محمد عبد اللاه يؤيد دعوة الرئيس المصري للمصالحة الوطنية ويحذر من الإقصاء والتخوين

قيادي سابق في حزب مبارك في حوار مع «الشرق الأوسط» : «الدولة العميقة» قادرة على حماية نفسها

محمد عبد اللاه
TT

دعا السياسي المصري المخضرم الدكتور محمد عبد اللاه، إلى إجراء مصالحة وطنية في البلاد، وفقا للتوجه الذي أعلنه الرئيس الجديد الدكتور محمد مرسي، وأبدى عبد اللاه، الذي شارك في تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم سابقا) مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات في أواخر سبعينات القرن الماضي، استعداده للعب دور في هذه المصالحة بشرط أن تكون مبنية على قبول الاختلاف في الرأي سواء مع السلطة التنفيذية أو في البرلمان.

واستقال عبد اللاه من الحزب الوطني *الذي كان يرأسه منذ عام 1981 الرئيس السابق حسني مبارك *في أيام ثورة 25 يناير قبل أن تطيح بالحكم السابق.

وقال عبد اللاه، الذي كان قياديا برلمانيا وحزبيا في عهد السادات ومبارك، إن ما تمر به مصر في الوقت الراهن وضع مؤقت نتيجة الانتقال إلى مرحلة جديدة، وإن المشكلة تكمن في أن الكثيرين يتعجلون الأمور.

وأضاف عبد اللاه في ما يخص العلاقة بين الرئيس المدني الجديد القادم من جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الجيش، بقوله إن المؤسسة العسكرية لعبت دورا أساسيا من أجل العبور بالمرحلة الانتقالية الصعبة، وإن دورها في التشريع الذي ينتقده البعض دور مؤقت لحين استكمال انتخاب السلطة التشريعية.

وقال الدكتور عبد اللاه عن المخاوف من وضع دستور بطابع ديني متشدد، إن مصر دائما تؤكد انتماءها الإسلامي العربي، ولكن كل الدساتير يجب أن تراعي المواطنة، معربا عن اعتقاده أهمية حدوث توافق حول مواد الدستور الجديد. وأضاف بشأن ما يتردد من البعض بأن مصر قد تتحول لنموذج دولة مثل باكستان أو أفغانستان، أن تصريحات الرئيس مرسي والقوى السياسية الأخرى تشير إلى ما يدعو إلى الاطمئنان، مشيرا إلى أن أي تيار لا يستطيع أن ينفرد برؤيته، وإلا فسنكون كمن يريد إدخال البلاد في دوامة كبيرة.

وتحدث الدكتور محمد عبد اللاه عن مصطلح الدولة العميقة ومصطلح الفلول، اللذين ظهرا في مصر في الفترة الأخيرة، وقال إن مفهوم الدولة العميقة هو محافظة مصر على خصوصيتها الثقافية والحضارية، كما اعتادت، من حيث الثبات والتوحد والاستقرار، مهما مرت عليها من تجارب ومهما تغيرت الظروف السياسية، مشيرا إلى أن مصطلح الفلول (الذي يطلق على من كانوا في النظام السابق) «بدعة»، معربا عن رفضه له، قائلا إنه لا يمكن إقصاء عائلات مصرية عريقة لها مكانتها في صعيد مصر (جنوبا) والدلتا (شمالا)، وانخرطت في الحياة السياسية المصرية منذ ما قبل ثورة 1952 حتى انضمام رموز فيها للحزب الوطني الذي كان يرأسه مبارك قبل حله العام الماضي. وشدد عبد اللاه على ضرورة إلغاء فكرة الإقصاء والتخوين والتعميم.

وتحدث عبد اللاه عن نظرة العالم الخارجي للأوضاع في مصر، خاصة في ما يتعلق بمخاوف من ترحيل إسرائيل للقضية الفلسطينية إلى سيناء. وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* كيف ترى الأوضاع الشائكة التي تمر بها مصر حاليا؟

- ما تمر به مصر وضع مؤقت نتيجة الانتقال من مرحلة انتقالية إلى مرحلة جديدة.. ومن ثم، أرى أن المشكلة تكمن في أن الكثيرين يتعجلون الأمور.. المفترض أن هناك لجنة تعد الدستور الذي سيكون محور العمل في المراحل القادمة، لأن الدستور هو الأساس الذي يُبنى عليه. وبالتالي، إذا اتفقنا على دستور يليق بمصر الحديثة ويؤكد معاني المواطنة ولم الشمل، فهذا سيكون نقطة مهمة بعدما تم انتخاب رئيس الجمهورية لأول مرة بالانتخاب الحر المباشر. أما بالنسبة للبرلمان، وحله بحكم من المحكمة الدستورية، فقد سبق حل البرلمان مرتين من قبل بحكم المحكمة الدستورية أيضا، مرة في عام 1990، ومرة في 1987.. فهذه ليست بدعة.. ومن ثم عندما ينتهي الدستور أتصور أن الإعلان الدستوري (الذي وضعه المجلس العسكري كدستور مؤقت) سيكون قد انتهى دوره، ويكون لدينا دستور (جديد) وتجري على أساسه انتخابات جديدة، إذا ما استقر الوضع، لمجلس الشعب.. ومن هنا، فالأمور تكون قد هدأت واستقرت تماما، حيث سيكون قد أصبح لدينا رئيس منتخب، ثم المجالس التشريعية المنتخبة، والسلطة التنفيذية..

