انشقاق لواء و7 ضباط وعشرات العسكريين إلى تركيا يبرز تفكك الجيش السوري

الأسعد لـ«الشرق الأوسط»: النظام ينقل الطعام لجنوده بالمروحيات.. لأنه لم يعد باستطاعته التنقل على الأرض

حطام دبابة سورية في أحد شوارع حلب أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

بينما كان نحو 85 عسكريا سوريا، بينهم لواء وعدد من الضباط، يعبرون الحدود السورية باتجاه تركيا عقب انشقاقهم أول من أمس، كان رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة العماد فهد جاسم الفريج يلقي كلمة في حفل تخريج دورة جديدة من ضباط الكلية السياسية العسكرية، أشار فيها إلى أن «سوريا تعيش ظروفا استثنائية وحربا شبه كونية»، ساعيا لإقناع الخريجين الجدد بأن هذه الحرب تستهدف وجود سوريا و«ضرب مقومات قوتها وصمودها»، وأن «المتآمرين يسعون للانتقام من الشعب العربي السوري لأنه تصدى لأعداء الوطن، ومنعهم من تحقيق أهدافهم الشريرة في تمزيق سوريا، وتحييد دورها المشرف الذي تضطلع به كدولة مقاومة وداعمة للمقاومة».

لكن الكلام الذي حاول من خلاله أركان الحرب رفع الروح المعنوية للضباط الجدد، لم يمنع من تزايد وتيرة الانشقاقات داخل الجيش السوري النظامي يوم بعد يوم. وهو ما كان من ضمنه إعلان انشقاق لواء من فرقة مدفعية وسبعة ضباط سوريين كانوا بين عشرات العسكريين ومعظمهم من العاملين في حمص وتوجههم إلى تركيا مساء الاثنين الماضي، وهو ما أكدته محطة الإذاعة التركية الحكومية (تي آر تي) حين أعلنت على موقعها على الإنترنت، أن «نحو 85 جنديا سوريا بينهم لواء بين الذين أرسلوا إلى معسكر ابايدين في إقليم هاتاي في تركيا».

وفي هذا الإطار أكد قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد حصول هذا الانشقاق بالفعل، وأعلن لـ«الشرق الأوسط» أن «مجموعة كبيرة من العسكريين انشقوا عن الجيش النظامي والتحقوا بالجيش الحر في تركيا». ورأى أن «تزايد وتيرة الانشقاقات مردها إلى انهيار معنويات الجيش السوري، وشعوره بأن النظام بدأ يتهاوى وأن الكفة تميل باتجاه انتصار الثورة».

وقال الأسعد «هناك 90 في المائة من القطع العسكرية التابعة للنظام يُنقل إليها الطعام بواسطة الحوامات (طائرات الهليكوبتر)، لأنه لم يعد باستطاعة القوى العسكرية التنقل على الأرض بسبب تعرضها للاستهداف». وأضاف «نحن كجيش حرّ وثوار نسيطر على نحو 70 في المائة من الأراضي السورية، لكننا لا نعلن أسماء المناطق تجنبا لقصفها بالطيران الحربي».

ولفت إلى أن «ما يزيد على 40 ألف مقاتل مسلحين من الجيش الحر يقاتلون على الأراضي السورية، وهناك نحو الـ100 ألف يريدون السلاح لينخرطوا في صفوف المقاتلين ويكونوا جاهزين لخوض المعركة». مشددا على أن «أي تسليح أو دعم مادي لم يصل إلى الجيش الحر من أي دولة عربية أو أجنبية، والجيش الحر يستمد الدعم من متبرعين سوريين، فنحن لم نخرج طلبا للمال إنما لقتال هذا النظام المجرم وإسقاطه». مشيرا إلى أن «مقاتلي الجيش الحر بعضهم لا يحصل على أكثر من وجبة طعام واحدة في اليوم». وردا على سؤال عمّا إذا كان كل المنشقين انخرطوا في العمل القتالي ضد النظام، أجاب الأسعد «هناك ضباط وعناصر انشقوا عن عقيدة وهؤلاء يقاتلون على الأرض، والبعض الآخر لم يكن انشقاقه عن عقيدة، وهم موجودون الآن في المخيمات ولا يقومون بأي عمل». مشيرا إلى أن «المنشقين عن غير عقيدة هم من جرى أسرهم أثناء مهاجمة الثكنات أو في كمائن، وبعض الذين فروا ولم يرغبوا في القتال، وهؤلاء يقيمون حاليا في المخيمات لكن ممنوع عليهم مغادرتها».

إلى ذلك، علّق عضو المجلس الوطني السوري لؤي صافي على هذا الإنشقاق، فرأى أن «السبب الرئيسي للانشقاقات يعود إلى الاعتماد الكلي للنظام على العنف، لا سيما بعدما بدأ يركز على قتل المدنيين الأبرياء وقتل الأطفال وقصف المدن، لأنه أصبح عاجزا على مواجهة الجيش الحر والثوار». وأكد صافي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك شرفاء في الجيش السوري يرفضون تنفيذ الأوامر التي تعطى لهم بقتل المدنيين فيعمدون إلى الانشقاقات متى سنحت لهم الفرصة».

وردا على سؤال عمّا يقدمه المجلس الوطني لهؤلاء المنشقين لدعمهم وتشجيع غيرهم على الإنشقاق، قال «إن إمكانات المجلس الوطني محدودة، لكنه يقدم مساعدات إنسانية وإغاثية ومالية للمنشقين في الداخل لتأمين الاحتياجات من أجل صمودهم، فضلا عن تأمين وسائل الاتصال لهم، أما الذين يغادرون إلى تركيا، فإن الحكومة التركية تصبح مسؤولة عنهم وهي تؤمن المسكن والتقديمات اللازمة التي يحتاجونها».

