جمال البنا: انتقاد «الإخوان» تحامل ولو وصل غيرهم للسلطة لفعلوا أكثر

أكد لـ «الشرق الأوسط» أن شقيقه مؤسس الجماعة توقع وصولها للحكم لكنه لم يرغب فيه

المفكر الإسلامي جمال البنا
TT

في مكتبه بإحدى البنايات القديمة في شارع «الجيش» بمنطقة «العتبة» العريقة وسط العاصمة القاهرة، يجلس المفكر الإسلامي جمال البنا، الشقيق الأصغر لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر الإمام حسن البنا، وسط أطنان من الكتب، حتى لا تكاد تراه وهو منكب على مكتبه.

يتذكر البنا، الذي يقترب من الثانية والتسعين عاما، وتحاصره أمراض الشيخوخة، اللحظات الأولى لتدشين جماعة الإخوان، وما واجهته من عمليات قمع واضطهاد من جميع السلطات المتعاقبة على حكم البلاد، منذ تأسيسها في مارس (آذار) 1928، كحركة إسلامية إصلاحية شاملة، قبل أن ينقلب الحال، وتسيطر الجماعة التي كانت قبل أقل من عامين فقط «محظورة»، على مقاليد الحكم، ويتولى أحد قيادييها الدكتور محمد مرسي منصب رئيس البلاد.

يقول جمال البنا لـ«الشرق الأوسط»، وأنامله ترتعش من كثرة الكتابة: «(الإخوان) ظلوا ثمانين عاما يسكنون السجون والمعتقلات، من أجل سعيهم إلى إصلاح المجتمع، وهم الآن يجنون ما زرعوه خلال هذه الأعوام.. بالطبع، يستحقون هذا الأمر، وإذا كان هناك من هم أولى الناس بالحكم فكان يجب أن يكون الإخوان المسلمون».

ويشير البنا إلى أن شقيقه الإمام حسن البنا توقع وصول الجماعة إلى رأس السلطة، رغم عدم رغبته فيها، مذكرا بقوله له «إن الحكم سيأتي إلينا رغم أننا لا نسعى إليه»، ويؤكد البنا أن «مؤسس الجماعة، (الذي استشهد عام 1949)، لم يكن يريد سلطة ولا يرغب في هذا بوجه خاص، لأنه كان يريد تربية الأمة أكثر من حكم الشعب.. لكن، ما إن تصل إلى مستوى كبير وقومي فمن الضروري عليك أن تهتم بالسياسة والمواضيع العامة، فلا مناص عن هذا».

وحول وجود انحرافات ترتكبها جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الراهن، بالمخالفة للقواعد التي أرساها مؤسسها، قال البنا إن «فكر ومنهج الإمام حسن البنا كان تربويا بالأساس، وإن هذا الفكر أهمل وتراجع بين الإخوان المسلمين في العصر الحالي»، لكنه استدرك قائلا: «الضروريات تفرض أشياء على الهيئات، وبطبيعة الحال لن تسير دائما كما تريد.. خاصة أن العالم كله يتغير ويتطور، و(الإخوان) لن يؤلهوا حسن البنا وعهده، فعهده كان يتطلب اتباع سياسة معينة، الأحداث تجاوزتها في مراحل أخرى، خاصة إذا كان هناك حاجة قومية إلى هذا».

واستنكر البنا التحامل الذي يقوم به البعض على جماعة الإخوان المسلمين خلال الفترة الراهنة، واستكثار وصولهم إلى السلطة، قائلا: «لا أرى أي منطق في التحامل عليهم، خاصة أنهم لم يفعلوا شيئا حتى الآن، فهم لم يتولوا الحكم بعد، ولم يسرقوا ولم يفسدوا، فكيف يتم الحكم عليهم بهذه السرعة.. وعلى أي أساس نحاربهم بالكلام.. الأحكام تكون على العمل وليس على الشائعة والهوى».

