خبراء لـ«الشرق الأوسط»: تلويح إيران بإغلاق المضيق شكل من أشكال القرصنة البحرية

نصف نفط العالم يعبر مضيق هرمز يوميا بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة

TT

ما إن دخلت العقوبات النفطية الدولية على إيران حيز التنفيذ حتى صعدت إيران في موقفها حيال دول الجوار والمنطقة ككل، معيدة إلى الواجهة تهديداتها القديمة الجديدة بإغلاق مضيق هرمز الحيوي الذي يعبر منه ما يعادل 40 في المائة من النفط المنقول بحرا على مستوى العالم، لكن اللافت هذه المرة أن إيران تحاول أن تضفي الصبغة القانونية على تهديدها بإغلاق المضيق من خلال استصدار قانون برلماني يدعو الحكومة الإيرانية إلى محاولة منع مرور شاحنات النفط الخام من مضيق هرمز إلى الدول التي تدعم العقوبات المفروضة عليها.

ولم يتوقف التصعيد الإيراني عند المواقف السياسية، فإيران تبعث برسالة مفادها أنها قادرة على إغلاق المضيق إذا قررت ذلك، وفي سبيل ذلك على ما يبدو بدأت إيران أول من أمس مناورات عسكرية تحاكي هجوما مضادا على أهداف أميركية أو إسرائيلية في المنطقة في حال شن غارات ضد منشآت نووية إيرانية.

وتقام هذه المناورات التي تستمر ثلاثة أيام في صحراء دشت كوير بوسط البلاد بعد أيام على فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات جديدة قاسية على إيران، وعشية جولة جديدة من المفاوضات تستضيفها إسطنبول اليوم مع القوى العظمى حول الملف النووي.

لكن السؤال الذي يبقى مثارا للتحليل والتأويل، هل تقدم إيران فعلا على إغلاق المضيق إذا ضاق خناق العقوبات النفطية عليها بعد سريان هذه العقوبات؟ في سبيل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من إدراك بعض الحقائق حول هذا المضيق الاستراتيجي - أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، حيث يقع هرمز في منطقة الخليج العربي فاصلا ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، وتطل عليه من الشمال إيران معبر محافظة بندر عباس ومن الجنوب سلطنة عمان عبر محافظة مسندم التي تعتبر امتدادا للأراضي الإماراتية جغرافيا، ويعتبر المضيق في نظر القانون الدولي جزءا من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها، وبالمفهوم القانوني الدولي يشير مصطلح «أعالي البحار» إلى مناطق المحيطات التي تقع خارج سلطة أي دولة. وتبدأ بشكل عام بعد 200 ميل بحري (يساوي الميل البحري نحو 1.9 كلم)، من سواحل الدول المتاخمة للمحيطات، أما مناطق المحيطات التي تمارس الدول سلطتها عليها، فتسمى المياه الإقليمية.

في القانون الدولي، تعتبر أعالي البحار مفتوحة أمام أي دولة للصيد، والسفر، والبحث وجميع الدول لها حقوق متساوية في أعالي البحار، ويجب أن تحترم كل منها حقوق الدول الأخرى.

ويسمح القانون الدولي أثناء الحرب، للدول المحايدة، أن تواصل التجارة مع الدول الأخرى المحايدة، ومع الدول المتحاربة. ومع ذلك ففي مثل هذه الأوقات، يفترض ألا تنقل سفن الدول المحايدة التجارة المحظورة في الحرب، (البضائع غير القانونية)، وتقرر الدول المتحاربة، المواد التي تعتبرها مهربات حرب.

وبناء على ما سلف لا تملك إيران حقا قانونيا في منع أي سفينة أو ناقلة من عبور مضيق هرمز في أي حال من الأحوال، وأي عمل في هذا الإطار يدرجه مراقبون في إطار القرصنة البحرية، فموقع المضيق الجغرافي لا يعطي إيران السيادة عليه، ولا يدرجه في إطار الممرات المائية التي تقع تحت سيادة دولة بعينها، مثل قناة بنما أو قناة السويس.

فضلا عن ذلك، فإن مضيق هرمز يضم الجزر الإماراتية الثلاث التي تحتلها إيران منذ عام 1971 (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، إلى جانب عدد من الجزر الصغيرة غير المأهولة؛ كبراها جزيرة قشم الإيرانية وجزيرة لاراك وجزيرة هرمز.

ورغم كل هذه الأهمية الاستراتيجية للمضيق، فإن عرضه 50 كم (34 كم عند أضيق نقطة) وعمقه 60م فقط، ويبلغ عرض ممري الدخول والخروج فيه ميلين بحريين (أي 10.5 كم). وتعبره 20 - 30 ناقلة نفط يوميا بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة - محملة بنحو 40 في المائة من النفط المنقول بحرا على مستوى العالم، بحسب موسوعة «ويكيبيديا» العالمية.

ويرى المراقبون أنه ومن حيث المبدأ، لا تبدو عملية إغلاق المضيق أمرا عصيا أو صعبا، لكن استمرار الإغلاق هو الأمر الأكثر صعوبة، فهو بمثابة «انتحار سياسي» يفتح جبهة حرب بين إيران من جهة والغرب والخليج والصين واليابان ودول أخرى من جهة ثانية، ويعتقد الخبراء أن إيران تدرك تبعات مثل هذا التصرف، وهو ما يجعلهم يستبعدون حدوثه، وإن كان واردا بنسب ضئيلة جعلت بعض دول الخليج تفكر في بدائل لنقل إمداداتها النفطية، كما فعلت الإمارات بإنشاء خط نفطي ينقل نفطها بعيدا عن المضيق.

ويرى الخبير الاستراتيجي رياض قهوجي، مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري، أن خطوة إغلاق المضيق أقل ما يمكن أن توصف به أنها «انتحارية»، ولن تنتهي إلا بإسقاط النظام الإيراني، لأنه يعد بمثابة إعلان حرب ويهدد مصالح إقليمية ودولية، ويعتدي على مياه دولية، مضيفا أن «كل دولة تستخدم المضيق ستعتبر نفسها في حالة حرب مع إيران فيما إذا أقدمت الأخيرة على أي حركة لزعزعة النشاط الأمن الملاحي في المضيق».

وفي حال تم إغلاق المضيق، يقول قهوجي: «وفقا لمعلوماتي الخاصة، فإن القوى العظمى ستعمل على فتحه.. وهناك سيناريوهات عدة لعملية مثل تلك، قد تستهدف القوة البحرية والمنشآت العسكرية الإيرانية، مع احتمال احتلال غالبية الجزر الإيرانية في المنطقة»، مضيفا «لدي معلومات مؤكدة أنه خلال مدة لا تتعدى عشرة أيام سيتم وضع حد لأي تصرف عنفي قد تلجأ إليه إيران في هذا الإطار».

ويخلص قهوجي إلى القول أن «لا إيران ولا أي دولة في العالم تمتلك الحق بإغلاق مضيق هرمز أو منع سفينة من المرور في مياهه الدولية لأنها مياه دولية»، معتبرا أن الطرف الوحيد القادر هو الأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن.