المعارضة السودانية ترجئ التوقيع على وثيقة البديل الديمقراطي لنظام البشير

شرطة الشغب تفرق مظاهرة طلابية جديدة في كسلا

TT

أرجأت قوى المعارضة السودانية، التي تعرف بتحالف الإجماع الوطني، التوقيع على وثيقة الفترة الانتقالية ما بعد نظام الإنقاذ برئاسة عمر البشير إلى الأسبوع القادم، وطلب حزبا الأمة والمؤتمر الشعبي، كل على حدة، مهلة بعد أن أبديا عددا من الملاحظات في الوثيقة. ونفت قيادات في المعارضة وجود أي خلافات في عملية إسقاط النظام، وأكدت أن الخلاف يتمثل في رؤى كيفية تحقيق النظام البديل. في وقت أبدت فيه كل من لندن وواشنطن قلقها بشأن القيود على حرية التعبير والرقابة على الإعلام، وطالبتا الخرطوم بإطلاق سراح الموقوفين لدى السلطات الأمنية بسبب المظاهرات.

وقال فاروق أبو عيسى، رئيس هيئة قوى الإجماع الوطني المعارض، لـ«الشرق الأوسط»، إن اجتماع الهيئة مساء أول من أمس كان جيدا، وأكد خلاله قادة الهيئة على العمل الجماعي لإسقاط نظام البشير واستبدال آخر ديمقراطي تعددي به، لتحقيق المساواة والعدالة وسيادة حكم القانون. وأضاف «أكدنا أيضا على ضرورة تصعيد العمل الجماهيري الحادث الآن في العاصمة والأقاليم والمهاجر، واتخاذ إجراءات من شأنها دعم وتوسيع ومتابعة هذا النهوض». وكشف عن أن السلطات الأمنية اعتقلت أعضاء لجنة التعبئة والاحتياطيين في الأيام الماضية، وأن قوى الإجماع شكلت لجنة جديدة لمواصلة العمل وسط الجماهير. وقال إن وثيقة النظام البديل والدستور الانتقالي تم استعراضها في الاجتماع. وأضاف «لم يتم التوقيع لأن هناك أربع ملاحظات وضعها حزب الأمة وطلب مهلة أربعة أيام حتى يلتئم اجتماع المكتب السياسي ليقرر بشأنها خلال هذين اليومين، وأيضا أمين عام المؤتمر الشعبي حسن الترابي أبدى ملاحظات في وثيقة الدستور كان قد طرحها من قبل»، مشيرا إلى أن بقية القوى السياسية كانت تريد التوقيع على الوثائق فورا حتى تساعد في تعبئة الشارع. وقال «لكن هذه الوثائق ليست نهائية لأن هناك فصائل مسلحة لديها مواقفها يجب أن تؤخذ في الحسبان»، مشددا على أن قادة الأحزاب متفقون على إسقاط النظام وسيتم التوقيع على الوثيقة الأسبوع القادم. وقال إن قوى الإجماع تواصل عملها التعبوي، وإنها ليست بعيدة عن مظاهرات الاحتجاج المستمرة.

وقال أبو عيسى إنه من الصعب الحكم في الوقت الراهن إن كانت المظاهرات ستستمر أم لا، وتابع «لكن المظالم كبيرة، ورغم القهر الواسع من قبل أجهزة الأمن التي يصرف عليها النظام 80 في المائة من الميزانية فإن الشعب السوداني بدأ بشكل جاد في مواجهته»، معترفا بأن اعتقال اللجنة الأولى سيعطل التعبئة لما سماه المحتجون بجمعة «لحس الكوع»، وهي العبارة التي أطلقها مساعد الرئيس السوداني الدكتور نافع علي نافع لقادة الأحزاب في تحديه لهم إن استطاعوا إخراج الشارع. وأضاف «خروج الشعب السوداني بمختلف فئاته أصاب النظام بهلع، وسترى الحكومة إن كان هذا الشعب شذاذ آفاق أم سيستطيع تحقيق البديل الديمقراطي». وقال «اجتماع هيئة الإجماع الوطني في دار حزب الاتحاد الوطني تحول إلى ثكنة عسكرية بسبب محاصرة الأجهزة الأمنية والشرطة للدار، وإن قادة الأحزاب تمت متابعتهم بشكل لصيق، وهذا شيء قبيح لأنها أحزاب مسجلة بقانون المؤتمر الوطني»، مؤكدا أن قوى المعارضة متفقة مع حملة السلاح في الجبهة الثورية حول البرنامج العام لإسقاط النظام، لكنها تختلف في الوسائل. وقال «نحن نعتبر أننا مكملون لأنفسنا، وعلى ثقة بأننا سنلتقي معا».

