رئيس شورى الجماعة الإسلامية يدعو لإعادة التحقيق مع عمر عبد الرحمن ويقول إن مرسي «يعلم أن قضيته ملفقة»

عصام دربالة في حوار مع «الشرق الأوسط»: الشريعة أوسع من تطبيق الحدود.. ونرفض المشاركة في السلطة التنفيذية حاليا

عصام دربالة
TT

دعا عصام دربالة، مسؤول (رئيس) مجلس شورى الجماعة الإسلامية في مصر، الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة التحقيق في قضية الشيخ عمر عبد الرحمن - الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، قائلا في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، وهو قيادي سابق في جماعة الإخوان المسلمين، تعهد باستعادة الشيخ عبد الرحمن لأنه يعلم أن القضية التي حوكم الشيخ بسببها قضية ملفقة. وأضاف دربالة أن نظام الرئيس السابق حسني مبارك كان هو من أوقع الشيخ عبد الرحمن في القضية القانونية التي أدت إلى سجنه، بسبب خوف النظام في ذلك الوقت من تكرار سيناريو الثورة الإيرانية في مصر في مطلع التسعينات وعودة عبد الرحمن مثلما عاد الإمام الخميني من باريس لطهران في الثورة الإيرانية عام 1979.

وتحدث دربالة عما سماه «الفخاخ» التي تم وضعها في طريق الرئيس الجديد في أول أيام فوزه بالرئاسة، مشيرا إلى أنه تمكن من تجاوزها. وأضاف أن أي صراع بين الرئيس والجيش سيكون فيه الطرف الأخير هو الخاسر، لكنه أوضح أن لا أحد في مصر يريد تكرار السيناريو الليبي أو السوري.

وكشف دربالة عن رفض الجماعة الإسلامية الاشتراك بأي ممثل لها في الحكومة الجديدة أو مؤسسة الرئاسة، قائلا إن الجماعة تؤمن بأن المرحلة التي تمر بها مصر حرجة وتحتاج إلى كفاءات لتعبر بها، بغض النظر عن الانتماءات السياسية، مشيرا إلى أن جماعته تتمسك بأن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، وليس «مبادئ الشريعة» كما كان الحال في الدستور القديم، إلا أنه أضاف أن الجماعة لديها استعداد للمناقشة للوصول إلى حلول تحظى بالتوافق.

وقال دربالة إن المخاوف المحلية والإقليمية والخارجية من حكم الإسلاميين في مصر لا أساس لها، لأن الرئيس مرسي الذي يمثل جزءا من التيار الإسلامي يطرح الرؤية التصالحية مع العالم الغربي ومع أميركا ويلتزم بالمعاهدات الموقعة مع كل الدول بما فيها إسرائيل. وإلى أهم ما جاء في الحوار:

* كيف تنظر الجماعة الإسلامية إلى فوز الدكتور مرسي برئاسة مصر؟

- نحن نعتبر فوز مرسي تتويجا للثورة المصرية بعد أن تم اختياره من الشعب لاستكمال الثورة. وأثبت الدكتور مرسي في خطاباته الثلاثة التي وجهها للشعب أنه بالفعل مرشح للثورة وأنه يحمل هموم الأمة المصرية ويعرف أولوياتها، ويستطيع أن يتحرك أيضا باقتدار في مواجهة الفخاخ المنصوبة له من أجل تعويق مسيرته.

* ما هذه الفخاخ؟

- وضح جليا أنه تمكن من تجاوز عدة فخاخ، منها في كيفية تعامله مع قضية القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، حيث قام بالقسم أولا أمام الثوار وأمام المصريين جميعا في ميدان التحرير، وختم بالقسم أمام النخبة السياسية وممثلي التيارات الوطنية وأعضاء مجلسي الشعب والشورى في جامعة القاهرة أخيرا، وكان بينهما مشهد أداء القسم أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية. وهذا جعله يجمع ما بين التنصيب الشعبي والتنصيب الرسمي. وبالتالي، خرج من هذا الفخ الملغم الذي كان يراد به إشعال معركة قانونية في مواجهته.