من جهة أخرى، يقول أحمد، وهو ناشط من حمص، إن «غالبية الجنود السوريين يعيشون حالة صراع، فهم يفضلون الانشقاق لكنهم يخافون من انتقام النظام.. لذلك يسعون إلى تأمين عائلتهم قبل إعلان انشقاقهم، ومن لا يتمكن من تأمين عائلته فإن ينتظر الموت إما برصاص الجيش الحر أو برصاص النظام في حالة عدم تنفيذه الأوامر أو إثارة الشكوك حوله».

ويتابع أحمد أنه الأسبوع الماضي حاول إقناع مجندين بعدم الانشقاق قبل تأمين أسرهم، فقالوا له إن «كل يوم يمضي على خدمتهم للنظام.. يجعل موتهم أقرب».

وتقدر أوساط المعارضة في سوريا تعداد الجنود المنشقين بأنه قارب 70 ألف جندي، وقالت مصادر في الجيش الحر في ريف حمص لـ«الشرق الأوسط» إن «عددا من الجنود انشقوا أمس في القصير وجرى تأمينهم بصعوبة، حيث قامت القوات النظامي على الفور بإمطار المدينة بالقذائف المدفيعة»، ونقلت المصادر عن الجنود المنشقين تأكيدهم أن «النظام يستخدم في قصف حمص وريفها الفوزديكا (وهي عبارة عن مدفعية محمولة على مدرعة عيار قذيفتها 155 ملم، وتحدث أضرارا مدمرة في دائرة واسعة لدى سقوطها وتفجرها)»، كما أشاروا إلى أن «النظام في الشهر الأخير يستخدم قذائف صناعة جنوب أفريقيا تحوي على اليورانيوم المنضب، ما يؤدي إلى نشوب حرائق، كما أن الإصابات البشرية الناجمة عنها تصعب معالجتها، وهناك حالات حصلت حيث أصيب أكثر من شخص إصابة غير مميتة لكنهم ماتوا ودون ظهور أعراض تسمم».

وقالت المصادر إن «قذيفة الفوزديكا سقطت منذ يومين على منطقة البساتين في القصير ولم تنفجر، ومكتوب عليها أنها صناعة مدينة ديربن في جنوب أفريقيا»، وتتابع المصادر أن «شراسة جرائم النظام ضد الشعب واستمراره في قتل السوريين واستخدام الأسلحة المحظورة دوليا واحدة من الأسباب الكثيرة التي تدفع الجنود للانشقاق».

وقال أحد الضباط المنشقين أول من أمس، ويدعى العقيد عبد الحميد زكريا، لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «إن العنف غير المبرر الذي استخدمه نظام الأسد ضد المدنيين هو ما دفع العديد من أفراد الجيش للانشقاق». وأضاف زكريا «منذ بداية اندلاع الثورة، كان العديد من أفراد الجيش السوري يرغبون في حدوث تغيير سلمي للسلطة دون إراقة الدماء، إلا أن النظام لجأ لاستخدام العنف ضد المدنيين، ما دفع العديد من الجنود للانشقاق إما سرا أو بشكل علني».

وأوضح زكريا أنه فر إلى تركيا مع أسرته تاركين وراءهم ممتلكاتهم وذكريات صباهم، ولم يصطحبوا معهم سوى الذكريات المؤلمة لما يعانيه الشعب السوري. ووصف زكريا - الذي يعمل طبيبا بالجيش السوري - ما شاهده في المستشفى العسكري الذي كان يعمل به بأنه «مريع».. مشيرا إلى أن غالبية الجنود السوريين الذين أشرف على علاجهم كانوا مصابين بطلقات نارية من الخلف بعد رفضهم تنفيذ الأوامر الخاصة بقتل المدنيين.

وأضاف زكريا أن النظام السوري كان ينقل المدنيين للمستشفى للعلاج فقط حينما يرغب في الحصول منهم على مزيد من المعلومات، وبعد ذلك يقتلهم عبر حقنهم بجرعات كبيرة من الأنسولين.

ويشار إلى أنه لا توجد إحصائية رسمية لدى السلطات السورية عن عدد قتلى الجيش السوري منذ بدء الاحتجاجات، وتكتفي وكالة الأنباء السورية بالإعلان عن عدد الجنود والضباط الذين يتم تشييعهم من المشافي العسكرية، وهو بمعدل قد يتراوح بين عشرين وأربعين يوميا، والأسبوع الماضي ارتفع ليصل إلى 68 تشييعا خلال يوم واحد.. كما يؤكد أكثر من مصدر محلي أن كثيرا من جثث الجنود الذين يقضون في اشتباكات مع الجيش الحر تبقى ملقاة في الشوارع، وأن هناك مئات المفقودين الجنود.

والأسبوع الماضي وجه ناشطون نداء لأهالي الجنود المفقودين، ليطالبوا النظام بالكشف عن مصير أبنائهم. وجاء في النداء الذي تم تداوله على نحو واسع في مواقع التواصل الاجتماعي «عشرات وربما مئات جثث الجنود والشبيحة متروكة منذ أيام في كثير من المناطق وخاصة في حمص، بعض الجثث بدأ ينهش بها الدود».. وأن «الثوار في تلك الأماكن اضطروا تحت القصف إلى دفن الجثث والتحفظ على هوياتهم من أجل توصيل الأخبار لذويهم مستقبلا».. «هكذا تتصرف قيادات الأسد مع جنودها.. تتركهم يتعفنون تحت الشمس، ويسرح الدود في أجسادهم، وتكذب على ذويهم».