إسقاط سوريا طائرة حربية تركية يبعث برسالة تحذير

مسؤولون عسكريون أميركيون: الدفاعات الجوية السورية تبدو أقوى من تلك التي واجهها الناتو في ليبيا

TT

جاء إسقاط النظام السوري طائرة حربية تركية كتحذير صارخ مفاده أن جيشه قادر على شحذ دفاعات معقدة ضد أعدائه المحتملين، على نحو يصعِّب إمكانية القيام بتدخل عسكري في سوريا على غرار التدخل في ليبيا.

وقد صرحت تركيا بأنه ليست لديها خطط مباشرة للرد على تلك الحادثة من خلال تنفيذ عمل عسكري. لكن رئيس الوزراء التركي شدد يوم الثلاثاء على أنه قد أمر القادة على طول الحدود الجنوبية للبلاد بالتعامل مع أي عمل عسكري سوري كتهديد، على نحو يصعد المخاوف من احتمال انجراف تركيا - جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة وحلفائها - إلى حرب إقليمية.

ما زالت تفاصيل حادثة إسقاط الطائرة على طول الساحل السوري تظهر تباعا، غير أن مسؤولين ذكروا أن سوريا قد عززت دفاعاتها الجوية بشراء أسلحة ومعدات من روسيا بعد أن دمرت طائرات حربية إسرائيلية مفاعلا نوويا تحت الإنشاء في الصحراء السورية منذ قرابة خمسة أعوام. وعلى الأقل على الورق، أشار مسؤولون عسكريون أميركيون إلى أن الدفاعات الجوية السورية تبدو أقوى بكثير من تلك التي واجهها حلف الناتو في ليبيا، بل وأقوى من دفاعات إيران.

«يمكنني أن أذكر لكم أسماء (أنظمة) أسوأ، لكنها موجودة في دول مثل الصين»، هذا ما قاله مسؤول بالقوات الجوية تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته نظرا لأنه لم يكن مسموحا له بمناقشة الموضوع على الملأ.

تعتبر المخاوف المتعلقة بإمكانات الجيش السوري مجرد سبب واحد وراء رفض المجتمع الدولي التدخل لوقف القمع الدموي من قبل قوات نظام الرئيس بشار الأسد لجماعات المعارضة.

غير أن مسؤولي دفاع ومحللين عسكريين يقولون إن هزيمة أنظمة الدفاع الجوية السورية تتطلب جهدا عسكريا مستمرا من جانب الولايات المتحدة، الأمر الذي يحتمل أن يسفر عن وقوع إصابات بين المدنيين.

ويحذر هؤلاء الذين يحثون على توخي الحذر من أن أي عمل عسكري ينطوي على مخاطرة إقحام القوات الغربية في حرب طائفية يحتمل أن يمتد تأثيرها عبر أنحاء المنطقة.

وفي وقت ما زال فيه الجيش الأميركي يقاتل في أفغانستان، وفي طور التعافي من آثار الغزو الدموي طويل الأمد للعراق، ثمة معارضة أيضا داخل البنتاغون لاستخدام القوة في مواضع لا تكون فيها المصالح الوطنية مهددة بشكل مباشر.

«يمكننا التعامل مع الدفاعات الجوية المتكاملة في سوريا»، قال الليفتنانت جنرال ديفيد ديبتولا، الذي أشرف على جهود الاستخبارات المتعلقة بالقوات الجوية في البنتاغون. «ينطوي الأمر على قدر هائل من التحديات يفوق الوضع في ليبيا بدرجة كبيرة. إن لديهم بعضا من أحدث القذائف الأرض جو. لكن قبل أن نركز على النهج المتبع، نحتاج إلى التركيز على الأسباب أولا».