* وماذا كان سيحدث للرئيس في رأيك؟

- كان سيصبح أمام عدة خيارات، وكل منها كان سيحدث شقاقا وخلافات.. أولا الشقاق بينه وبين مؤيديه، لأن القسم أمام المحكمة الدستورية العليا يعني ضمنا عند البعض أنه اعتراف بالإعلان الدستوري المكمل (الذي وضعه المجلس الأعلى للقوات المسلحة)، حيث نرى أن هذا الإعلان خاطئ، وأيضا إذا ما رفض القسم أمام الدستورية العليا كان المتربصون به سيقومون بوصف قراراته والقرارات الصادرة عنه بعدم القانونية والدستورية. والرئيس مرسي خرج من هذه المعركة بمكاسب كبيرة ودون خسائر تذكر.

* هل خطب مرسي ترضي الجماعة الإسلامية؟

- نعم.. تعبر عن مطالب الجماعة الإسلامية، وهي العمل على تحقيق الأمن، والسير في اتجاه المصالحة الوطنية، وضرورة تعميق العدالة الاجتماعية، وضمان الحريات والمكتسبات التي قررتها الثورة في شأن سيادة القانون واستقلال القضاء، وضرورة إنصاف ضحايا نظام حسني مبارك سواء كانوا ضحاياه قبل 25 يناير، ولهذا يفهم سر مطالبته بالإفراج عن عمر عبد الرحمن والمساجين السياسيين الآخرين الذي سجنوا في عهد مبارك، وكذا سجناء في مرحلة الفترة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011، وإنصاف الشهداء وأسرهم، إضافة إلى ما أكده من ضرورة الاتجاه للعمل الجاد لإحداث نهضة اقتصادية، ومنع الفوضى الموجودة. وهذه هي الأولويات التي يحتاجها الشعب المصري اليوم.

* ما تعليقك على رفض أعضاء في الكونغرس الأميركي لتعهد الرئيس مرسي باستعادة الشيخ عمر عبد الرحمن من سجنه هناك؟

- أعتقد أن الموقف الأميركي جاء مبنيا على عدد من المعلومات المغلوطة، وأن تعهد الدكتور محمد مرسي كشف عن رئيس عظيم يتعهد لصالح مواطنيه في داخل مصر وخارجها، وهذا الأمر لا يخص عمر عبد الرحمن فقط، ولكنه يشمل كافة السجناء المصريين في أي مكان لإطلاق سراحهم أو النظر في أحوالهم، وبالتالي الدكتور محمد مرسي عندما أطلق هذا التعهد فهو يعلم أن الدكتور عمر عبد الرحمن لفقت له هذه القضية من قبل النظام السابق، والتي حوكم على أثرها في عام 1993 وصدر عليه الحكم بالسجن مدى الحياة، ويعلم الدكتور مرسي جيدا أن الدكتور عمر عبد الرحمن لم يكن على الإطلاق أحد المتهمين في قضية مركز التجارة العالمي الذي حدث فيه تفجير عام 1993.. لم يقدم للمحاكمة في هذه القضية على الإطلاق، واسمه غير وارد فيها، وبالتالي من العجيب أن يقول عمدة نيويورك إن الدكتور عمر عبد الرحمن قد قتل أو أسهم في قتل بعض المواطنين الأميركيين. هذه معلومة مغلوطة.

* لكن القضاء الأميركي حكم ضد الشيخ عبد الرحمن؟

- هناك شاهد شهد على الدكتور عبد الرحمن، خلال المحاكمة، وهذا الشاهد منذ شهرين تقريبا قال في حوار مع إحدى الصحف الأميركية إنه قد تعرض لضغط من المدعي العام الأميركي لكي يشهد ضد الدكتور عمر عبد الرحمن، وإنه فعل.. وهذه المعلومة في حد ذاتها كان يجب أن يقوم المدعي العام الأميركي من تلقاء نفسه بفتح تحقيق فيها ويستمع لهذا الشاهد الذي يقول هذا الكلام الخطير، فما بالنا أن الشاهد الأساسي (الآخر) في هذه القضية كان عميلا للمخابرات المصرية والمخابرات الأميركية في نفس الوقت!

