«سوسيا» الفلسطينية وجها لوجه أمام «سوسيا» الإسرائيلية في الخليل

فياض يطلب من الأوروبيين «أكثر من بيانات» والتوقف عن الكيل بمكيالين وتحمل مسؤولياتهم المباشرة

سلام فياض («الشرق الأوسط»)
TT

تحارب قرية «سوسيا» الفلسطينية جنوب مدينة الخليل بطريقتها الخاصة، الصمود ولا شيء غيره، جنون وجشع المستوطنين الذي يعيشون في مستوطنة تحمل الاسم نفسه ولا تبعد سوى بضع عشرات من الأمتار.

وعلى الرغم من أن قرارا إسرائيليا يقضي بهدم القرية عن بكرة أبيها، سُلم لأهلها، الأسبوع الماضي، فإنه لا يبدو القلق مرتفعا لدى السكان إلى الحد الذي يمكن أن يفكروا فيه في بدائل للسكن، إذ لا ينوي الفلسطينيون الذين يعيشون في «سوسيا» الفلسطينية على تلة مرتفعة في المنطقة «ج» التي تسيطر عليها إسرائيل إداريا وأمنيا حسب اتفاقات أوسلو، تركها لمستوطني «سوسيا» الإسرائيلية، أبدا.

وقال محمد نواجعة، الذي قدم التماسا للمحكمة العليا ضد هدم الخيمة التي يعيش فيها وخيام أخرى «هم يملكون القوة العسكرية، لكننا نملك الإرادة والعزيمة والإصرار، وسننتصر على جيشهم».

وتشمل القرارات الإسرائيلية التي سلمت لأهالي سوسيا هدم 58 بيتا، بنيت على شكل خيام أو من الطوب وتؤوي نحو 350 فلسطينيا، بالإضافة إلى عيادة صحية، ومركز اجتماعي، ومنشأة لتوليد الطاقة الشمسية هناك.

واضطر أهل القرية لطلب منشأة لتوليد الطاقة، مولتها ألمانيا، بعدما رفضت إسرائيل مدهم بالكهرباء، وهذا جزء من الضغوط التي تمارسها إسرائيل على سكان القرية، إضافة إلى منعهم من ينابيع الماء، وتحويلها للمستوطنين القريبين.

وتعهدت السلطة بمحاربة هدم سوسيا التي أعاد أهلها بناءها 5 مرات في أوقات سابقة. وكانت أول مرة تهدم فيها القرية التي تعتبر مطمعا كبيرا للمستوطنين هناك، في عام 1986، ثم في عامي 1991، و1997، ثم مرتين في عام 2001. واليوم، تحركت السلطات الإسرائيلية، بعد التماس قدمته جمعية «ريغافيم»، غير الحكومية اليمينية، إلى المحكمة العليا، طلبت فيه فرض تجميد البناء في سوسيا الفلسطينية.

وبحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، فإنه يوجد توثيق لوجود سوسيا في موقعها الحالي منذ 1830، وهي مبينة على خرائط الانتداب البريطاني منذ 1917. وتؤكد الأوراق الرسمية للحكومة أن أراضي القرية مملوكة ملكية خاصة، وهو ما صعب قليلا تسليم الأرض إلى المستوطنين، وهكذا، في طريق محاولة ضمها إلى مستوطنة سوسيا، صودرت الأرض الخاصة لأغراض عامة، وأعلنت موقعا أثريا.

وتختصر حكاية «سوسيا» الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في المنطقة «ج»، وهو صراع وجودي وسيادي واقتصادي ومتعلق أيضا بالموارد الطبيعية، ووصفه رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، بأنه صراع غير متكافئ. ورغم ذلك قال فياض إن السلطة نجحت في حسم هوية هذه المناطق كجزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، وأعادت المكانة السياسية والقانونية لوحدة الأرض الفلسطينية في الوعي الدولي والمحلي على حد سواء.

وقال فياض، أمس، إن «الحكومة الإسرائيلية وباستهدافها قرية سوسيا للإزالة الكاملة، تُبرهن للعالم أجمع أنها تتعمد ترحيل السكان وتهجيرهم لا على خلفية شيء سوى أنهم فلسطينيون، واستمرارا لسياستها الهادفة إلى مصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع مشروعها الاستيطاني عليها». وأضاف في حديثه الإذاعي الأسبوعي «بينما يسجل أهالي قرية سوسيا قصة صمود جديدة، وهم يتحدون إخطارات قوات الاحتلال الإسرائيلي بهدم وإزالة قريتهم كاملة، ببيوتها وخيامها وعيادتها الوحيدة، وكلها عبارة عن خيام وبركسات، وبينما يصرون وبعناد على البقاء والثبات على أرضهم، تُسجل الحكومة الإسرائيلية انتهاكا جديدا بل وصارخا لمبادئ حقوق الإنسان وللقانون الدولي». وأردف أن «شعبنا يُظهر للعالم يوميا أن إرادة الحياة والبناء لا يُمكن أن تزعزعها أصوات البلدوزرات، ولا همجية الاحتلال، ولا إرهاب مستوطنيه». وتعهد فياض بحماية سوسيا، وقال «سنكون، ومعنا كل أبناء شعبنا، إلى جانب أهلنا في قرية سوسيا، لمنع تنفيذ قرار إزالة القرية بشتى الوسائل. فشعبنا يعرف كيف يحمي أرضه ويدافع عنها».

وسوسيا جزء من قرى وأراض أخرى في الخليل في المنطقة «ج» يجري استهدافها بشكل ممنهج، وزار ممثلون عن الاتحاد الأوروبي وأعضاء كنيست عرب سوسيا هذا الأسبوع، غير أن فياض طلب ما هو أكثر من ذلك.

وقال فياض «نتطلع إلى المزيد من الخطوات والتوقف عن الكيل بمكيالين. فلا بد من التحرك الجدي والفاعل، وعلى أسس مختلفة عن بيانات الشجب والاستنكار، ليتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته المباشرة إزاء إنهاء الاحتلال، وتمكين شعبنا من تقرير مصيره والعيش بحرية وكرامة في دولته».

وتابع القول «إن المشهد الذي يرسمه أبناء شعبنا في قرية سوسيا وكل المدن والقرى والمخيمات ومضارب البدو، وهم يتحدون طغيان الاحتلال وإرهاب مستوطنيه، ويؤكدون تمسكهم بأرضهم وإصرارهم على حمايتها وزراعتها وإعمارها، في مواجهة كل أشكال التخريب والتدمير والحصار التي تسعى قوات الاحتلال لتكريسها، إنما يُظهر مشهد الصراع على حقيقته بين إرادة شعبنا في الحياة والبناء على أرضه، وتخريب الاحتلال ومحاولاته مصادرة سُبل الحياة فيها». وأكد في ختام حديثه الإذاعي الأسبوعي حتمية انتصار «إرادة الحياة على بطش وقهر الاحتلال، وإن إرادة شعبنا لن تضعف ولن تستكين».