وأكد البنا أن «من ينتقد (الإخوان) من قوى سياسية ويتهمونهم باحتكار السلطة، لم يصلوا إلى الحكم، ولو وصلوا إليه لفعلوا أكثر منهم بزيادة».

ويرفض البنا، ما ينادي به البعض بحل جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن أنشأت حزبا خاصا بها تحت اسم «الحرية والعدالة»، وقال منفعلا: «هذا خطأ ومخالف للحرية، وجود الجماعة من عدمه هذا قرارهم»، مشيرا إلى أن «رئيس البلاد الدكتور محمد مرسي وعد باستقلاليته عن الجماعة وعلينا أن نأخذ بكلامه.. خاصة أنه لم يكذب علينا قبل هذا.. وبالتالي، علينا أن نصدّقه».

ويفضل البنا نظام الحكم الإسلامي، مؤكدا «أنه أفضل أنظمة الحكم إذا طبق بصحيح الدين»، مشيرا إلى أن «منهج الإخوان المسلمين لم يكن يقوم على دولة إسلامية أو مخطط لإنشاء الخلافة، بل يقوم على منهج أمة إسلامية واحدة، وهناك فرق كبير بين المصطلحين».

ودعا البنا الرئيس الجديد محمد مرسي إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، قائلا: «أقول له طبّق الشريعة بكل قوة، فالشريعة الإسلامية هي العدل، لكن يجب أن يعرف أن العدل لا يمكن تنفيذه من دون حرية، فالحرية هي الضمان الأول لاستمرار العدل»، مضيفا أن «الناس تخاف تطبيق الشريعة الإسلامية، لأنها تعتقد أنها عبارة عن تقطيع يد السارق ورجم الزاني.. وهذا غير حقيقي».

ولجمال البنا، الذي ولد عام 1920 في مدينة «المحمودية» بمحافظة البحيرة، كتابات جدلية في الفكر الإسلامي، وتجاوزت مؤلفاته ومترجماته الـ150 كتابا. كما أن له الكثير من الآراء الفقهية التي يعتبرها علماء الإسلام شاذة ومخالفة للكتاب والسنة؛ فهو يرى أن المرأة لها حق الإمامة من الرجال إذا كانت أعلم بالقرآن، كما يرى أن الحجاب ليس فرضا على المرأة، حيث إنه أقام مجتمعا غير طبيعي ينفصل فيه النساء عن الرجال ويوجد ازدواجية.

ويجيز البنا التدخين أثناء الصيام، باعتبار أنه لا يبطل الصوم، خصوصا لغير القادرين عن الإقلاع عنه، كما يفتي في كتابه «قضية القبلات وبقية الاجتهادات»، بجواز تبادل القبلات بين الجنسين باعتبارها من صغائر الذنوب التي تذهبها الحسنات، وأن الإسلام تعامل مع الضعف البشري والخطأ بأنه واقع لا محالة.

ويحسب للبنا أنه من أشد المناصرين لحقوق المرأة، وفي كتابه «دستور المرأة المسلمة» يقول إن «المرأة المسلمة إنسان أولا وأنثى ثانيا، وأن وصفها كإنسان هي الصفة الأصيلة شأنها شأن الرجل، وهي تعطيها حقوق وواجبات الرجل سواء بسواء».

وفي ختام حواره، الذي رفض الإطالة فيه لظروفه الصحية ولصعوبة سمعه، اعتبر البنا أن الخطاب الأول للرئيس الجديد محمد مرسي الذي ألقاه الأحد الماضي كان مطمئنا وجيدا، كما أبدى تفاؤله بما حدث في مصر بشكل عام، وقال «إن الأوضاع في مصر جيدة وتحسنت إلى الأفضل، وهناك تقدم بفعل الثورة والتغيير، وإذا كانت هناك عقبات وعثرات فإن الحال الآن أفضل من العصر السابق».