الصراع السوري في عرين «الأسد»

بعد مهاجمة الثوار لقوات الحرس الجمهوري في دمشق

مجموعة من مقاتلي المعارضة السورية أثناء استهداف مروحية تابعة للجيش أول من أمس (أ.ب)
TT

تسبب الهجوم المفاجئ الذي شنه الثوار السوريون بالأسلحة الخفيفة على قاعدة الحرس الجمهوري في دمشق، الواقعة على بعد أميال قليلة من القصر الجمهوري يوم الثلاثاء، في رد عسكري عنيف من جانب القوات الحكومية التي قصفت الأحياء المحيطة في تصعيد ينذر بانتقال الصراع السوري إلى قلب العاصمة.

ويقدر الناشطون المعارضون سقوط 33 شخصا على الأقل جراء القصف الذي تعرض له حي القادسية في دمشق لاستهداف عناصر الجيش السوري الحر، على بعد أقل من ثلاثة أميال من مقر إقامة الرئيس بشار الأسد، وطال القصف حي برزة، الواقع على بعد ثلاثة أميال شمال شرقي دمشق.

في الوقت ذاته لم يعترف الأسد في كلمته أمام مجلس وزرائه، التي نقلتها وكالة الأنباء الرسمية السورية، سانا، صراحة باقتراب القتال من القصر، لكنه قال: «نحن في حالة حرب، ومن ثم سنوجه كل سياساتنا وتوجيهاتنا وقطاعاتنا لتحقيق النصر في هذه الحرب»، وكان الأسد قد وصف الانتفاضة المستمرة منذ ستة عشر شهرا بموجة إجرامية يشنها إرهابيون مدعومون من الخارج. وفي تطور لافت، أعلن التلفزيون السوري عن اختطاف اللواء فراج شحادة المقت بسلاح الجو السوري من قبل مسلحين من أمام منزله في حي العدوي بدمشق، المقصور على الشخصيات البارزة والخبراء الروس، وإذا ما تحققت مصداقية هذه الأنباء، فسوف يكون المقت الضابط الأعلى رتبة الذي يتم اختطافه أو قتله منذ بداية الثورة، وهناك أكثر من 13 لواء كانوا بين موجة الضباط الكبار الذين انضموا إلى صفوف المعارضة مؤخرا.

تأتي هذه التطورات في وقت يجتمع فيه مجلس الأمن الدولي للتوصل إلى استراتيجية جديدة بشأن سوريا، حيث أثبتت الدبلوماسية فشلها على نحو متكرر، فيما أصدرت تركيا، داعمة الجيش السوري الحر والمجموعات الأخرى الساعية إلى الإطاحة بنظام الأسد، تحذيرا جديدا لسوريا، بعد إسقاط الطائرة الحربية التركية على يد القوات السورية الجمعة الماضية، مدعوما بتأييد الإجماع من الدول الأعضاء في الناتو، وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن على القوات السورية أن تبقى على مبعدة من الحدود التركية.

بدأ الهجوم الذي وقع على قاعدة الحرس الجمهوري في دمشق ليلة الاثنين وكان الهدف منه بحسب ملازم في الجيش السوري الحر، الذي نفذت وحدته الهجوم والذي أجري معه لقاء عبر «سكايب»، جس النبض.

وقال الملازم الذي رفض التعريف عن نفسه لأسباب أمنية واكتفى برتبته: «لم تكن مواجهة كبيرة، كانت مجرد اختبار لقدرة الحرس الجمهوري، من أجل الهجمات المستقبلية، وقد اندهش مقاتلونا حقا من حجم القوات التي هرعت على الفور وطوقت المنطقة». وبحسب وصفه، أثبت الهجوم أن رصاصة واحدة في دمشق لها تأثير أكبر من قذيفة دبابة في إدلب أو حمص لأن النظام لا يسمع التفجيرات لكنه بكل تأكيد يسمعون الرصاص في دمشق.

وأوضح أن الهجوم الذي نفذه 20 مقاتلا فقط «كان مجرد اختبار لما يمكن أن تكون عليه الأوضاع حال انتقال القتال إلى دمشق». تضم قوات الحرس الجمهوري النخبة ما يقرب من 8000 جندي وتضطلع فقط بحماية الأسد والحاشية المرافقة له، وكانت قوات الحرس الجمهوري قد أخذت زمام المبادرة في قمع الثورة في منطقة العاصمة.

