نجلاء محمود.. من امرأة مصرية عادية إلى القصر الجمهوري

زوجة الرئيس أصبحت أحد رموز الحرب الثقافية في مصر

نجلاء محمود (يسار) أثناء مشاركتها في احدى الحملات الانتخابية لزوجها محمد مرسي بالقاهرة (أ.ب)
TT

لم تلتحق نجلاء علي محمود، قرينة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي والتي ترتدي خمارا إسلاميا تقليديا يغطي رأسها حتى ركبتيها، بالجامعة ولا يناديها الناس في مصر باسم زوجها، حيث إن هذا الأمر هو عادة غربية يتبعها القليل من المصريين. ترفض نجلاء لقب السيدة الأولى، بينما تفضل لقب «أم أحمد»، وهو اللقب التقليدي الذي يناديها به الناس.

انتخبت مصر مؤخرا رئيسا جديدا، وهو محمد مرسي، أول رئيس مصري ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. مرسي متزوج من السيدة نجلاء محمود (50 عاما) والتي يبدو شكلها في منتهي البساطة بالمعايير المصرية. تختلف قرينة الرئيس مرسي تماما عن سابقتيها سوزان مبارك وجيهان السادات، اللتين كانتا نصف إنجليزيات يواكبن الموضة في ملابسهن وتسريحات شعرهن، فضلا عن حصولهن على درجات علمية متقدمة.

وبشكلها التقليدي الذي يشبه معظم النساء في مصر، أصبحت قرينة الرئيس مرسي أحد رموز الحرب الثقافية التي اندلعت في مصر عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد حسني مبارك والتي جعلت من وحدة المصريين أمرا بعيد المنال. وبالنسبة للبعض، تعتبر السيدة نجلاء مثالا للتغيير الديمقراطي الذي وعدت به الثورة، وسيدة تشبه أخواتهم وأمهاتهم، ولكن الفارق الوحيد أنها تعيش في القصر الرئاسي.

أما بالنسبة لبعض النخب التي تتبنى الثقافة الغربية، تثير قرينة الرئيس خوفهم من الإسلاميين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين.

يقول أحمد صلاح، مصرفي يبلغ من العمر 29 عاما، بينما كان يحتسي القهوة مع أصدقائه في جزيرة الزمالك: «لا يمكنني بأي حال من الأحوال أن أطلق عليها لقب السيدة الأولى، حيث لا تعتبر أبدا صورة معبرة عن المرأة المصرية».

وأصبح شكل قرينة الرئيس الموضوع الرئيسي للمناقشات حامية الوطيس على مواقع الإنترنت وصفحات الجرائد.

تؤكد نوران نعمان، طالبة في كلية الهندسة تبلغ من العمر 21 عاما، أن قرينة الرئيس تحرجها: «فإذا سافرت إلى نيويورك أو أي مكان آخر في العالم، سيقولون: إن السيدة الأولى عندكم تلبس العباءة»، مضيفة: «كانت السيدات الأول السابقات أنيقات».

وفي المقابل، يؤكد الكثيرون أن منتقديها هم من يجهلون الوضع الحقيقي في البلاد، حيث قالت مريم مراد (20 عاما) وتدرس علم النفس: «النساء أمثال سوزان مبارك هن الاستثناء، حيث إنك لا تشاهدهن يسرن في الشوارع. هذا بالضبط ما نريده: التغيير».

تقول داليا صابر (36 عاما) وتعمل مدرسة في كلية الهندسة: «إنها تبدو مثل والدتي ووالدة زوجي، إنها على الأرجح تبدو مثل أمك وكل الأمهات الأخريات». تؤكد داليا أن وجود مرسي وزوجته في القصر الرئاسي يعد من بين الأسباب الحقيقية لاندلاع ثورات الربيع العربي، التي تطالب بوصول أشخاص عاديين إلى الحكم، مضيفة: «إنهما أناس مثلنا. يشعر الناس بشعور غريب من الراحة، وبأن هناك تغييرا قد حدث».

