منافسة فرنسية ـ روسية لتوصيف حلول الأزمة السورية

كلينتون: روسيا قد لا تملك النفوذ الكافي لتقول للأسد وعائلته ونظامه «ارحل».. والعالم فشل في إبرام اتفاق لإنهاء الصراع

الجنرال روبرت مود عقب عودته من جنيف الى الفندق الذي يقيم فيه بدمشق أمس (رويترز)
TT

بعد انتهاء أعمال مؤتمر جنيف حول الأزمة السورية السبت الماضي إلى وثيقة تم التوافق حولها، وإن اختلفت تفسيرات الأطراف المختلفة حول طبيعة وجود ودور الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة المقبلة.. تستعد العاصمتان الفرنسية والروسية لاستقبال مؤتمرين منفصلين خلال الأيام القادمة لإيجاد مخرج للأزمة السورية العالقة، ورغم إعلان باريس وموسكو عن دعوة أطراف متعددة إلى كل مؤتمر، فإن الواضح أن كلا منهما يسعى لإيجاد حل يناسب «تفسيره الخاص» لوثيقة مؤتمر جنيف.

وتستضيف باريس يوم الجمعة القادم مؤتمر «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» على المستوى الوزاري، وهو الثالث من نوعه بعد تونس واسطنبول. غير أن الجهة الداعية (فرنسا) ارتأت أن تتوسع في توجيه الدعوات وتعزيز الحضور الدولي في المؤتمر الموعود ساعية عبر ذلك، كما قال وزير الخارجية لوران فابيوس يوم الأحد، إلى «زيادة الضغوط» على الرئيس السوري بشار الأسد وتشديد الطوق العازل المضروب حوله دبلوماسيا وسياسيا.

ووجهت باريس ما يزيد على 150 دعوة لدول ومنظمات وهيئات، بما فيها روسيا والصين. غير أنه حتى يوم أمس، لم تكن موسكو وبكين قد ردتا على الدعوة. ولا تتوقع المصادر الفرنسية حضورهما، علما أنهما قاطعتا المؤتمرين السابقين.

وحتى لقاء جنيف، كان الغرض الأول لـ«مجموعة الأصدقاء» توفير الدعم للمعارضة السورية التي حضرت بقوة المؤتمرين السابقين عبر المجلس الوطني السوري. وحتى أمس، لم تكن باريس قد حددت هوية الجهات المعارضة التي دعتها، علما أن الطرف الفرنسي الذي وقف بقوة إلى جانب المجلس الوطني السوري يشعر بـ«خيبة كبيرة» - كما تقول مصادره - من استمرار انقسام المعارضة وعجزها عن الحديث بلغة واحدة.

وتسعى باريس من خلال المؤتمر إلى أن تظهر المعارضة السورية بـ«وجه موحد» وكذلك «لتوحيد الصفوف»، وهو ما أصبح حاجة ملحة، لأن أحد بنود اتفاق جنيف يقضي بأن تعين المعارضة، كما النظام، شخصية يتفاوض معها كوفي أنان المكلف وضع اتفاق جنيف موضع التنفيذ.

وللتدليل على الأهمية التي توليها باريس للمؤتمر، فإن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند سيتولى شخصيا افتتاحه من خلال خطاب يلقيه صباح الجمعة، سيحدد فيه أهداف المؤتمر والنتائج المرجوة منه.

ومن المتوقع أن يؤيد المؤتمر ويدعو إلى تطبيق «وثيقة جنيف»، رغم الغموض التي يحيط بها والتفسيرات المختلفة التي راجت حولها، خصوصا بالنسبة لمصير الرئيس الأسد ودوره (أو غيابه) عن عملية الانتقال السياسي. وبحسب المفهوم الفرنسي، فإن وثيقة جنيف كما أكد وزير الخارجية لوران فابيوس «تدعو ضمنيا إلى رحيل الأسد».

ورغم أن مصادر دبلوماسية فرنسية ترى أن الوثيقة «لا تلبي» الطموحات، بسبب غموض نصها الذي يستطيع النظام السوري اللعب عليه من جانب وغياب «الآلية التنفيذية» للخطة من جانب آخر. فإن فرنسا ترى أمورا إيجابية في المؤتمر، أهمها أنها المرة الأولى التي يتوفر فيها «إجماع دولي» على قيام حكومة انتقالية تقود إلى التغيير السياسي في سوريا، وهو الأمر الذي لم يسبق لروسيا أو الصين أن قبلتاه في وثيقة رسمية.

كما تنتقد مصادر فرنسية أخرى الوثيقة في أنها لا تفرض سلفا أن تضع قوات النظام حدا لعلميات القمع والعنف التي تقوم بها منذ 15 شهرا، إذ كيف يمكن إقناع المعارضة بالسير في العملية الانتقالية إذا كان معدل القتلى اليومي يزيد على المائة؟ وأخيرا، فإن أحد التحفظات هو المهلة الطويلة التي أشار إليها أنان للعمل بالوثيقة (سنة كاملة) ما سيعني المزيد من القتلى والضحايا. وفي أي حال، لا تتوقع باريس أن يكون السير بورقة جنيف بمثابة «نزهة»، ولذا تعتبر أنه من الضروري الاستمرار في الضغوط السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمالية لدفع النظام السوري لقبول الانتقال السياسي، مع الحاجة لتعاون روسيا التي سيكون من الصعب الحصول على حل سياسي من غير مساهمتها «الحقيقية»، والتي لن تتوافر «طالما لم تحصل موسكو على ضمانات بشأن مصالحها في سوريا والمنطقة».