* لكن، ما الذي يدفع الولايات المتحدة لتلفيق تهمة للرجل؟

- الدكتور عبد الرحمن زار أميركا (في مطلع التسعينات) لأنه كان معارضا للنظام السابق وفساده، ودعوته لضرورة الثورة عليه، وهذا دفع الحكومة المصرية لتوريطه في أي قضية قانونية، وإبعاده عن المشهد المعارض للنظام السابق، حتى لا يتكرر سيناريو الخميني مرة أخرى، بأن يعود الدكتور عمر عبد الرحمن من أميركا لمصر على رأس ثورة كانت ستتفجر داخل مصر آنذاك، كما عاد الخميني من فرنسا لإيران أيام الثورة الإيرانية.

* وماذا ستفعل الجماعة الإسلامية حيال هذه القضية الآن؟

- نرجو من الجميع أن يسعى لدعم موقف الرئيس المصري بعودة الدكتور عبد الرحمن لمصر.. ونقول إذا كانت أميركا ضغطت على المجلس العسكري لكي يتم الإفراج عن بعض الأميركيين الذين اتهموا في قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الأهلية بمصر، فلماذا لا ندعو أميركا لفتح التحقيق مع الشاهد في قضية الدكتور عمر. نحن لا نتدخل في القضاء، ولكن نطالب بإعادة التحقيق في القضية.

* هل طلبت الجماعة من الرئيس مرسي مناصب في الحكومة أو الرئاسة، بعد أن قامت بدعمه في الانتخابات؟

- الجماعة الإسلامية لم تشترط على الدكتور مرسي الحصول على أي منصب أو موقع سواء في الوزارة أو في مؤسسة الرئاسة، إلا أننا قلنا له بوضوح، قبل أن نؤيده في مرحلة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، إن هذه المواقع (التنفيذية) يجب أن يتبوأها من يتسمون بالكفاءة التي يحتاجها هذا الموقع أو ذاك، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وأنه يجب أن تترك الفرصة لرئيس الجمهورية لكي يحدد الأشخاص الذين يعاونونه لكي نستطيع أن نحاسبه، لأننا لو فرضنا عليه أشخاصا معينين من اتجاهات مختلفة وأصحاب رؤى مختلفة وغير متناغمين، فهذا لن يؤدي بنا إلى محاسبة حقيقية، وسيقول: أنتم الذين فرضتم علينا هذه الشخصيات. ونحن أيضا نقدر أن الحالة المصرية الآن، وفي هذه المرحلة الانتقالية، وفي ظل الشكوك والهواجس المتبادلة بين القوى السياسية، هي التي تدفع لمثل هذا الاختيار المتعلق بالحكومة الائتلافية.

* كيف تنظر الجماعة الإسلامية إلى التخوف الدولي والإقليمي من تولي إسلاميين حكم مصر؟

- الحقيقة أن بعض هذه المخاوف مصطنع وبعضها تم زرعه بواسطة نظم الحكم السابقة في مصر.. فمن قبل حكم مصر الاتجاه القومي والاشتراكي ومع ذلك دخلت مصر في حروب مع إسرائيل في ظل هذا الاتجاه.. وأيضا نعلم أن مصر كان موجودا فيها النظام العلماني المتوحش والرأسمالي المتوحش في عصر السادات وفي عصر مبارك، وهذا لم يمنع من وقوع مصر في بؤرة الفساد وفي بؤرة إهدار حقوق الإنسان وإهدار الديمقراطية التي تناصرها تلك الدول في الغرب وغير الغرب. ثم إن التيار الوحيد الذي لم يتم تجربته هو التيار الإسلامي. وعندما يطرح التيار الإسلامي الدكتور مرسي رئيسا للجمهورية، فإن المصالح المتبادلة هي الأساس في العلاقات (الدولية) مع احترام كل دولة للأخرى والالتزام بالمواثيق والمعاهدات، وأنه (مرسي) يدعو للتعامل بسلام مع كل الناس، وأنه لا يعادي أحدا، أما من يعادينا فسندافع عن أنفسنا بكل قوة.

