حياة الجنوب أفريقيين لم تتحسن كثيرا بعد عقدين على انتهاء «الأبرتايد»

الحزب الحاكم يقر بفشل سياساته.. وجدل حول حلول راديكالية تستهدف البيض

زوما يغني ويرقص بعد إلقاء كلمته في مؤتمر حزب «المؤتمر الوطني الأفريقي» بجوهانسبورغ الثلاثاء الماضي (أ.ب)
TT

خلال حقبة نظام التمييز العنصري (الأبرتايد)، كان السكان البيض في بلدية أوفرستاند الساحلية، الواقعة شرق مدينة كيب تاون، يقنطون في المنازل المترفة المطلة على البحر، فيما كان السود والمنحدرون من أعراق مختلطة يعيشون في البلدات والأكواخ الحقيرة.. وكان البيض يملكون كل الشركات ويحصلون على أفضل الوظائف والرعاية الصحية والمدارس.

وعلى الرغم من انقضاء ثمانية عشر عاما على سقوط نظام الفصل العنصري، فإن المنطقة لم تشهد تغييرات كثيرة، بحسب ماورينيسيا غيليون، السياسية المحلية التي نشأت ولا تزال تعيش في أوفرستاند. وقالت غيليون: «الأغنياء البيض يقضون عطلاتهم في منازلهم الجميلة، أما البقية فيعيشون في الأحياء الفقيرة والمناطق العشوائية. على الرغم من مرور 18 عاما على انتهائه، فإن الفصل العنصري لا يزال قائما بيننا».

قد يبدو ذلك انتقادا قويا لحزب «المؤتمر الوطني الأفريقي»، الذي يحكم جنوب أفريقيا منذ نهاية حكم الأقلية في عام 1994. لم تصدر هذه الانتقادات من زعيم حزب المعارضة، لكنها وجهت من غيليون، الشخصية البارزة في حزب المؤتمر في مقاطعتها، وكانت كلمتها تأكيدا لما جاء في سياق كلمة الرئيس جاكوب زوما، التي ألقاها قبل دقائق من كلمة غيليون. وقال زوما في كلمته أمام آلاف من الوفود الذين حضروا مؤتمر سياسات الحزب الذي يعقد كل خمس سنوات: «إن شكل اقتصاد الفصل العنصري لم يتغير إلى حد بعيد. فركائز الاقتصاد لا تزال بشكل أساسي في أيدي الرجال البيض، كما كانت دائما».

ويسعى المؤتمر الذي يعقد على مدى أربعة أيام، وبدأ أعماله الثلاثاء الماضي، لتقييم عمل ما قدمه حزب المؤتمر، وما لم يتمكن من تقديمه خلال ثمانية عشر عاما من السلطة. ومع ارتفاع نسبة البطالة إلى 25 في المائة، الغالبية العظمى منهم من الشباب السود، واستشراء الفساد، تزداد الانتقادات بتحول حزب المؤتمر إلى حزب لنخبة سوداء صغيرة لا تهتم سوى بثرائها الشخصي. ولمواجهة تلك الانتقادات، أصدر الحزب سلسلة من مقترحات سياسة «العودة إلى الأصول» التي يزعم الحزب أنها ستساعد في تنفيذ شعارها الانتخابي القديم «حياة أفضل للجميع».

وهذا التحليل الذي توصل إليه الحزب بعد نحو عقدين من انتهاء الفصل العنصري، مفاده: «قلة من الأفراد يعملون، ومستوى التعليم التي يحظى بها السود رديء للغاية، والبنية التحتية سيئة، ولا تلقى العناية الملائمة، وغير كافية لتعزيز النمو، إضافة إلى استثناء الأنماط المكانية للفقراء من ثمار التنمية، والاقتصاد غني بالموارد غير المستدامة وبشكل كبير، ومما زاد من عبء الأمراض الفشل واسع النطاق لنظام الرعاية الصحية والخدمات العامة والأداء الرديء وغير المتكافئ، والفساد المنتشر، ولا تزال جنوب أفريقيا مجتمعا منقسما».