من جانبها، نفت الدكتورة مريم الصادق، القيادية في حزب الأمة المعارض، لـ«الشرق الأوسط» وجود أي خلافات بين مكونات قوى الإجماع الوطني. وشددت على أن اجتماع قادة المعارضة مساء أول من أمس لم يفشل مطلقا، وقالت «نحن أجمعنا على تغيير النظام لأنه يمثل الخطر الأكبر وهو إجماع كل الناس، ونسعى إلى توحيد جبهة المعارضة والتواصل مع الحركات المسلحة والعمل معا لوقف الحرب». وأضافت «كما أننا متفقون على برنامج بديل بوسائل سلمية مدنية»، لكنها رفضت الخوض في تفاصيل تحفظات حزبها حول وثيقة البديل. وقالت إن حزبها سبق أن قدم مقترحات حول كل القضايا، وإن المكتب السياسي في اجتماعه بعد يومين سيستمع إلى تقرير اللجنة التي شكلها في الاجتماع السابق. وأضافت «نحن نعمل على أن يوقع الجميع على وثيقة البديل الديمقراطي لتحقيق الإجماع حتى إننا ندعو المؤتمر الوطني لذلك حتى نجنب السودان الانهيار الشامل بسبب الهشاشة التي هو فيها». واستبعدت أن يحدث تأجيل توقيع الوثائق إحباطا في التحرك الشعبي، وقالت إن ما يحرك الشعب السوداني الآن قضايا حقيقية، وإنه لا بد من تحقيق إجماع بصورة واضحة حول القضايا المتعلقة بالفترة الانتقالية. وتابعت «حتى لا ندخل في صراعات في الفترة الانتقالية وأحداث فوضى لأن الوضع هش لا يحتمل الفوضى». وقالت «ليس صحيحا إطلاقا وجود انشقاقات داخل منظومة قوى الإجماع الوطني، لكن توجد خلافات في وجهات النظر لأننا نأتي من مرجعيات مختلفة، لكننا أيضا مجمعون على إسقاط هذا النظام»، وأشارت إلى أن قادة الأحزاب شكلوا لجنة خماسية للاجتماع مع الأحزاب للخروج برأي واحد، وأضافت «نحن نجري حوارا عميقا لنقدم رؤية جادة للنظام البديل».

إلى ذلك، طالبت بريطانيا وأميركا حكومة الخرطوم بالبدء في إجراءات إصلاحية «لتلبية طموحات الشعب السوداني»، وأعربتا عن قلقهما من قيود متزايدة على حرية التعبير والرقابة على وسائل الإعلام، ونادتا بضرورة إطلاق سراح متظاهرين موقوفين لدى السلطات الأمنية.

وقال الوزير بالخارجية لشؤون أفريقيا هينري بيلينغهام في تصريح الثلاثاء «أعبر عن قلقي بسبب القيود المتزايدة على حرية التعبير في السودان والتي جاءت بعد المظاهرات في الخرطوم وعدد من المدن الأخرى خلال الأيام القليلة الماضية»، مطالبا بالإفراج عن المتظاهرين الذين أوقفتهم السلطات خلال الاحتجاجات، داعيا الأجهزة الأمنية لتفادي استخدام القوة في التعامل مع المتظاهرين.

من جهتها، قالت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، في بيان لها تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إن بلادها قلقة من تزايد القيود على الحريات في السودان. وأضافت أن المظاهرات تشير إلى أهمية أن تبدأ الخرطوم في عملية إصلاح وتتعامل مع احتياجات وطموحات الشعب السوداني في إطار ديمقراطي. وقالت إن قمع المظاهرات لن يحل الأزمة الاقتصادية والسياسية، داعية إلى الإفراج عن المعتقلين بسبب الاحتجاجات.

إلى ذلك، جرى قمع مظاهرات جديدة أمس في السودان، في اليوم الثاني عشر لحركة الاحتجاج، رغم الدعوات إلى ضبط النفس التي أطلقتها الولايات المتحدة وبريطانيا، كما أفاد شهود.

وأضاف الشهود أن مائة طالب نزلوا إلى شوارع مدينة كسلا (شرق) لليوم الثاني على التوالي، ورفعوا صور زملائهم المعتقلين، واحتجوا على زيادة أسعار المواد الغذائية، قبل أن تفرقهم شرطة مكافحة الشغب التي استخدمت الغاز المسيل للدموع. وتؤكد منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان أن عددا كبيرا من المتظاهرين قد اعتقلوا منذ بداية الاحتجاجات في 16 يونيو (حزيران) أمام جامعة الخرطوم التي سرعان ما امتدت إلى مناطق أخرى من العاصمة والبلاد.

وأكدت منظمة هيومان رايتس ووتش أنه «على السودان أن يوقف قمع المظاهرات السلمية، ويفرج عن الأشخاص المعتقلين ويسمح للصحافيين بتغطية الأحداث بحرية». وأضافت المنظمة «فيما أفرج عن معظم الأشخاص الموقوفين بعد ساعات أو أيام، تعتبر مجموعات سودانية تتابع الوضع أن مائة ما زالوا في الاعتقال».