انتهاء عهد أنجح خدمة إلكترونية سبقت الإنترنت

«مينيتال» أفادت الملايين داخل فرنسا وفشلت في نقل نجاحها إلى الخارج

مؤسس خدمة «مينيتال» يعمل على جهازه داخل مزرعته في منطقة بريتاني الفرنسية
TT

ثمة أثر خفيف من الطين والروث يمتد من باب مكتب إيف ديني الموجود في الطابق الذي توجد به الحظيرة ويطل على حظائر عجول الهولشتاين، إلى مكتب مملوء بأشياء متراكمة بغير نظام موضوع عليه صندوق بلاستيكي صغير ساهم في يوم من الأيام في وضع ديني على قمة تكنولوجيا المعلومات.

سمحت شركة «مينيتال»، التي كانت تقدم خدمات إلكترونية رائعة وسبقت الإنترنت في بداية الثمانينات من القرن الماضي، للفرنسيين بالبحث في دليل الهاتف الوطني وشراء الملابس وتذاكر القطارات والحجز في المطاعم وقراءة الصحف وتبادل الرسائل الإلكترونية قبل عقد من الزمان من وجود تلك الخدمات في أي مكان آخر في جميع أنحاء المعمورة، والآن تحن الشركة لاستعادة مجدها الذي يتعذر استرداده وإلى الاتصال بالإنترنت عبر الهاتف وإلى الشاشة البيضاء والسوداء.

تأسست شركة «مينيتال» في فرنسا على يد الفرنسيين ومن أجل الفرنسيين - ولم يلق تصدير هذه التكنولوجيا للخارج نجاحا كبيرا - ثم تفوقت عليها الإنترنت منذ وقت طويل بسبب قدرتها على الوصول لأي مكان بكل سهولة ويسر. ومع ذلك، لم تتوقف «مينيتال» عن العمل وما زال لديها العديد من المتطوعين، بما في ذلك نحو 2,500 من منتجي الألبان في منطقة بريتاني الفرنسية، ممن يعتمدون علي تلك الخدمة ليتمكنوا من معرفة مواعيد التلقيح الصناعي للأبقار أو ليطلبوا من السلطات سحب جيف الحيوانات بعيدا.

ومع ذلك، سيتغير كل ذلك قريبا، حيث من المقرر أن تتوقف شركة «مينيتال» عن العمل بصورة نهائية، يوم غد السبت، بسبب ارتفاع تكلفة الصيانة وانخفاض الأرباح بصورة كبيرة - بعد ثلاثة عقود من العمل وبعد الأثر العميق التي تركته في الحياة التجارية والثقافية في فرنسا. ولا يزال هناك نحو 400,000 كابينة تعمل في جميع أنحاء البلاد حتى الآن، ولكن ربما تكون المنطقة الأكثر تضررا من إغلاق الشركة هي منطقة بريتاني التي تم تطوير المعدات التي كانت موجودة بها والتي يعتمد العديد من الفلاحين فيها على تلك الخدمة حتى الآن.

ويقول ديني، الذي يربي 165 بقرة حلوبا في 300 فدان غرب مدينة رين الفرنسية: «كافة أجهزة الكومبيوتر في حالة جيدة، ولكن لم يعد الأمر مثلما كان عليه في الماضي. إنني غير بارع في استخدام الإنترنت».

وتنتشر خدمة الإنترنت في فرنسا بصورة بطيئة للغاية إذا قورنت بغيرها من الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة، ويعود السبب في ذلك بصورة أساسية إلى الشعبية الكبيرة التي كانت تحظى بها «مينيتال» في فرنسا، حسب ما أعلن عنه المؤرخون. ولم تغز الإنترنت تلك المدينة، التي تقع في غرب فرنسا، إلا في مطلع القرن العشرين.

وكانت شركة «مينيتال» مفيدة للغاية للفلاحين. وعندما أدركت مؤسسات الزراعة المحلية أهمية تلك الخدمة التي ستوفر لها المال والوقت، قامت بتطوير برامج للفلاحين بهدف متابعة أسعار لحوم الخنازير وإخطار السلطات بمواليد ووفيات الحيوانات والتشاور بشأن نتائج الاختبارات الكيميائية على الحليب.

وقال آلن بازير، وهو منسق في الغرفة المحلية للزراعة وأحد المساهمين في تطوير الشركة قبل 30 عاما: «كانت تلك الشركة بمثابة ثورة في عالم الاتصالات». وبينما كان العديد من الفلاحين مترددين في بادئ الأمر في الاعتماد على تلك الخدمة - لا يمكن القول إن قطاع الزراعة الفرنسي كان معقلا للتقدم التكنولوجي - استخدم نحو 50 في المائة من مربي الأبقار الحلوب في هذه المنطقة، والبالغ عددهم 30,000 شخص، خدمة مينيتال في منتصف التسعينات من القرن المنصرم، حسب تقديرات بازير.