ومن جانبها، أكدت السيدة نجلاء محمود لصحيفة الإخوان المسلمين أنها تدرك تماما أنه لن يكون من السهل عليها أن تكون زوجة لأول إسلامي يتولى منصب الرئاسة في مصر. فإذا حاولت لعب دور نشط في البلاد، فسوف تضع نفسها في مقارنة مع سوزان مبارك، التي كانت تحظى بكراهية واسعة في المجتمع نظرا للنفوذ الكبير المزعوم الذي كانت تتمتع به من وراء الستار. بينما تؤكد نجلاء أنها إذا اختفت عن الأضواء: «فسوف يقولون إن محمد مرسي يخفي زوجته عن الأعين لأن هذه هي الطريقة التي يفكر بها الإسلاميون».

يعد المسار غير المتوقع الذي سلكته السيدة نجلاء نحو قصر الرئاسة مثالا واضحا على مدى غرابة تجربتها في أعين النخبة المصرية القديمة، أو ربما مدى غرابة هذه النخبة في أعين العامة في مصر. تعتبر قصة نجلاء قصة تقليدية للغاية، حيث نشأت في أحد أحياء القاهرة الفقيرة، عين شمس، وكانت طالبة في المدرسة الثانوية تبلغ من العمر 17 عاما عندما تزوجت من ابن عمها محمد مرسي، الذي يكبرها بـ11 عاما، والذي نشأ هو الآخر نشأة فقيرة في قرية صغيرة تسمى «العدوة» في محافظة الشرقية التي تقع في دلتا نهر النيل، ولكنه تفوق في دراسة الهندسة في جامعة القاهرة.

وبعد زفافهما بثلاثة أيام، تركها مرسي وسافر إلى لوس أنجليس، بالولايات المتحدة، لاستكمال دراسته للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا. أكملت نجلاء دراستها الثانوية وقامت بدراسة اللغة الإنجليزية في القاهرة، وبعد عام ونصف من زواجهما، سافرت إلى زوجها في لوس أنجليس وتطوعت للعمل في «بيت الطالب المسلم»، حيث كانت تقوم بترجمة الخطب والعظات للنساء الراغبات في اعتناق الإسلام.

وفي مدينة لوس أنجليس، تلقى الرئيس مرسي وقرينته نجلاء الدعوة الأولى للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهو العرض الذي سيغير حياتهما بعد ذلك. قالت السيدة نجلاء لصحيفة جماعة الإخوان المسلمين: «دائما ما أقول إن الإخوان لم يقوموا بخداع أي شخص، حيث أخبرونا بالوضع منذ البداية وما هو الدور المطلوب منا، وأكدوا لنا أن الطريق طويل ومليء بالمخاطر».

أكدت نجلاء أن أعضاء الجماعة قد طلبوا من زوجها التأكد من موافقتها على قرار الانضمام إلى الجماعة، حيث قالوا: «حرصنا على استقرار العائلات يفوق بكثير مجرد اجتذاب عضو جديد إلى الجماعة».

رزق الزوجان بأول طفلين من أطفالهما الخمسة في مدينة لوس أنجليس، لذا حصل الطفلان على الجنسية الأميركية. وبعد حصول محمد مرسي على درجة الدكتوراه، لم تكن السيدة قرينته في البداية ترغب في مغادرة الولايات المتحدة، وفقا لما صرحت به لموقع الإخوان المسلمين على الإنترنت، ولكن مرسي أراد لأولاده أن يكبروا في مصر.