* برأيك، كيف سيتعامل الرئيس مرسي المعبر عن التيار الإسلامي مع ملفات إقليمية ودولية مهمة؟

- الرئيس محمد مرسي الذي يمثل جزءا من التيار الإسلامي يطرح الرؤية التصالحية مع العالم الغربي ومع أميركا ويلتزم بالمعاهدات الموقعة مع كل الدول بما فيها إسرائيل.. أعتقد أن هذه الأمور تمثل تعبيرا صادقا عن صورة حقيقية لهذا التيار، وتبدد المخاوف خاصة أن المخاوف الداخلية التي روج لها البعض بدأت تنكسر، خاصة بعد سعي الرئيس للاستعانة بشخصيات عليها إجماع وطني، دون أن يسعى حزب الأغلبية (حزب الحرية والعدالة الإخواني) للاستحواذ، ولا أن يُكره الآخرين على تبني رؤيته، الرئيس يسعى لتفعيل المشاركة بين جميع أبناء الشعب سواء كانوا من المسلمين أو المسيحيين، وكل هذا يمثل تبديدا للمخاطر التي يروج لها البعض ويصدّرها إلى صناع القرار في الخارج وفي داخل مصر أيضا.

* توجد اتهامات بأن التيار الإسلامي صعد للحكم بصفقة مع المجلس العسكري؟

- أعتقد أن هذا الأمر ليس له وجود.. لكن وفقا للإعلان الدستوري المكمل، الذي نرفضه، فإن وزير الدفاع مسؤول عن وزارة الدفاع وعن المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وجعل الإعلان الدستوري المجلس الأعلى للقوات المسلحة قائما بتشكيله الحالي حتى يتم الانتهاء من وضع الدستور الجديد، بما يعني بقاء المشير حسين طنطاوي وزيرا للدفاع في هذه المرحلة.. والدكتور مرسي أعلن بوضوح أنه سيسعى للعمل بكافة صلاحياته، وسيقود في تقديري حوارا فعالا يستدعي فيه إرادة الجماهير من أجل تحقيق هذا الأمر بشكل سريع.. وكذا في ظل تبنيه الحكمة في إدارة هذه الفترة الانتقالية الثانية الممتدة حتى وضع الدستور الجديد.. هذا يحتاج إلى حكمة حتى لا يحدث صدام بين «المدفع والدبابة» من ناحية والميدان من ناحية أخرى.

* هل تتوقع صراعا بين الطرفين مستقبلا؟

- أي صراع مفترض في الفترة المقبلة بين مؤسسة الرئاسة والجيش، فإن جميع الأطراف الداخلة في مثل هذا الصراع حريصة على ألا يحدث.. ومع ذلك، الدكتور مرسي ومعه الميدان والثورة يسيرون في الطريق السلمي، لأن سلمية الثورة كانت أحد أسباب نجاحها.. كما أن المجلس العسكري أيضا كان يتجنب الدخول في السيناريو السوري أو الليبي، لأنه كان سيكون هو الخاسر الأول فيه.. المجلس العسكري يتجنب مثل هذا الصدام، لأنه يعلم أن المصلحة العليا للوطن تتطلب عدم استنزاف الجيش المصري في غير المكان الذي يجب أن يكون فيه.