وعلى الجانب الآخر، كشفت المصادر الروسية الرسمية عن احتمالات عقد اللقاء الثاني لـ«مجموعة العمل الوزارية بشأن سوريا» في موسكو في القريب العاجل، ونقلت المصادر عن ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسية المسؤول عن ملف البلدان العربية قوله إن عبد الباسط سيدا، رئيس المجلس الوطني السوري، سيزور موسكو بعد 10 يوليو (تموز) الجاري.

وأشار بوغدانوف إلى أن موسكو وجهت الدعوة إلى الرئيس الجديد للمجلس، معربا عن أمله في تلبيته للدعوة في الموعد الذي أشار إليه. وأكد أن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف قد يلتقي سيدا خلال زيارته لموسكو.

وأشارت صحيفة «كوميرسانت» نقلا عن مصادر دبلوماسية روسية إلى أن تقديرات وزارة الخارجية لما جرى في جنيف كانت «إيجابية في مجملها». وقالت إن هذه المصادر «أكدت أن المطلوب الآن، وحسب اعتقادها، مواصلة العمل الدؤوب في اتجاه تسوية المشكلة السورية»، موضحة أن موسكو ترى ضرورة تركيز الجهود نحو إقناع المعارضة بضرورة التحاور مع السلطات السورية، فيما كشفت عن بعض الإجراءات التي تنوي الخارجية الروسية القيام بها، وفي مقدمتها «دعوة وفود تمثل مختلف أطياف المعارضة إلى موسكو من جديد لإجراء مزيد من المشاورات، إلى جانب العمل من أجل توسيع دائرة المشاركين في اجتماعات (مجموعة العمل الخاصة بسوريا)».

ومن هذا المنظور يصبح من المتوقع، حسب قول هذه المصادر، مشاركة المملكة العربية السعودية وإيران في اللقاء المرتقب في موسكو، بعد أن غابا عن لقاء جنيف. وقالت المصادر إن «روسيا تعتبر مشاركة طهران والرياض في التسوية السورية أمرا ضروريا نظرا لمدى تأثيرهما على مجريات الأمور في هذا البلد». وأكدت الصحيفة، نقلا عن ذات المصادر التي لم تكشف عنها، أن «موسكو ستعمل على حث الرئاسة السورية على الشروع في تأليف حكومة وحدة وطنية ذات طابع انتقالي، وفق توصية مجموعة العمل، وعلى ضوء ما اتخذه بشار الأسد من خطوات على طريق استمالة شخصيات معروفة من صفوف المعارضة إلى قوام الحكومة السورية». مؤكدة أن «روسيا تعتزم مواصلة التعاون مع سوريا، بما في ذلك في المجالات العسكرية التقنية، ولو بشكل محدود»، وأن موسكو «تفاهمت» مع واشنطن حول ضرورة إتمام تنفيذ صفقتها المتعلقة بإصلاح طائرات هليكوبتر سورية، سبق وأن اشترتها سوريا من الاتحاد السوفياتي وروسيا في وقت سابق.

وكانت لجنة دعم الثورة في روسيا قد عقدت اجتماعا في العاصمة الروسية تناول استعراض جوانب الأوضاع الراهنة في سوريا. وفي هذا الاجتماع طالب محمود الحمزة، عضو المجلس الوطني السوري ورئيس لجنة دعم الثورة في روسيا، القيادة الروسية «بوقف كل أشكال التعاون والدعم للنظام السوري، وأن تقف على الحياد حيال الوضع في سوريا». مؤكدا قناعة المعارضة «بأن روسيا يمكنها أن تلعب دورا فعالا وإيجابيا في تحقيق تطلعات الشعب السوري، الصديق التاريخي للشعب الروسي، في التخلص من الظلم والاستبداد، وفي تحقيق التحولات الديمقراطية في سوريا المستقبل».

واستطرد الحمزة ليؤكد على أهمية تكثيف الجهود السياسية والإعلامية في الساحة الروسية، «لإقناع أكبر عدد في المجتمع الروسي، وخاصة النخبة الروسية، بعدالة الثورة السورية ومشروعيتها، وبأن ما يجري في سوريا ليس مؤامرة، وإنما ثورة شعبية».

وفي غضون ذلك، أشارت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى أن «الدعم الروسي للرئيس السوري بشار الأسد قد تراجع»، وأن دمشق تشعر بالصدمة بعد أن وقعت روسيا والصين على «وثيقة جنيف»، والتي تتضمن موافقة على دعم عملية انتقالية لا تشمل الأسد.

وقالت كلينتون في تصريحات لشبكة «سي إن إن» الإخبارية الأميركية: «الروس ملتزمون بمحاولة إقناع الأسد، وأقروا بأنهم قد لا يكون لهم النفوذ الكافي للقول، ليس لرجل واحد فقط بل لعائلة بأكملها ونظام، بأن وقتهم قد انتهى»، وأضافت «لكن المهم أننا استطعنا حملهم على نفس المسار ليقوموا بجهودهم الخاصة، وأعتقد أنها خطوة كبيرة إلى الأمام في الجهود التي نبذلها لإنهاء الصراع، وإعطاء الشعب السوري فرصة للتقدم نحو مستقبل مختلف».

كما اعترفت كلينتون أن العالم قد فشل في إبرام اتفاق لإنهاء الصراع في سوريا، وقالت: «ليس هناك ضمانات بأن الخطة ستنجح، وأنا أكره أن أقول ذلك».. مؤكدة وجود تعقيدات في الخطة، لكنها أشارت إلى «خبرات سابقة مع الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، الذي ظل لسنة يقول إنه سيغادر منصبه دون أن يفعل ذلك، لكن مع مواصلة الضغط تحقق الأمر».