المعارضة السورية تتحول لقوة قتالية أكثر فعالية بعدما كانت على وشك التداعي

الحدود التركية همزة وصل حيوية في النزاع السوري

الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري برهان غليون يتوسط مقاتلين من الجيش السوري الحر في زيارة له للحدود التركية - السورية أمس (رويترز)
TT

بدأت ميليشيات المعارضة السورية، التي كانت في يوم من الأيام على وشك التداعي، تتحول إلى قوة قتالية أكثر فعالية بمساعدة شبكة متنامية من الناشطين الموجودين في جنوب تركيا ويقومون بتهريب الإمدادات الضرورية عبر الحدود، مثل الأسلحة ووسائل الاتصال والمستشفيات الميدانية، بل ورواتب الجنود الذين ينشقون عن الجيش.

وهذه الشبكة تعكس الجهود المبذولة من أجل تشكيل قوات مسلحة وكذلك مجموعة من المنظمات الحكومية والإنسانية المرتبطة بحركة المعارضة التي لا يمكنها معا هزيمة قوات الرئيس بشار الأسد التي تتمتع بتفوق ساحق فحسب، بل والقضاء على نظامه تماما.

ورغم أنه من المبكر جدا الحديث عن وجود دولة داخل الدولة، فإن تزايد نضج وصقل هذه الجهود يبرز الطبيعة المتنامية للنزاع، وكيف أن السيطرة على المناطق الشمالية والشمالية الغربية من البلاد بدأت تفلت ببطء من يد الحكومة.

ويأتي ظهور هذه الشبكة في وقت تتصاعد فيه حدة التوترات مع تركيا وتتردد فيه أنباء عن حدوث انشقاقات كثيرة بين كبار الضباط بالجيش السوري، الذين بدأ الكثيرون منهم يتحولون إلى دعم المعارضة.

وتشكل المهمة التي تضطلع بها المعارضة على الحدود السورية التركية ما هو أكثر من مجرد نقل الإمدادات الأشد إلحاحا، فالهدف الأكبر والأكثر مراوغة هو إقامة حالة من التماسك والتعاون بين الميليشيات المتفرقة التي يتكون منها الجيش السوري الحر، إضافة إلى أي حكم مدني داخلي يفرض نفسه.

ويقول الناشطون إن هناك في الوقت الحالي 10 مجالس عسكرية داخل سوريا، وهي تضم فعليا كل البلدات أو المناطق الريفية المهمة المشاركة في الثورة، باستثناء مدينة حمص بالذات، التي ما زالت الخلافات بين الفرقاء فيها تعوق عملية التوحيد. ويقوم الناشطون الذين يعملون مع المجلس الوطني السوري، وهو الجماعة السياسية السورية الرئيسية بالخارج، بدفع رواتب شهرية تبدأ من 200 دولار للجندي، ورواتب أعلى للضباط، علاوة على معاش لأسر الضحايا.

وأوضح الناشطون أن هذه الأموال تساعد على ضمان توافر ما يلزم من انضباط بين المجالس العسكرية لشن المزيد من الهجمات المنسقة ضد جيش الأسد، بدلا من أعمال التخريب العشوائية. ويؤكد حسن قاسم، 31 عاما، وهو ناشط هرب من مدينة حلب السورية في فبراير (شباط) الماضي حين تم استدعاؤه لأداء الخدمة العسكرية: «لا بد أن تصبح العمليات العسكرية أكثر استراتيجية».

وقال الجنرال النرويجي روبرت مود، رئيس بعثة المراقبين الدوليين التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى سوريا، أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي إن المقاومة تزداد فعالية، بحسب ما ذكره دبلوماسي ممن حضروا الجلسة. وعزا الجنرال ذلك إلى زيادة الخبرة، وليس إلى تحسن نوعية الأسلحة أو ارتفاع مستوى التنسيق، غير أن ناشطي المعارضة اختلفوا معه، إذ يوضح قاسم كيف قام القادة العسكريون بتقسيم حلب والمناطق الواقعة غربا جهة الحدود التركية إلى 5 قطاعات تحت قيادة مجلس عسكري عام سمي «لواء أحرار الشمال»، مضيفا: «لقد تغيرت الجماعة من جماعة عسكرية متطوعة إلى كيان حقيقي، تكوين عسكري أعلى تنظيما إلى حد بعيد. لم يكن أمامهم سوى أن يتحولوا إلى جيش منظم أو أن يتحولوا إلى عصابة».

وتتضمن جهود المعارضة أيضا نقل الأسلحة المضادة للدبابات، ويقول عضو المجلس الوطني السوري، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه إن تهريب الأسلحة مسألة سرية: «لم تتحول إلى استراتيجية حاسمة بعد، لكنها محاولة لتصحيح التوازن العسكري».

وأبدت الحكومات الغربية ترددا في تزويد المعارضة السورية بكميات كبيرة من الأسلحة المتطورة خشية أن تقع في أيد خاطئة. ويؤكد مسؤولو المعارضة الذين يدركون جليا هذه المخاوف، أن متلقي هذه الأسلحة يتم التحقق منهم بعناية. ويقول أحد المسؤولين، الذي لم يفوض بإصدار التصريحات: «نحن بحاجة إلى جنود محنكين، فأنت لا ترغب في تقديم السلاح إلى أشخاص لا تعرفهم».

ويشير قاسم إلى أن كل فصيل في ريف حلب، يرسل مندوبا إلى غرفة العمليات التي يديرها المجلس العسكري، لكن الناشطين يعترفون بوجود خصومات بين المجالس العسكرية والزعماء المدنيين الذين ينتمون إلى عائلات معروفة وطفوا على الساحة مع غياب الحكومة السورية، ويبدون استياء من تهميشهم.