ويقوم بازير الآن بتطوير برامج أجهزة الكومبيوتر التي تعمل باللمس والهواتف الذكية التي يتمنى أن تحل محل خدمة مينيتال بين الفلاحين والمزارعين. ومع ذلك، لا يوجد هناك اهتمام كبير بالتكنولوجيا الجديدة، ولا يتم استخدام سوى بضع عشرات من الأجهزة. وعلى الرغم من اعتماد المزارعين على «مينيتال» على مدار عقود طويلة، يخشى بازير أن يعود المزارعون إلى الاعتماد على السجلات الورقية.

وبينما كان المزارعون من أواخر الذين اعتمدوا على خدمة «مينيتال»، فإنهم كانوا، بأي حال من الأحوال، الوحيدين الذين استخدموا تلك الشبكة وعشقوها عندما كانت في أوجها. وفي منتصف التسعينات من القرن الماضي، بلغ عدد أجهزة مينيتال في فرنسا 9 ملايين، كما بلغ عدد مستخدمي الشبكة 25 مليون شخص، وهو ما يعادل نصف عدد سكان فرنسا تقريبا، حسب ما أعلنت عنه كارين لوفيفر، وهي مديرة قسم بشركة «فرانس تليكوم أورانج» والمشرفة على شبكة مينيتال. وفي عام 1996، كان هناك ما يقرب من 26,000 خدمة تم تطويرها من قبل 10,000 شركة ومشروعات ناشئة في مجال التكنولوجيا. (بدأ عدد من رجال الأعمال الناجحين في مجال التكنولوجيا في تطوير الخدمات لشركة مينيتال).

وقالت فاليري شافر، وهي مؤرخة في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية، إن السلطات الفرنسية كانت تأمل في تصدير اختراعاتها، لكنها أصرت على أن يتم بيع مينيتال كنظام «شامل». وأضافت شافر أن عدم المرونة قد أدى إلى فشل مينيتال من الناحية التجارية خارج فرنسا، لا سيما في ضوء المعايير المتنوعة التي يتم استخدامها في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية في أوروبا وأماكن أخرى. وقالت شافر بسخرية: «الجميع يحسدنا على امتلاك تلك الشركة، ولكن لا أحد يريد شراءها».

كانت «مينيتال» ملء السمع والبصر على مدى عقدين كاملين في فرنسا، ونجحت في نهاية عام 2007 في تحقيق أرباح لشركة «فرانس تليكوم أورانج» ورؤساء الشركات الإلكترونية تتعدى 100 مليون دولار. وكانت «مينيتال» تقدم خدمات للاستعلام عن قيمة الأسهم والالتحاق بالكليات ومراجعة البيانات المصرفية. وعندما كانت لوفيفر في مقتبل حياتها، استخدمت خدمة مينيتال من غرفة نوم والديها في باريس للاستعلام عن نتيجتها في الثانوية العامة.

ولم تعد معظم الخدمات التي كانت تقدمها «مينيتال» موجودة الآن، ولكن من بين آخر البرامج التي تعمل حتى الآن هو برنامج «خدمات الرسائل الوردية» الذي كان أول غرفة للدردشة في العالم وكان يتم الإعلان عنه على لوحات الإعلانات وتعرض للهجوم من قبل السياسيين المحافظين وورد في أغاني البوب، بما في ذلك أغنية «وداعا ماريلو» لميشيل بولناريف عام 1989. ويؤكد المزارعون أن «مينيتال» أصبحت مستخدمة على نطاق واسع في عالم الزراعة لأنها عملية وتتمتع بقدرة عالية على التحمل.

ثمة اتصال بالإنترنت في مزرعة ديني الأنيقة والمبنية من الحجارة، ولكن القواعد المنزلية تفرض عليه خلع حذائه المطاطي الطويل الذي يصل إلى ركبتيه قبل الدخول إلى المنزل، وهو ما يجعله غير مقتنع بأن جهاز الكومبيوتر يمكنه العمل والتحمل في تلك الحظيرة. ويسخر أولاد ديني منه بسبب ارتباطه العميق بـ«مينيتال»، ويقول ديني: «إنهم يصفونني بأنني تقليدي للغاية».

* خدمة «نيويورك تايمز»