وفي أعقاب هجوم إسرائيل في عام 2007 على مفاعل «الكبر» النووي، أنفقت سوريا مليارات الدولارات على تحديث دفاعاتها الصاروخية في حقبة الستينات والسبعينات من القرن الماضي. وكان من بين التجهيزات العسكرية التي تم شراؤها نظام الدفاع الجوي الصاروخي طراز «بانتسير إس إيه - 22»، الذي تكهن بعض مسؤولي الدفاع باحتمال أن يكون قد تم استخدامه في إسقاط الطائرة التركية.

«لقد دفعت الهجمة الإسرائيلية السوريين لشراء بعض أحدث أنظمة الدفاع الروسية»، قال دوغلاس باري، زميل رفيع المستوى متخصص في الطيران بمعهد الدراسات الاستراتيجية الدولية في لندن.

وقال كثير من محللي الدفاع إن النظام السوري مماثل للدفاعات الجوية الإيرانية من حيث التقنيات المستخدمة فيه، لكنهم أشاروا إلى أن النظام السوري أكثر فاعلية نظرا لأنه متركز في منطقة أصغر.

يقول جيفري وايت، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومحلل سابق بوكالة الاستخبارات الدفاعية: «الإيرانيون لديهم منطقة جغرافية شاسعة يتعين عليهم تأمينها، الأمر الذي يخلق ثغرات يمكنك الطيران عبرها وحولها». ويضيف: «النظام السوري أكثر كثافة».

إضافة إلى ذلك، فإن أنظمة الدفاع الجوية السورية أكثر تكاملا من الأنظمة العراقية أو الليبية، على نحو يسمح لضباط الجيش السوري في المواقع المختلفة بمشاركة المعلومات المستهدفة التي يتم تجميعها من الرادار.

على الرغم من ذلك، فإن أي نظام دفاع جوي معقد نسبيا من المحتمل أن تكون به نقاط ضعف. ومع أن النظام السوري يبدو جيدا على الورق، فإنه ليس من المؤكد ما إذا كان لدى السوريين أفراد مدربون يمكنهم تشغيله بفاعلية أم لا، بحسب محللين. وقال مسؤولون أميركيون إنهم ليسوا موقنين أيضا مما إذا كان السوريون يمكنهم صيانة النظام وإصلاحه أم لا.

فضلا عن ذلك، فقد وظفت الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو أجهزة تشويش وتقنيات أخرى معقدة لتعطيل نظام الرادار السوري وأنظمة الاتصالات التي لم تكن تستخدمها الطائرة التركية.

وأشار مسؤولون أتراك إلى أن طائرتهم الحربية اخترقت الأجواء السورية بالقرب من مرفأ اللاذقية بطريق الخطأ، لكنها سرعان ما غادرته بعد أن تلقت تحذيرا من مشغل رادار تركي بهذا الخطأ. وقال الأتراك إنهم قد فقدوا الاتصال اللاسلكي بالطائرة على بعد نحو 13 ميلا من الساحل السوري.

كان من الممكن أن تقوم الطائرة، التي كانت تحمل أجهزة خاصة بمراقبة الصور، بمراقبة المرفأ السوري للوقوف على ما إذا كانت هناك شحنات أسلحة.

وقال مسؤولون أميركيون إنه لا يزال من غير الواضح تحديدا المهمة التي كانت تقوم بها الطائرة الحربية التركية وموقعها من الأراضي السورية وقت إسقاطها. قال مسؤول عسكري أميركي رفيع المستوى: «ثمة كثير من الأمور المجهولة». وفي أعقاب الهجوم، تعهد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان باتخاذ إجراء عسكري ضد أي «عنصر يقترب من الحدود التركية من سوريا بطريقة يحتمل أن تشكل خطرا أو تهديدا».

تتمركز أكثر أنظمة الدفاع الجوي تعقيدا في سوريا على طول حدودها الجنوبية الغربية للتأمين ضد الغارات الإسرائيلية. وليس بالضرورة أن تدخل الجهود الدولية الرامية لفرض منطقة حظر جوي للثوار واللاجئين على طول الحدود التركية في معركة مع أكثر الأنظمة السورية تعقيدا.

* خدمة «واشنطن بوست» _ خاص بـ «الشرق الأوسط»