التسيب الأمني يفتح الساحة اللبنانية على كل الاحتمالات.. والقوى المسلحة تستنفر بكل طاقاتها

مصدر أمني لـ «الشرق الأوسط»: الأمور في البلاد ليست مثالية.. لكن لا استسلام للفلتان

القائد السلفي أحمد الأسير يستخدم جهاز لاسلكي خلال الاعتصام المتواصل في صيدا بلبنان (رويترز)
TT

لا يزال الوضع الأمني في لبنان متصدرا الاهتمام السياسي، والمتابعة الأمنية والعسكرية، خصوصا بعد إحباط مخطط إحراق مبنى قناة «الجديد» التلفزيونية، ثم محاولة إحراق مبنى تلفزيون «أخبار المستقبل» في بيروت على أيدي عناصر من «سرايا المقاومة» ليل الاثنين الماضي، وما تبعهما من قطع لطريق المطار وشوارع بيروت بالإطارات المشتعلة، احتجاجا على توقيف أحد المشتركين بمحاولة إحراق محطة «الجديد»، والمدعو وسام علاء الدين، الذي يخضع الآن للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية بإشراف القضاء المختص.

ويبدو أن الأمن في لبنان المفتوح على كثير من الاحتمالات في ظلّ الحوادث المتنقلة، والاشتباكات المسلحة في ضاحية بيروت الجنوبية، وضع القوى المسلحة بحالة استنفار كامل وبكل طاقاتها، التي شرعت في تطبيق «الخطة الأمنية الشهرية» التي أعلنتها الحكومة، ودخلت حيّز التنفيذ بإشراف وزير الداخلية مروان شربل.

وفيما لم يقطع أي طريق في بيروت أمس، بقي الاعتصام الذي ينظمه إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، عند المدخل الشمالي لمدينة صيدا (جنوب لبنان) على حاله، وقطع الطريق على المسلك الشرقي للمدينة، وذلك «احتجاجا على السلاح غير الشرعي». وعجز أمس محافظ الجنوب في إقناع الأسير بفك اعتصامه، وقال الأسير في كلمة له «لقد أعطوا وجهة نظرهم ولكنني لم أقتنع بأن أفك الاعتصام»، مشيرا إلى أنه «لا فتنة بذلك الاعتصام بل الفتنة بوجود السلاح».

وأضاف «اعتصامنا كاعتصام ميدان التحرير في مصر الذي كان سلميا، وإذا لم نر تجاوبا مع مطالبنا فسنصعد الاعتصام، وما تشاهدونه اليوم ليس بشيء لأننا لا نتعامل مع بشر بل نتعامل مع أناس يعتبرون أنفسهم آلهة (في إشارة إلى حزب الله)». وتابع «أقسم إننا لن نعود إلى منازلنا قبل أن نلمس حلا جديا لمسألة السلاح، والاعتصام سيبقى قائما سلميا حتى الموت». وختم بالقول «يمكننا أن نعيش من دون خبز أو من دون كهرباء ولكن لن نستطيع أن نعيش من دون كرامة، وسلاح حزب المقاومة (حزب الله) سلب منا الكرامة».

وفي هذا الإطار أكد مصدر أمني بارز لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمور (الأمنية) في لبنان ليست مثالية، لكن هناك إرادة من الجيش والأجهزة الأمنية بعدم الاستسلام للفلتان». وشدد على «أن هناك تصميما من أجهزة الدولة العسكرية والأمنية بالانتقال التدريجي من حالة الفوضى واللاأمن إلى الاستقرار الذي هو حق اللبنانيين وكل المقيمين على الأراضي اللبنانية». لافتا إلى أن «الغطاء السياسي الذي وفره مجلس الوزراء للأجهزة سيساعد في القيام بخطوات جدية على الأرض، وتحسين الأوضاع بما يطمئن الناس يوما بعد يوم».

وعلى صعيد المواقف السياسية، أطلق رئيس الجمهورية ميشال سليمان ما يشبه الصرخة، ورأى في تصريح له أن «مسؤولية السياسيين هي الحضور في الأوقات الصعبة وقول كلمة الحق وتسمية الأشياء بأسمائها»، لافتا إلى أنه «لا يكفي الصوت العالي للمناداة بالوحدة الوطنية بل المطلوب شجاعة الشهادة للحق والخير والوحدة». واعتبر أنّه «ما بات مستغربا هو أن يسترضي المسؤولون الشارع والمُرتكِب والذين يطلقون النار على الجيش ويتعرّضون له عوض أن يسترضي هؤلاء المسؤولين والزعماء».

وعلّق رئيس الحكومة السابق سعد الحريري على الأحداث الأمنية التي عاشتها العاصمة بيروت وبعض المناطق مؤخرا، فرأى أن «ما جرى في بيروت وخارج بيروت خلال الأيام والساعات الماضية، يشكل إساءة كبيرة لهيبة الدولة ودورها، ومن شأنه أن يعرض السلم الأهلي والاستقرار الوطني لخطر كبير». وقال «إنّ التسيب الأمني الذي عاشه اللبنانيون خلال الأيام الماضية غير بريء على الإطلاق، وهو لا يقع في نطاق ردود الفعل فقط أو في نطاق تصرفات وأعمال عناصر غير منضبطة كما يروّج البعض، بل هناك من يخطط لهذا المشهد ويحركه، وهناك فئات مكلَّفة بتنفيذه على الأرض لنشر الفوضى وترهيب المواطنين وكسر هيبة الدولة، وتهديد مصالح المواطنين ومستوى ونوعية عيشهم». أضاف الحريري «أمر جيد أن يتم رفع الغطاء السياسي عن المرتكبين والمخلين، لكن الأمر الحقيقي المطلوب هو رفع الغطاء الأمني والحماية المسلّحة عن الجهات والفئات التي تقوم بقطع الطرقات وإشعال الحرائق وإثارة الفوضى وتنظيم الاعتصامات، سواء ذلك في بيروت أو طرابلس أو صيدا أو أي مكان على الأراضي اللبنانية».

أما وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، فلفت إلى أن «حزب الله وحركة أمل من الأساس يرفضان مسألة قطع الطرقات، وسمعنا تأكيدا من وزرائهما في جلسة مجلس الوزراء بأنّ الجهتين (أمل وحزب الله) لا تغطّيان أي شخص يقوم بأي أمر مخالف للقانون، وتحديدا في مسألة قطع طريق مطار رفيق الحريري الدولي».