وبعد عودتهما من الولايات المتحدة الأميركية عام 1985، عمل مرسي بالتدريس في جامعة الزقازيق، التي تقع في دلتا النيل شمال القاهرة والقريبة من قريته، وبدأ في التدرج في المناصب في صفوف جماعة الإخوان المسلمين، بينما قامت قرينته، ربة منزل، بالعمل في تعريف الفتيات الصغيرات بأمور الزواج، فوفقا لتقاليد جماعة الإخوان المسلمين: «خلق الرجال للقيادة والنساء لاتباعهم». ومثل كثير من المصريين، سافر مرسي إلى الخارج لزيادة دخله، حيث قام بتدريس الهندسة في إحدى الجامعات الليبية في الفترة بين 1988 و1992، حتى استطاع في النهاية الحصول على ما يكفي من المال للانتقال من شقته الصغيرة المؤجرة وشراء شقة في الزقازيق وسداد الدفعة المقدمة لسيارة ميتسوبيشي لانسر سيدان، حسبما أفاد بعض أصدقاء العائلة في الشرقية.

كانت جماعة الإخوان المسلمين محظورة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، لذا فلم يكن تولي المناصب القيادية في الجماعة أمرا سهلا على الإطلاق بالنسبة لمرسي أو عائلته، حيث قال مرسي لقرينته قبل المشاركة في إحدى المظاهرات عام 2006: «لا أعلم إن كنت سأعود لرؤيتك أم لا، فربما تكون المرة التالية التي التقي بك فيها في سجن طرة». وفعلا لم يرجع مرسي إلى البيت لقرابة سبعة أشهر قضاها في المعتقل، حسبما صرحت السيدة نجلاء لصحيفة الإخوان المسلمين.

ومن بين أولادهما تعرض أحمد للاعتقال عدة مرات وأسامة للاعتقال والضرب خلال أحداث الثورة في العام الماضي، في حين تعرض عمر للضرب أيضا. ومثل والده، سافر أحمد إلى الخارج لزيادة دخله، حيث يعمل الآن طبيبا للمسالك البولية في المملكة العربية السعودية. وفي عام 2000، نجح محمد مرسي في انتخابات مجلس الشعب وأصبح رئيسا لكتلة الإخوان المسلمين في البرلمان، التي ضمت 17 نائبا، ولكنه خسر في انتخابات عام 2005، وسط اتهامات بقيام حزب الرئيس السابق مبارك بعمليات تزوير على نطاق واسع.

وبناء على الثقافة الذكورية المنتشرة في مصر، ولا سيما بين الإسلاميين، لا يتحدث الرجال علانية عن زوجاتهم، حيث يعد مجرد ذكر أسمائهن من المحظورات. ولكن الرئيس محمد مرسي يبدي تقديرا غير عادي لزوجته، حتى في المقابلات العامة، حيث أشار في بعض المقابلات التلفزيونية التي أجريت معه إلى أن زواجه منها: «كان أكبر إنجاز شخصي حققته في حياتي».

أكدت قرينة الرئيس لمجلة «نصف الدنيا» أن مرسي يساعدها في بعض الأحيان في الأعمال المنزلية، لدرجة أن يطبخ بدلا منها أحيانا. تقول نجلاء: «أحب كل شيء فيه»، مضيفة: «لم تستمر خلافاتنا أبدا لأكثر من بضع دقائق».

ظهرت نجلاء مع زوجها كثيرا أثناء حملته الانتخابية، على الرغم من أنها نادرا ما تحدثت على الملأ. وعندما طلب صحافي في إحدى المجلات التقاط بعض الصور لها، أجابته بأنها توافق «فقط إذا كانت هذه الصور سوف تجعلني أبدو أصغر سنا وأنحف قليلا».

بدت السيدة نجلاء غير راضية عن الحياة في القصر الرئاسي، حيث تقول: «كل ما أريده هو العيش في مكان بسيط حيث يمكنني أداء كامل واجباتي كزوجة. ولكن القصر الرئاسي مكان يعزلك تماما عن العالم الخارجي، مما يجعل القلوب أكثر قسوة».

* خدمة «نيويورك تايمز»