* لكن طيلة ستين عاما، كانت السلطة متناغمة مع رؤسائها بخلفياتهم العسكرية. الآن، يوجد رئيس مدني، ومؤسسة الجيش. هل سيكون الأمر سلسا؟

- المؤسسة العسكرية في مصر هي بالطبع محل احترام وتقدير الكل.. وأنا شخصيا أستاء جدا من كلمة «حكم العسكر» لأنها كلمة لا تليق عندما نتحدث عن دور هذه المؤسسة العريقة التي تحمي أمن مصر والتي لعبت دورا أساسيا من أجل العبور بهذه المرحلة الانتقالية الصعبة للغاية، للوصول إلى بناء المؤسسات الجديدة.. سيظل الجيش هو حامي الشرعية، وسيظل الجيش هو حامي الوطن، وستظل للمؤسسة العسكرية مكانتها في مصر، وهذا أمر لا تنفرد به مصر.. في أغلب دول العالم، المؤسسة العسكرية لها احترامها ولها خصوصيتها ولها وضعها. هذا أمر عليه نوع من التوافق الوطني، والدور الذي تقوم به في التشريع حاليا هو دور مؤقت لحين استكمال انتخاب السلطة التشريعية.

* هناك مخاوف من أن يتم وضع دستور بطابع ديني متشدد يمكن أن يتعارض مع أوضاع داخل مصر وخارجها؟

- كان هناك مشروع أول دستور لمصر في بداية الانتداب البريطاني عام 1882، إلا أن الدولة المصرية استقرت منذ دستور 1923، والدساتير التي جاءت بعده (1954 – 1956 *1971)، ومصر دائما تؤكد انتماءها الإسلامي العربي، ولكن كل الدساتير يجب أن تراعي المواطنة، وأن مصر وطن لجميع المصريين، وأن تراعي أيضا الخصوصية الثقافية والحضارية.. أتصور أنه يجب أن يحدث توافق حول هذا.. وهناك في الإعلان الدستوري ما يؤكد أنه إذا كان هناك أي جهات لها حق الاعتراض على أي مادة من مواد مشروع الدستور الجديد يكون الفيصل فيها للمحكمة الدستورية.

* تعني أنك لا تخشى مما يردده البعض عن أن مصر قد تتحول لنموذج دولة مثل باكستان أو أفغانستان؟

- ما نراه من تصريحات من الرئيس المنتخب محمد مرسي وما نراه من تصريحات لجميع القوى السياسية وللحزب الذي كان ينتمي إليه الرئيس (حزب الحرية والعدالة، الإخواني).. كل هذه التصريحات تشير إلى ما يدعو إلى الاطمئنان ونأخذ في الاعتبار أمرا مهما، وهو أن مصر الآن لديها تيارات سياسية كثيرة، لا يستطيع تيار أن ينفرد برؤيته، وإلا فسنكون كمن يريد إدخال البلاد في دوامة كبيرة، نتمنى من الله ألا يحدث هذا.. كفانا مرحلة انتقالية كانت غاية في الصعوبة، والآن نريد أن ننطلق.. الاقتصاد عانى كثيرا في العام ونصف العام الماضي، وكذا حدثت في هذه الفترة اضطرابات لا نريد أن نراها مرة أخرى. وبالتالي، أنا أتصور أن مهمة الرئيس الجديد، وأنا أتوقع منه أن يؤكد ويتخذ مبادرات تؤكد معنى مهما، وهو لم الشمل، خاصة أن المجتمع قد انقسم إلى نصفين في الانتخابات (الرئاسية الأخيرة). مصر فيها تعددية، وهذا سيكون واضحا في جميع الانتخابات (القادمة)، ولكن الرئيس هو رئيس مصر وكل المصريين. وأنا أثق بأن الرئيس سيجد مساعدة من الجميع في لم الشمل.