وقد أوردت مصادر المعارضة الأخرى أنباء عن تصاعد القتال في دمشق، نتيجة القصف الحكومي لأحياء وضواحي القادسية ودومار والحمة، والتي جميعها تقع شمال شرقي قاعدة الحرس الجمهوري، المجاورة للقصر الجمهوري.

ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان نبأ مقتل أكثر من 10 أشخاص في حي القادسية. فيما أوردت لجان التنسيق المحلية، التي تقوم على توثيق أعداد ضحايا النزاع، خبر مقتل 33 شخصا في القادسية ودومار والحمة، إضافة إلى مقتل اثنين في العاصمة، وأوردت اللجان قائمة بأسماء الأشخاص الذين قالت: إن بينهم 21 شخصا قتلوا بوحشية على أيدي القوات السورية في الحمة.

كان القصف الذي شنته القوات الحكومية فجر يوم الثلاثاء من الكثافة كي يسمع في أنحاء العاصمة بحسب نور بيطار، الذي عرف نفسه بالمنسق الإعلامي لفرع دمشق التابع لقيادة المجلس الثوري، جماعة أخرى مناهضة للأسد، وقد تأكدت وقوع الاشتباكات بشكل جزئي عبر وكالة سانا الإخبارية الرسمية التي قالت: «اشتبكت القوات الحكومية يوم الثلاثاء مع مجموعات إرهابية مسلحة في بلدة الحمة في ريف دمشق»، وقال تقرير الوكالة إن المجموعة المسلحة سدت طريق بيروت القديم وقد قتلت القوات الحكومية العشرات من الإرهابيين»، ووصفت الوكالة الرسمية الناشطين المناوئين للأسد بالإرهابيين.

وقالت سيدة تدعى سيرين والتي تعيش في منطقة سوق المزة من دمشق، الواقعة على بعد ثلاثة أميال من منطقة القصف العنيف، إن السكان استيقظوا في الساعة الرابعة صباحا على أصوات القصف، وقالت عبر «سكايب»: «كان الجميع يبعثون برسائل نصية تتساءل عما يجري. لقد اعتدنا على تفجير السيارات لكن هذه كانت انفجارات قصف بالمدفعية. إن الدائرة تضيق أكثر فأكثر».

في لبنان أقام مسلحون حواجز على الطريق وأشعلوا الإطارات وأطلقوا النار في الهواء وسط بيروت قبل ساعات من فجر يوم الثلاثاء، في الوقت الذي شهدت في ضاحية الجنوبية شرق العاصمة، العثور على لغمين أرضيين على الأقل في مستشفى.

أقيمت الحواجز من قبل شيعة يدعمون الأسد والذين أبدوا غضبهم من اعتقال شيعي متهم بالضلوع في الهجوم بالقنابل وإطلاق النار على مكاتب محطة «نيو تي في»، التي تنتقد الحكومة السورية.

وقد أثارت هذه الحوادث المخاوف بشأن إمكانية وقوع الفصائل الطائفية اللبنانية مرة أخرى في صراعات جيرانها. فسوريا ترتبط بعلاقات وثيقة مع حزب الله وحركة أمل، الحزبين الشيعيين المهيمنين، واللذين يدعم أعضاؤهما الأسد بقوة. وقد أطلع هيرفي لادسوس، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام وناصر القدوة، نائب كوفي أنان، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا والذي يمثل الأمم المتحدة والجامعة العربية الذي تعرضت خطه سلامه للشلل، الدبلوماسيين في مجلس الأمن، الذي يتوجب عليه اتخاذ قرار خلال الأيام القادمة بشأن مد عمل بعثة المراقبين، على أهم المستجدات في جلسة خاصة، وقد تم تعليق عمل المراقبين في السادس عشر من شهر يونيو (حزيران) بسبب أعمال العنف.

وكان أنان قد سعى إلى عقد لقاء هذا السبت لما سماها بالدول صاحبة النفوذ في الصراع السوري، رغم أنه لم يتضح بعد عدد المشاركين فيه، وقال فيتالي تشوركين، سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، الذي تعتبر بلاده الداعم الأبرز لسوريا، للصحافيين إن روسيا ستشارك ضمن هذا المؤتمر.

* خدمة «نيويورك تايمز»