وفي الوقت ذاته تتفاقم الفجوة بين الأجيال في المشكلة.. فالقادة العسكريون على الأغلب من المنشقين الشباب. وتتلخص الفكرة في حمل المجلس العسكري على التركيز على القضايا التكتيكية في الوقت الذي تضطلع فيه القوى المدنية الحاكمة، المتمثلة في المجالس الثورية، على توزيع المساعدات والحفاظ على استمرار حركة المظاهرات السلمية. وتعتمد هذه المهمة بشكل أساسي على أشخاص مثل رامي، ناشط شاب، لم يكشف إلا عن اسمه الأول فقط. وحتى بداية العام الماضي كان رامي مديرا ماليا ناجحا في شركة للإنتاج الإعلامي بدمشق، لكنه الآن يعيش في شقة من غرفتين يمارس من خلالها نشاطه في دعم الثورة بما في ذلك تعبئة حقائب الظهر بكاميرات الفيديو وأجهزة الهاتف التي تعمل عبر الأقمار الصناعية والأجهزة الإلكترونية التي تحول أطباق استقبال البث التلفزيوني إلى أجهزة إرسال.

ويقول رامي، الذي تغص شقته بمراتب النوم التي يستخدمها المنشقون والناشطون: «عندما تكون قريبا هكذا، تشعر بأن روح الثورة ملازمة لك وأنك لا تزال جزءا منها. لكنك في إسطنبول أو في أي مكان آخر، لا تشعر بكيانك، فأنت شخص يهتم بأمر شيء يحدث في مكان آخر».

وتبدو بعض الجهود الإنسانية عرضية، فأحد المنازل القريبة من الحدود، يدير مجموعة من الرجال، ما يبدو أشبه بشركة لأعمال الطلب عبر البريد تتعامل مع نطاق واسع من الطلبات من داخل سوريا، مثل الإمدادات الطبية والخبز الطازج والأسمدة لبناء المتفجرات.

ونظرا لوفاة أعداد لا تحصى من السوريين في رحلة بطيئة إلى تركيا طلبا للعلاج، يبذل الناشطون جهدا طموحا لتيسير وتحسين الخدمة الطبية، فيقول منذر يزجي، 48 عاما، الطبيب الأميركي السوري المختص في مجال طب الأمراض الباطنية بتكساس: «تزداد الإصابات سوءا».

وأسس الدكتور يزجي منظمة الإغاثة الطبية السورية في يناير (كانون الثاني) الماضي لنقل التمويل من الأطباء السوريين حول العالم. ومن شقة قريبة من الحدود في مدينة ريهانلي التركية تقوم المؤسسة برعاية عدد من المشروعات بما في ذلك محاولة إقناع الأطباء في الخارج بدعم طبيب سوري والتبرع بالأدوية والرواتب الأساسية.

واستعانت المنظمة بنحو 70 ناشطا من سوريا وقامت بتعليمهم كيفية نقل المرضى المصابين بإصابات خطيرة، وبدأت في إرسال المستشفيات الميدانية عبر الحدود وأجهزة طبية بقيمة 20000 دولار محملة في 20 صندوقا، تكفي لملء شاحنة صغيرة، وتسمح للأطباء بأداء عمليات جراحية بدائية. إضافة إلى ذلك ستقام المزيد من المشروعات الدائمة مثل تحويل الفيللات ذات الطابقين في البلدة الحدودية السورية الخاضعة لسيطرة الثوار إلى مستشفى يضم 30 سريرا.

ويعترف الأطباء السوريون الذين يعيشون هنا بحدوث بعض التوترات مع الحكومة التركية بشأن الوقت المطلوب للإفراج الجمركي عن إمدادات الإغاثة، إضافة إلى رفض الحكومة تخفيف الحظر على منح تصاريح للأطباء الأجانب. وفتح الكثير من الأطباء السوريين منازلهم أمام المرضى ذوي الإصابات الخطرة. ويذكر طلال عبد الله، منسق الإغاثة الإنسانية في المنطقة التابعة للجيش السوري الحر أنه استقبل في شقته في وقت ما 12 مريضا.

وكان هناك خلاف أيضا بين السوريين حيث تخلى عبد الله، طبيب أسنان مسيحي من حماه، عن منصبه في المجلس لأن «الإخوان المسلمين» طردوا الأعضاء غير التابعين لهم خارج المجلس، وقال: «قوتهم تنبع من أن كل الأموال والمساعدات الإنسانية في أيديهم، لكننا لا نعلم من أين يأتي ذلك».

على الجانب الآخر تصر الحكومة السورية على أن الثورة عملية خارجية تهدف إلى تقسيم سوريا، وقال مسؤولون استخباراتيون عرب وأميركيون إن وحدة صغيرة من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) تعمل هنا، تقوم بالتحري حول من يحصل على أفضل، لكنها لم تصل إلى الداخل السوري بحسب المصادر.

واعترف ناشطان على الأقل بالاتصال بالمستشارين الأميركيين بشأن الخطط العسكرية، لكنهم رفضوا التصريح بالمزيد. وقال الجنرال مود لمجلس الأمن إن مترجميه تمكنوا من التعرف على بعض الأجانب من لهجاتهم، لكن لم يكن لهم تواجد ملحوظ، بحسب دبلوماسي في المجلس.

ويقول مانهال باريش، 32 عاما، ابن لمنشق بارز عن حزب البعث في محافظة إدلب: «سنحول دون تقسم سوريا بأرواحنا. وكلما مات شخص أدركت أن الثمن سيكون مكلفا للغاية».

* شاركت هويدا سعد في كتابة هذا المقال

* خدمة «نيويوك تايمز»