الانفجارات لا تقتل فحسب وإنما تهجر العائلات العراقية

عراقيون ببغداد بلا مأوى ولا عمل.. ولا يحصدون من الحكومة سوى الوعود

فتيان عراقيون يتفقدون مخلفات الانفجار في حيهم السكني بمدينة التاجي شمال بغداد أمس (رويترز)
TT

دمرت سيارة مفخخة انفجرت في مجمع عشوائي في شمال بغداد، منزل جهاد حسين وزوجته اللذين لم يجدا مفرا من لملمة ما تبقى من أغراضهما والانتقال إلى موقع سكنهما الجديد: باحة في مرقد الإمام موسى الكاظم.

ويقول حسين (28 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية «إنه وضع مرعب. أصبحت مشردا في لحظات، لكن الحمد لله أني بقيت على قيد الحياة ولم أخسر زوجتي في الانفجار».

وفي موقع التفجير في مجمع الإمام علي في الكاظمية، الذي قتل فيه سبعة أشخاص في 13 يونيو (حزيران)، اختفت الأبنية العشوائية الصغيرة ولم يتبق منها سوى الكتل الإسمنتية وبعض الملابس والمفروشات الممزقة. وترك الانفجار أكثر من عشرين عائلة من دون مأوى، تنتحب على القتلى من أقربائها وجيرانها حينا، وعلى ماض ومستقبل حطمهما الهجوم حينا آخر.

ويقول حسين إنه بحث عن شقق للإيجار، لكنه لم يجد أسعارا تقل عن 150 ألف دينار (نحو 125 دولارا) في الشهر الواحد، وهي شقق بدت في وضع مزر وتحتاج إلى أعمال تصليح كثيرة.

ويضيف في حين ينتظر الحصول على مساعدة من منظمة إغاثة نرويجية في قاعة في منطقة الإمام علي «على كل حال، لا أملك المبلغ الكافي لذلك، ولا يستطيع أحد من أقربائي مساعدتي لأنهم هم أيضا لا يملكون المال».

وعاش حسين في هذه المنطقة منذ 2004، وتحديدا منذ أن اضطرت عائلته إلى مغادرة منزلها بعدما عجزت عن سداد قيمة الإيجار.

ولم يجد حسين مأوى لعائلته إلا في هذه المنطقة التي كانت إبان النظام السابق عبارة عن قاعدة أمنية، وقد عاش لسنوات في منزله المشيد من كتل إسمنتية ولا يشمل سوى غرفة نوم ومطبخ.

ويقضي حسين وزوجته ليلهما منذ أن وقع التفجير في إحدى باحات مرقد الإمام موسى الكاظم، سابع الأئمة الاثني عشر لدى الشيعة.

ولم يدمر الهجوم منزل حسن فقط، بل تسبب أيضا في فقدانه عمله في محل لبيع إكسسوارات السيارات.

ويقول «صاحب العمل أبلغني بأنه لا يريدني أن أعمل معه بعد اليوم كونه يحتاج شخصا يبقى إلى جانبه طوال الوقت. شرحت له ظروفي، وقلت له إنه يجب أن يساندني في هذه الفترة الصعبة، لكنه طلب مني أن أتصل به لاحقا، مما يعني أنه لا يريد أن يتحدث إلي».

وذكر حسين أنه في حال لم يجد أي عمل قريبا، فإنه سيتوجه إلى كربلاء (110 كلم جنوب بغداد)، حيث أبلغه أحد أقربائه بأنه عثر له على عمل هناك.

ومعظم سكان منطقة الإمام علي سبق وأن لجأوا إليها هربا من أعمال العنف في مناطق أخرى، وبنوا فيها منازل صغيرة بعدما لم يعثروا على مأوى آخر. ويقول عبد الزهرة عبد السادة (57 عاما) الذي يدير الموقع «لدينا هنا أكثر من 120 عائلة، نحو 45 في المائة منها هجرت من مناطق سنية مثل الفلوجة وأبو غريب والتاجي وغيرها»، مشيرا إلى أن تلك العائلات اضطرت للهرب بعدما تلقت تهديدات أو بسبب أعمال العنف في المناطق التي كانت تسكنها. وتشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن نحو 1.3 مليون عراقي هجروا من مناطقهم نحو مناطق أخرى في البلاد. واشتكى عبد السادة من أن السلطات العراقية لم تقدم أي مساعدة للعائلات التي فقدت أفرادها أو منازلها، وأنه لم يزر المكان سوى عضوين في مجلس محافظة بغداد «وقد اكتفيا بتقديم الوعود».

وجاء الهجوم الذي دمر منزل حسين في إطار موجة تفجيرات في 13 يونيو (حزيران) قتل فيها 72 شخصا وتبناها تنظيم القاعدة.

وتلت هذه التفجيرات هجمات أخرى قتل فيها العشرات، واستهدفت خصوصا مناطق تسكنها غالبية شيعية تشكل إلى جانب القوات الأمنية هدفا للتفجيرات المتنقلة منذ إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

ورغم أن معدلات العنف في العراق تراجعت عن المستويات التي بلغتها في السنوات الماضية، فإنها لا تزال حدثا يوميا، حيث قتل 132 شخصا في مايو (أيار) الماضي، بينما قتل وجرح المئات في الشهر الحالي.