مصادر دبلوماسية أوروبية: «مفتاح» مؤتمر جنيف موجود في موسكو

روسيا ستحضر والغربيون جاهزون لضمان مصالحها.. وأنان يسعى لحل وسط يفضي لانتقال سياسي للسلطة في سوريا

أعضاء من الجيش السوري الحر يعاينون معدات عسكرية بعد استيلائهم على ثكنة عسكرية بالقرب من حلب قبل يومين (رويترز)
TT

حتى عصر أمس كانت علامات استفهام كثيرة تغلف مصير مؤتمر جنيف لمجموعة العمل حول سوريا الذي كان منتظرا انعقاده السبت المقبل بدعوة من المبعوث العربي - الدولي كوفي أنان، وحضور الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وعدد من «البلدان المجاورة» لسوريا «ذات التأثير»، وفق تعبير أنان نفسه الذي لم يعينها بالاسم.

ورغم إعلان مصدر قريب من أنان في جنيف أمس أن الاجتماع سيحصل، وأن تفاصيله سيعلن عنها يوم غد، بقت التساؤلات قائمة. وقال المبعوث الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إن وزير خارجية بلاده سيرغي لافروف سيحضر الاجتماع. وقال تشوركين للصحافيين قبيل اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي بشأن سوريا «لافروف قبل رسميا الدعوة للمجيء إلى الاجتماع في جنيف يوم السبت 30 يونيو (حزيران)». وأضاف «نعلق أهمية كبيرة على هذا الاجتماع».

وما يزيد من حدة الغموض تأكيد مصادر فرنسية واسعة الاطلاع لـ«الشرق الأوسط» أن الدعوات للحضور لم ترسل، كما أن لائحة المدعوين لم تعرف بعد، فيما المسائل «الجوهرية» ما زالت محل أخذ ورد. وكان أنان قد خيب آمال الذين كانوا يتوقعون أن يعلن رسميا في مؤتمره الصحافي في جنيف الجمعة الماضي عن موعد أول اجتماع لـ«مجموعة العمل»، وأن يكشف عن بعض ملامح ما سمته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «خطة الطريق» التي يبلورها من أجل الحل السياسي في سوريا.

وتقول مصادر رسمية فرنسية إن «مفتاح» مؤتمر جنيف موجود في موسكو، وما دام الجانب الروسي لم يبد شيئا من الليونة «تمكن المؤتمرين من الخروج بشيء إيجابي لجهة التقدم باتجاه ما يسمى (المرحلة الانتقالية)، فإن المؤتمر سيكون من غير جدوى». وتضيف هذه المصادر أن أنان يدرك أن فشل جنيف «سيعني نهاية مهمته وبالتالي فقدان الورقة الدبلوماسية الوحيدة» الموجودة بحوزة المجتمع الدولي. وحتى حصول اجتماع مجلس الأمن الدولي عصر أمس بتوقيت نيويورك «للتشاور» في الوضع السوري، كانت صورة الوضع قاتمة بالنسبة للبلدان الغربية التي تعتبر أن الموقف الروسي «لم يتزحزح حقيقة» إزاء مصير نظام الأسد. وكان الغربيون يعولون على مشاورات نيويورك ليروا «أين أصبح» الموقف الروسي و«هل تبخرت» بعض التصريحات الروسية التي فتحت كوة في جدار الأزمة بالإشارة إلى أن موسكو «غير متمسكة بشخص الأسد». وقالت المصادر الفرنسية إن لافروف، بدا في الأيام القليلة الماضية «بالغ التشدد»، الأمر الذي يترك مجالا ضيقا جدا للتفاؤل رغم أن الغربيين أبلغوا موسكو «استعدادهم لضمان المصالح الروسية في سوريا والمنطقة» و«طمأنتها» إزاء المخاوف التي أبدتها وإظهار الرغبة في التعاون معها.

وأفادت مصادر دبلوماسية أوروبية بأن نوعين من الصعوبات أعاقت، حتى الآن، تأكيد الاجتماع: الأول يتعلق بشكل المؤتمر وهوية الدول والمنظمات التي ستدعى للحضور وحسم مشاركة إيران، والثاني يصب في خانة معرفة ما هو متوقع من الاجتماع، أي صورة الحل الذي سيخرج من لقاء جنيف.

ويبدو أن أنان كان راغبا في مشاركة إيران، حيث أكد في جنيف أن إيران «يجب أن تكون جزءا من الحل»، بينما يعتبرها الغرب وتحديدا الثلاثي الأميركي - الفرنسي - البريطاني «جزءا من المشكلة» لأن طهران حسب رأيهم دعمت ولا تزال القمع الدموي الذي يمارسه النظام، لا بل إنها «تشارك» فيه بشكل أو بآخر. وحتى الآن، ما زال الغربيون متمسكين بموقفهم. ومعروف أن روسيا تصر على حضور إيران وهي تجد نفسها متفقة مع أنان حول الحاجة إلى ضم «كل الأطراف المؤثرة على النظام السوري والمعارضة».

بيد أن المصادر الأوروبية ترى أن للغربيين حسابات أخرى تتعلق بالملف النووي الإيراني وبطموحات طهران الإقليمية ورغبتها في الحصول على «اعتراف» بمصالحها عبر استخدام الورقة السورية. وتتخوف المصادر الأوروبية من أن تسعى إيران لـ«الحصول على ثمن» مقابل الدور الذي يمكن أن تلعبه في البحث عن تسوية في سوريا. غير أن الملف الخلافي الثاني يبدو أكثر تعقيدا، إذ يتناول صورة ومضمون الحل السياسي في سوريا، وهو الذي تأتي على ذكره الفقرة السادسة من خطة أنان المقدمة بداية أبريل (نيسان) الماضي. وقد صيغت هذه الفقرة بشكل عمومي للغاية مما أتاح للجميع الموافقة عليها وإعلان دعمها له. لكن عند الوصول إلى ترجمتها إلى خطوات فعلية، فإن الأمور تتعقد ويغيب التوافق. ويمكن اختصار المواقف، كما شرحتها المصادر الدبلوماسية الأوروبية، كالتالي: يفهم الغربيون عبارة «عملية الانتقال السياسي» الواردة في خطة أنان بأنها تعني رحيل النظام السوري. ولذا، فإن الغربيين ينتظرون ويريدون من اجتماع جنيف أن «يظهر» صورة الحل، أي المراحل التي يتعين أن تقود إلى تحقيق الانتقال السياسي، فضلا عن أنهم يطالبون قبل ذلك بأن يتوقف العنف وتحديدا عنف النظام الأمر الذي يشكل النقطة الأولى من الخطة المذكورة. وهنا، يتعين التذكير بأن المعارضة السورية، ممثلة بالمجلس الوطني السوري، ترفض التفاوض مع النظام وتطالب بتنحي الأسد من أجل الجلوس إلى طاولة الحوار. وبالمقابل، فإن الطرف الروسي ما زال يرفض حتى الآن تغيير النظام السوري، ويرى أن «التحول» السياسي يمكن أن يتم من داخل النظام وليس بالضرورة من خلال إزالته. وبرأيه أنه إذا لم ترد المعارضة الحوار مع النظام فمع من ستتحاور؟ وبأي حال؟ يرفض الروس شرط تغيير النظام «المفروض من الخارج» ويجعلون مصيره «بأيدي السوريين»، مما يعيد الموضوع برمته إلى المربع الأول.