الصراع على السلطة بدأ مع أداء مرسي للقسم

بعد 6 عقود من الحكم العسكري.. ومراسم التنصيب لم تخل من التوترات

TT

أدى محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين القسم يوم السبت الماضي، ليكون بذلك أول رئيس مصري منتخب، في ما يعد تدشينا لمرحلة جديدة في أكثر الصراعات غموضا وحسما لمستقبل البلاد بعد ستة عقود من الحكم العسكري المستبد. وقال مرسي معلنا عن مصر جديدة وجمهورية ثانية: «اليوم الشعب المصري أسس حياة جديدة بحرية وديمقراطية».

مع ذلك، يمثل تنصيبه رسميا بداية لفترة نشاهد فيها نظاما يصارع نفسه. وتعهد مرسي، بصفته أول رئيس مدني وأول قيادي إسلامي منتخب يرأس دولة عربية، بتحقيق أهداف الثورة المصرية من خلال بناء مؤسسات الديمقراطية على المبادئ الإسلامية. مع ذلك، يجب أولا أن يلعب مصارعة الأذرع مع جنرالات المجلس العسكري الذي تولى إدارة شؤون البلاد منذ خلع مبارك. ورغم إعلانهم تسليمهم السلطة يوم السبت الماضي، فإنهم لم يتخذوا في الواقع سوى خطوة صغيرة وراء الستار من أجل الإشراف على انتخابات مرسي. ولم تخل مراسم التنصيب ذاتها من التوترات، حيث أدى مرسي القسم رغما عنه أمام قضاة المحكمة الدستورية الذين عينهم مبارك، حيث تعهد بتأدية القسم أمام البرلمان المنتخب بطريقة ديمقراطية، والذي يهيمن عليه الإسلاميون، لكن تم حله على أيدي الجنرالات عشية الانتخابات بذريعة إصدار المحكمة الدستورية حكما بذلك. وبدا على مرسي الجالس في ركن أمام قاعة محكمة خاوية الامتعاض وكان يحملق في الفراغ، بينما وقف القضاة من أجل إلقاء خطاب كان الجزء الأكبر منه عن أهمية المحكمة الدستورية العليا والتنصيب التاريخي. وقال رئيس المحكمة فاروق سلطان إنهم يرحبون به في المحكمة الدستورية العليا ويقدرون وجوده في هذه المؤسسة القضائية العظيمة الذي يعد تجسيدا حقيقيا لإعلاء الشرعية الدستورية ورفعا لراية الدستور فوق كل الهامات.

وأشار سلطان أثناء دعوته الرئيس الجديد لأداء القسم، إلى سلطة الإعلان الدستوري، الذي أصدره المجلس العسكري في السابع عشر من يونيو (حزيران) الماضي، والذي نقلت بموجبه أكثر سلطات الرئيس إلى جنرالات المجلس العسكري، ويعتبره مرسي والإخوان المسلمون وآلاف من المتظاهرين الذين يقفون في التحرير، غير شرعي. ولمح مرسي إلى دور القضاة في حل البرلمان، مكررا الإشارة إلى مبدأ الفصل بين السلطات. وقال إنه يحترم السلطة القضائية والسلطة التشريعية، وإنه سيعمل على استقلال كل منهما عن الأخرى وعن سلطة الرئيس. وأكد أن كلا من السلطة القضائية والسلطة التنفيذية والتشريعية ستسير معا نحو الأمام. واستبق مرسي التنصيب الرسمي الذي نظمه الجنرالات، بأدائه القسم قبله بيوم في خطاب متلفز أمام الجماهير المتحمسة في ميدان التحرير الذي يمثل قلب الثورة النابض.

كذلك أدى مرسي القسم للمرة الثالثة يوم السبت الماضي في قاعة المؤتمرات بجامعة القاهرة التي تعج بنواب من مجلس الشعب المنحل وجنرالات المجلس العسكري وسفراء دول أجنبية.

وكان المشير محمد حسين طنطاوي، الذي كان يرأس البلاد حتى يوم السبت، وسيظل محتفظا بمنصبه وزيرا للدفاع بمرسوم عسكري، في منتصف الصف الأول. وقال مرسي إن مصر لن تعود إلى الوراء، وإن الرئيس في مصر الجديدة لن يكون سوى موظف وخادم للشعب. مع ذلك، استمرت محاولاته الواضحة في تكريس مكانته في منصبه الجديد في مواجهة جنرالات المجلس العسكري. وأثنى على البرلمان باعتباره انتصارا للديمقراطية غير معترف بحله. وأوضح أن الشعب عبر عن إرادته ومارس سلطاته من خلال اختيار برلمان عبر انتخابات حرة نزيهة تمثل المجتمع. كذلك قدم تحية كبيرة للمجلس العسكري تقديرا لدوره في حماية المرحلة الانتقالية، لكنه دعا الجيش في الوقت ذاته للعودة إلى ثكناته وعلى الحدود. وقال: «ستعود المؤسسات المنتخبة إلى سابق عملها، فيما يعود الجيش لأداء مهمته في حماية الحدود وأمن الوطن»، متعهدا بالحفاظ على القوات المسلحة قوية متماسكة تعمل مع باقي مؤسسات الدولة في إطار الدستور والقانون. ولم يأت على ذكر القوات المسلحة سواء مدحا أو ذما خلال حديثه يوم الجمعة الماضي، في إشارة إلى استمرار المفاوضات السرية بين الإخوان المسلمين والجنرالات من أجل التوصل إلى حل للصراع على توازن القوى.

ومثل كثير من الخطباء المصريين، لم يضيع مرسي أي فرصة من دون ذكر الرقابة الإلهية، لكنه لم يذكر الشريعة الإسلامية لا من قريب ولا من بعيد. لقد كان يفعل ذلك خلال خطاباته أثناء حملته الانتخابية في الجولة الأولى حين كان يواجه منافسيه الإسلاميين، لكنه تخلى عن ذلك خلال جولة الإعادة أمام خصمه العلماني. وأعلن مرسي أمام العالم أنه يحمل رسالة سلام وحق وعدل، وكرر وعوده بالالتزام بالمعاهدات التي وقعت عليها مصر بما فيها معاهدة السلام مع إسرائيل. وقال: «نحن لا نصدر الثورة ولا نتدخل في شؤون أحد، وكذلك لا نسمح لأحد بأن يتدخل في شؤوننا».

* خدمة «نيويورك تايمز»