال السياسي» الواردة في خطة أنان بأنها تعني رحيل النظام السوري. ولذا، فإن الغربيين ينتظرون ويريدون من اجتماع جنيف أن «يظهر» صورة الحل أي المراحل التي يتعين أن تقود إلى تحقيق الانتقال السياسي فضلا عن أنهم يطالبون قبل ذلك بأن يتوقف العنف وتحديدا عنف النظام الأمر الذي يشكل النقطة الأولى من الخطة المذكورة. وهنا، يتعين التذكير بأن المعارضة السورية، ممثلة بالمجلس الوطني السوري ترفض التفاوض مع النظام وتطالب بتنحي الأسد من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار. وبالمقابل، فإن الطرف الروسي ما زال يرفض حتى الآن تغيير النظام السوري ويرى أن «التحول» السياسي يمكن أن يتم من داخل النظام وليس بالضرورة من خلال إزالته. ويقول الجانب السوري إنه إذا لم ترد المعارضة الحوار مع النظام فمع من ستتحاور؟ وبأي حال، يرفض الروس شرط تغيير النظام «المفروض من الخارج» ويجعلون مصيره «بأيدي السوريين» ما يعيد الموضوع برمته إلى المربع الأول.

بين الموقفين المتعارضين، يلتزم كوفي أنان موقفا وسطيا إذ إنه لا يستطيع أن يميل إلى هذا الجانب أو ذاك من أجل المحافظة على قدرته على التواصل مع الجميع. ومن الأفكار التي يستطيع أنان طرحها اعتبار أن «الانتقال السياسي» في سوريا يمكن أن يأتي «نتيجة مسار سياسي وليس مدخلا إليه» بحيث يستطيع أن يرضي المعارضة والغربيين والعرب ويمكن أن يلقى أذنا روسية صاغية بحيث أنه يمكن تفادي «الفوضى» التي يتخوف منها الجانب الروسي.