سارع المسؤولون إلى القول إن 18 عاما فترة قصيرة للتخلص من قرون من التمييز في ظل الحكم الاستعماري والفصل العنصري الذي ترك سكان جنوب أفريقيا من السود غير مؤهلين للتنافس في اقتصاد حر. وقد قدم الرئيس جاكوب زوما قائمة من الإنجازات التي تمثلت في بناء ملايين المنازل الجديدة للفقراء وملايين أخرى تم ربطها بشبكة الكهرباء وأنظمة المياه، واتساع رقعة الطبقة المتوسطة السوداء.

وبين ثنايا أوراق السياسة وتصريحات الرئيس زوما، كان هناك تأكيد على أن عملية تحويل اقتصاد البلاد لنقل مزيد من الثروات إلى أيدي السود، أعاقتها الحاجة إلى التوصل إلى سلام مع الحكام البيض السابقين. وقال زوما: «كان علينا التوصل إلى تسويات معينة تصب في الصالح الوطني. وكان علينا أيضا الحذر بشأن إعادة هيكلة الاقتصاد كي نحافظ على استقرار الاقتصاد والثقة في الوقت ذاته. ومن ثم ما زالت علاقات القوة الاقتصادية لنظام الفصل العنصري قائمة على حالها». ومن ثم اقترح الحزب ما يسمى «الانتقال الثاني»، الذي يركز على التغيير الاقتصادي لا السياسي.

تتخذ مقترحات السياسة وجهة نظر متشددة تجاه بعض أكثر القضايا التي تواجه جنوب أفريقيا صعوبة والمتمثلة في الصراعات الداخلية في الحزب. فقد طالب البعض الحكومة بأن تستغني عن السياسة الحالية المتمثلة في إعادة توزيع الأراضي وإبدال سياسة أكثر عدوانية بها، فيما رأى آخر تأميم مناجم البلاد.

وإذا ما تم تبني هذه المقترحات، فسوف يشكل ذلك تحولا حادا للحزب، الذي على الرغم من أصوله، فإنه يدعم إلى حد كبير اقتصاد السوق الحرة والدور المحدود للدولة فيه، نحو اليسار. وقد تمت مناقشة المقترحات هذا الأسبوع وسيتم اتخاذ قرار بشأنها مع انعقاد مؤتمر الحزب في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.

ودفع بعض الأعضاء باتجاه تبني برنامج أكثر تطرفا لإعادة توزيع الثروة من البيض إلى السود. فقد طالبت رابطة الشباب بالحزب التي يقودها الزعيم المتشدد جوليوس ماليما، بتأميم مناجم الذهب والألماس والبلاتينيوم. فيما طالب «كوساتو»، وهو اتحاد للنقابات المهنية ويعد لحزب المؤتمر، بتأميم المصارف.

بيد أنه بحسب تحليلات خاصة لحزب المؤتمر، فإن الفشل في تحقيق التنمية الاقتصادية ربما يكون خطأ الحزب نفسه، فقد مر الحزب «بتحول صامت من السياسات التحويلية إلى سياسات القصور حيث تحدد الصراعات الداخلية والاقتتال على السلطة والموارد شكل الحياة السياسية للحركة»، وهو ما يمثل تجاهلا واضحا للأسس التي قامت عليها بوصفها حركة تحررية بنيت على مبادئ اشتراكية.

وعلى الرغم من كل المخاوف من التحول إلى اليسار الذي يمكن أن يؤدي إلى استعادة الأراضي من البيض، كما حدث في زيمبابوي، أو تأميم المناجم، فإن مثل هذه الخطوات غير متوقعة إلى حد بعيد، بحسب ستيف فريدمان، المحلل السياسي في مركز دراسات الديمقراطية في جامعة جوهانسبورغ. وقال فريدمان: «ستكون هناك كثير من الخطب البلاغية، لكن المقترحات الفعلية وديعة وغير متطرفة. فقد كان هذا ديدن الحزب منذ توليه السلطة».

وبالفعل، دافعت بعض الوفود عن ضرورة انتهاج خطة متروية وحذرة. ويقول تيم مخاري، نائب من ليمبوبو (مقاطعة في الطرف الشمالي للبلاد): «أنا أدعم تقاسم الثروة، لكنني لا أعتقد أنه ينبغي لنا تبني نهج متطرف»، وأضاف: «لا ينبغي لنا أن نسلك نهج زيمبابوي».

* خدمة «نيويورك تايمز»