* لكن توجد ملفات معلقة.. الدستور وحل مجلس الشعب ووضع الجيش وغيرها؟

- نحن في الجماعة الإسلامية طرحنا مبادرة منذ فترة لحل مثل هذه المشاكل.. الحل من عدة نقاط، وهي أن يكون حل مجلس الشعب مقتصرا فقط على المقاعد الفردية التي فاز فيها حزبيون، وعدم عرقلة الهيئة التأسيسية لوضع الدستور، وتركها لتأدية مهمتها في وقت ليس بطويل كي تنتج لنا دستورا واضح المعالم، وأن يتم الاتفاق ما بين الرئيس الجديد والقوى السياسية والمجلس العسكري على تحديد وضعية الجيش في الدستور القادم، لأن هذا الأمر هو لب المشكلة.

* هل الجماعة الإسلامية طلبت أو سوف تطلب من الرئيس مرسي تطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها؟

- نحن نعلم أن المادة الثانية في الدستور تتيح للمشرع (البرلمان) أن يقوم بالالتزام بـ«مبادئ» الشريعة الإسلامية في التشريعات، ومن ثم الإطار القانوني هو ما يجب أن يلتزم به في هذه المسألة.. أي إن أي أمر يخص الشريعة إنما يدخل من خلال الجهة المعنية بالتقنين، هذا رقم واحد.. ورقم اثنين: نحن نرى أن مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية مفهوم أوسع مما يحاول أن يحصره البعض أو يحدده البعض في تطبيق بعض الأحكام المتعلقة بالعقوبات أو الحدود أو بعض الأمور المتعلقة بأحكام الربا وما إلى ذلك.. ولكننا نرى أن إقامة العدل هو من صميم الشريعة الإسلامية، وكذا تحقيق العدالة الاجتماعية، وإنصاف الفلاحين المظلومين الذين تكالبت عليهم الديون، وكذلك إنصاف أسر الشهداء والمعوقين وذوي الحاجات الخاصة هو من صميم الشرعية الإسلامية، ووضع بنيان نهضوي سليم لا يتم فيه استغلال العامل ولا يتم فيه الاحتكار هو أيضا من صميم الشرعية الإسلامية، وكذا إطلاق حرية الإبداع وإطلاق الحريات العامة لتشكيل كل ما يتعلق بمنظمات المجتمع المدني، وإنصاف المرأة وإعطاؤها حقوقها وإشراكها في الحياة السياسية وإشراكها في الحياة العامة في ظل التزامها بأداء دورها الأساسي داخل الأسرة هو أيضا من صميم الشريعة الإسلامية.. وأيضا عندما نلتزم بالعهود والمواثيق الدولية من صميم الشريعة الإسلامية.. إذن، هذه المسائل بأسرها حين تطبق وتفعّل نحن نرى أن هذا فيه تطبيق للشريعة الإسلامية، وليس فيه ابتعاد عنه، وهذا يمثل جزءا من تطبيق مشروعنا ورسالتنا الإسلامية الواسعة.

* السؤال يتعلق بمسألة تطبيق الحدود.. كيف ترى الأمر؟

- بالنسبة للمسائل المتعلقة بقوانين العقوبات أو الحدود، فهذه يتم الرجوع فيها إلى نظر الجهة المعنية بالتشريع والتقنين.. متى وجدت أن المجتمع قد تم تجهيزه وتأهيله لتفعيل مثل هذه القوانين، لا شك في أنها لن تظلم أحدا ولا تفرض بصورة فيها إجبار وأيضا لا تنتقص من حقوق أي مسلم أو غير مسلم.

* إذن، هل الجماعة الإسلامية تؤيد الإبقاء على كلمة «مبادئ الشريعة» كمصدر للقوانين في المادة الثانية من الدستور، أم تريد أن تغيرها إلى «أحكام الشريعة» كمصدر للقوانين؟

