«يونيو» من الشهور الأكثر دموية منذ الانسحاب الأميركي.. وتصاعد العنف يلقي بظلاله على مستقبل العراق

استنفار أمني لتأمين الزيارة الشعبانية إلى كربلاء الخميس المقبل

عراقيون يعاينون موقع انفجار سيارة مفخخة في بغداد الخميس الماضي (أ.ف.ب)
TT

دخلت الخطة الأمنية الخاصة بتأمين الزيارة الشعبانية إلى مدينة كربلاء الخميس المقبل حيز التنفيذ أمس في معظم محافظات الفرات الأوسط جنوب بغداد. ويأتي ذلك في أعقاب موجة من التفجيرات والهجمات في شتى مناطق العراق عززت المخاوف من استمرار عدم الاستقرار في البلاد لسنوات.

وقال قائد عمليات الفرات الأوسط الفريق الركن عثمان الغانمي في مؤتمر صحافي مشترك مع اللواء أحمد زويني مدير شرطة كربلاء، في مبنى قيادة عمليات الفرات الأوسط أمس: «إن الخطة دخلت حيز التنفيذ وتتميز بأنها مرنة، آخذين بنظر الاعتبار ارتفاع درجات الحرارة وضرورة التقليل من معاناة الزائرين». وأشار الغانمي إلى أن «الخطة مكونة من أكثر من 38 ألف عنصر من الجيش والشرطة والأجهزة الاستخباراتية وجهاز مكافحة الإرهاب والأمن الوطني والمخابرات، وتم نشر شبكة للدفاع الجوي لحماية المدينة من النيران غير المباشرة، وتشارك أكثر من 26 مروحية في توفير الصور الجوية والاستطلاع وكذلك القوة الجوية».

من جانبه، قال مدير شرطة كربلاء إن «هناك 800 منتسبة تشارك في عمليات تفتيش النساء و1200 متطوعة يسهمن في عمليات التفتيش، حيث تم نشرهن في جميع القطوعات ومداخل المدينة».

إلى ذلك، وحسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس» فإنه بعد مرور نصف عام على رحيل القوات الأميركية من العراق، يبدو أن التوقعات المتشائمة بدأت تتحول إلى واقع، حيث غرقت البلاد في مستنقع من العنف، وأصبحت الحكومة على شفا الانهيار. وفي ظل عدم ظهور أي انفراجة في الأفق، يزداد الحديث عن العراق كـ«دولة فاشلة»، بينما يشن الجناح المحلي لتنظيم القاعدة هجمات شبه يومية أدت إلى مقتل 234 شخصا على الأقل خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي مما أجج المخاوف من أن يظل العراق لسنوات يترنح كدولة خطرة وغير مستقرة. ويعد شهر يونيو الماضي ثاني أكثر الأشهر دموية منذ انسحاب القوات الأميركية من العراق في منتصف شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حيث استغل المتمردون النزاعات السياسية بين الفصائل العرقية والطائفية في البلاد. وما يهم أكثر من الأرقام هو أن المتمردين بدوا قادرين على تثبيت مستوى العنف لفترة أطول من المعتاد، حيث كان يحدث تفجير كبير أو إطلاق نار عشوائي كل 3 أيام تقريبا، والكثير منها كان يستهدف الزوار الشيعة. وقد سلط هذا العنف الضوء بشدة على مدى ضعف الأجهزة الأمنية العراقية، وإن كان تعمق الانقسامات السياسية يلقي بظلاله على احتمالات نهوض البلاد وتحولها إلى نظام ديمقراطي مستقر بعد عقود من الحرب والديكتاتورية.

وقال حيدر الساعدي، الذي يملك مقهى للإنترنت شرق بغداد، يوم السبت الماضي: «الدولة مشلولة تقريبا ومعطلة بسبب العداوات السياسية. وفي مثل هذه الظروف، تصبح قوات الأمن مشلولة هي الأخرى، وتستفيد جماعات المتمردين من هذه الفوضى. لا أظن أن تنظيم القاعدة يزداد قوة، بل الدولة هي التي تزداد ضعفا».

وأقر المتحدث باسم الحكومة، علي الدباغ، بأن الأزمة السياسية أدت إلى ارتفاع وتيرة العنف خلال شهر يونيو. وذكر الدباغ أن «المتمردين يستغلون الخلافات السياسية الموجودة في البلاد، والهجمات الأخيرة جاءت نتيجة هذا الصراع السياسي».

وقد ظل العنف دائرا في أنحاء العراق منذ بداية العام حتى الآن، لكن مستوى الهجمات قفز في شهر يونيو (حزيران) ليتجاوز موجة التفجيرات المتفرقة، ولكنها مؤثرة، التي تعد النمط المعتاد لتنظيم القاعدة. وغالبا ما كان الضحايا من الزوار الشيعة والمسؤولين الحكوميين وقوات الأمن، وهي ثلاثة من الأهداف المفضلة لتنظيم القاعدة. ولطالما ظل مسؤولو الاستخبارات العراقيون والأميركيون يؤكدون أن موارد تنظيم القاعدة في العراق - مثل الأموال والأسلحة ومنفذي التفجيرات الانتحارية - قد تضاءلت إلى درجة أن التنظيم لم يعد في مقدوره أن ينفذ سوى بضع هجمات كل شهر.

ويعتقد بعض المحللين أن العراق يتحول إلى دولة فاشلة، فقد احتل العراق مؤخرا المرتبة التاسعة ضمن قائمة أكثر 10 دول فشلا في العالم، التي تصدرها مؤسسة «صندوق السلام» في الولايات المتحدة. وقد تضمن التصنيف الذي وضعته هذه المؤسسة البحثية المحايدة 178 دولة، وعزا التقرير استمرار المشكلات الأمنية في العراق إلى عدم القدرة على تجاوز التوترات العرقية والطائفية المترسخة منذ زمن بعيد.

ويتحسر الكثير من العراقيين على رحيل القوات الأميركية، قائلين إنه كان سابقا لأوانه. ويؤكد محمد سلام، وهو موظف حكومي من بغداد، أن «الانسحاب الأميركي كان خطأ، لأن البلاد ما زالت في حاجة إلى إمكاناتهم الاستخباراتية والعسكرية. كان ينبغي أن تستبقي الحكومة العراقية بضعة آلاف من القوات الأميركية من أجل مساعدة القوات العراقية في الحفاظ على مستوى معقول من الأمن».

لكن تأثير الولايات المتحدة في بغداد الآن أصبح محدودا، فقد أصدر كبير مستشاري نائب الرئيس جو بايدن لشؤون الأمن القومي تصريحا يوم 14 يونيو الماضي حث فيه المسؤولين العراقيين على «التخفيف من حدة التوترات القائمة من أجل إعادة تركيز الجهود على التحديات المهمة التي تواجهها مرحلة بناء الدولة»، إلا أن هذا التصريح لم يؤد إلى أي بوادر تذكر تنبئ بحدوث تقدم.

ولا يتوقع معظم العراقيين أي بادرة من هذا النوع، بل يختم سلام قائلا: «أعتقد أن العراق سوف يشهد أياما أسوأ في المستقبل إذا استمر الساسة في العداوات الهدامة الموجودة بينهم وواصلوا السعي وراء طموحاتهم الشخصية».