- نحن في الجماعة الإسلامية مع إزالة كلمة مبادئ، وترك نص «أحكام الشريعة الإسلامية» من دون كلمة «مبادئ الشريعة»، وأيضا مع إضافة تبرر أو تفسر لماذا نقول ذلك.. وهذه الإضافة هي التي تطلبها الكنيسة الأرثوذكسية، حيث تريد إضافة أنه من حق أتباع الديانات السماوية الأخرى حق «الاحتكام لشرائعهم»، وليس للاحتكام لـ«مبادئ شرائعهم».. ونرى من الناحية القانونية البحتة تفسير المحكمة الدستورية العليا لكلمة مبادئ.. التفسير يقصرها على عدة أمور.. هذه الأمور منها المبادئ العامة كالحرية والعدل والمساواة والتكافل، ويدخل فيها أيضا بعض الأحكام القطعية، وهناك بعض الأحكام في المحكمة الدستورية العليا تشير إلى إدخال اجتهادات المجتهدين في الشريعة الإسلامية، وبالتالي، وبهذا الشكل، هناك من يقول إن كلمة «مبادئ» كافية ولا تمثل مشكلة، وهناك من يرى أنه إذا كنا سنعطي لغير المسلمين حق الاحتكام لشرائعهم فإنه أيضا من حق المسلمين ليس الاحتكام إلى مبادئ الشريعة ولكن لأحكام الشريعة، وأعتقد أن هذا سيحل مشكلة كبيرة في داخل مصر وهي مشكلة الهوية.. بهذا تكون الهوية واضحة، وهي أن الهوية التي تجمع المصريين هي الهوية التي تحترم دياناتهم.

* هل أفهم مما قلت أن مسألة مبادئ أو أحكام ما زالت خاضعة للمشاورات مع القوى السياسية الأخرى أو مع أصحاب الديانات الأخرى. أعني أنه لا يوجد فيها أمر قطعي بالنسبة للجماعة الإسلامية؟

- نذكر ونقول: إذا أردنا أن ننهي تلك المشكلة، فعلينا أن نأتي بهذه الصياغة التي تحقق قدرا من الوضوح للمسلمين من ناحية وأيضا لغير المسلمين من أتباع الديانات السماوية من ناحية أخرى.. وبهذا، نحل إشكالية طال أمدها في مصر وسببت مشاكل كثيرة، خاصة أننا نقول إن الجهة التي تكون معنية بتقنين هذه الأمور التي ترجع للشريعة، هي مجلس الشعب المنتخب.

* هل لو هناك مقترحات أخرى يمكن للجماعة الإسلامية أن تدرسها؟

- أي مقترحات يمكن أن ندرسها، ويمكن أن نصل إلى حلول أخرى. يمكن أن يقال في المذكرة الإيضاحية لهذه المادة الخاصة بالشريعة أن المبادئ تشمل كذا وكذا، بما يحقق الطمأنينة لكل أبناء الشعب المصري.

* لكن يؤخذ على بعض التيارات الإسلامية أنها تأتي للنقاش أحيانا بقناعات مسبقة أو بقرارات مسبقة ولا تتزحزح عنها؟

- هناك بعض الأمثلة تؤدي إلى هذا الفهم.. لكن هذا ليس دائما وأبدا. ولكن، نقول إذا كان النظر للأمور بشكل موضوعي فهذا يتطلب أن يكون هناك تفاهم متبادل، ونصيب الحق أينما كان، ونضع المشكلة في وضعها الحقيقي.. هل نريد أن نحل هذه المشكلة أم نؤجلها.. إذا ما أجلت فسنجد هناك من يتكئ ويقول أنتم اكتفيتم بكلمة «مبادئ» الشريعة، والمحكمة الدستورية العليا تقصرها فقط على الحرية والمساواة والعدل والأحكام القطعية.. وارتضيتم بالنسبة لغير المسلمين، من أتباع الديانات السماوية الأخرى، أن يحتكموا إلى شرائعهم، وبالتالي يكون الدستور وضع لمصلحة غير المسلمين، وهذا يثير أحقادا، لدى البعض من الذين ينظرون إلى الأمور بمنظور ضيق، وكذلك الشباب المتحمس المنتمي إلى بعض التيارات الإسلامية، بأن هذا الأمر يطعن في شرعية هذا الدستور لأنه هضم الشريعة الإسلامية حقها، ولا نريد أن ندفع بمثل هذه الأمور بل نريد أن نغلقها.