* ظهر مؤخرا ما يسمى «الدولة العميقة». هل هذا يعني القيادات الوسطى وما فوق الوسطى في الأجهزة الأمنية والمؤسسات، التي ربما تكون رافضة لما تعتقد أنه «أسلمة الدولة»؟

- وهل مصر دولة كافرة؟! في مصر، لا يسمح بأي قانون يتعارض مع مبدأ الشريعة الإسلامية، وفي نص الدستور السابق أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الأساسي للتشريع.. وهذا لا يعني أنه لا يؤخذ في الاعتبار في الأحوال الشخصية، وغيرها من القواعد الحاكمة بالنسبة للمواطنين المصريين الأقباط.. لكن الدولة العميقة هي أن مصر أقدم دولة مركزية في التاريخ، وهذا جزء من الخصوصية الثقافية والحضارية لمصر، هي هذه «الدولة العميقة».. من طبيعة نظام الري في مصر أن يكون هناك دولة تنظم الأمور، فهذه الدولة راسخة في الوجدان المصري، لهذا أقول وأؤكد الحفاظ على الخصوصية المصرية. ويمكن تفسير مصطلح «الدولة العميقة» باعتبار أنه «كينونة الدولة» كما اعتادتها الدولة المصرية من ثبات وتوحد واستقرار.

* أي إن هذا المصطلح لا يعني وجود تيار في الدولة موال لنظام قديم أو ما أشبه ذلك؟

- نحن في مرحلة جديدة.. هذه المرحلة يجب أن تقوم على أسس.. أولا لا إقصاء ولا تعميم ولا تخوين ولا تكفير لأحد في مصر. النقطة الثانية، حول القضايا الرئيسية، يجب أن يكون هناك توافق وطني مهما اختلفت الرؤى والآراء، وهذا شيء طبيعي.. النقطة الثالثة هي أن مصر دولة ديمقراطية تقوم على التعددية. هذه يجب أن تكون المبادئ الأساسية الحاكمة. وما استخلصته مما صرح به الرئيس المنتخب (محمد مرسي) في خطاباته التي ألقاها، تؤكد تفهما لهذه المرحلة.

* أشار الرئيس مرسي في خطاباته إلى «المصالحة». هل هذا يمكن أن يقضي على مصطلح «الفلول» الذي يستخدم لإقصاء بعض رموز النظام السابق؟

- مصطلح الفلول هذا بدعة لا أساس لها.. هذا مصطلح قاله الزعيم الروسي فلاديمير لينين عندما كان يصف الجيش الأبيض الذي كان مواليا للقيصر في مواجهة الثوار البلشيف (الجيش الأحمر). ولا أعرف كيف أدخل هذا المصطلح لمصر. وأتذكر هنا أنه عندما قامت ثورة يوليو (تموز) 1952، جاء وزير الإرشاد القومي، أي ما يعادل مسمى وزير الإعلام حاليا، وأوقف أغاني السيدة أم كلثوم.. ووصل الأمر إلى الرئيس جمال عبد الناصر، فقال له كيف تمنع أغاني أم كلثوم، فقال له إنها كانت تغني للملك، فقال له عبد الناصر إن الذي بنى الأهرام كان ملكا أيضا، فهل نهدم الأهرام. ونريد أن نحلل: من أطلق عليهم الفلول، وأنا أرفض تماما هذا المصطلح، هم أصلا وجزء كبير منهم، من العائلات المصرية القديمة التقليدية التي لها مكانتها سواء في صعيد مصر أو الدلتا، والتي كان جزء منها قبل ثورة 1952 ينتمي إلى حزب الوفد.. وبعد الثورة، مَنْ لم يجنب ولم يعزل، استمر في الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي.. ومنهم مجموعة أبعدت في الستينات، عندما توجهت مصر توجها اشتراكيا.. وتم تصنيف البلاد بين رجعيين وتقدميين. ثم عادوا مرة أخرى، منهم من دخل واستمر في المسيرة، وآخرون عادوا مع الرئيس السادات عندما قرر المصالحة وأن يكون الباب مفتوحا للجميع. وبالتالي، هو انتماء أكثر إلى فكرة «الدولة العميقة» منه إلى فلسفة نظام بعينه.

* وإلى أين انتهت مثل هذه العائلات بعد ذلك؟

- إلى الحزب الوطني الديمقراطي (الذي أسسه السادات عام 1978 وتم حله رسميا بعد ثورة 25 يناير 2011).

*هل ترى أن هذه الشريحة سيكون لها دور فاعل في الفترة الحالية وفي المستقبل؟

- هذا جزء من الواقع المصري.. والمشكلة أن بعض المتحدثين الغربيين لا يفهمون الواقع المصري، وينساقون وراء ما يسمعونه في الإعلام المرئي وغيره، وهو في بعض الأحيان يؤدي إلى نوع من التضليل.. أنت لا تستطيع أن تقسم المصريين إلى مسلم وقبطي.. ولذلك، أول شيء لا بد منه إلغاء فكرة الإقصاء والتخوين والتعميم.. فرق كبير بين من كان منحرفا، وهذا يحاسب أيا كان انتماؤه، ومن كان يعمل للمصلحة العامة.. إذا دخلنا في مثل هذا الصراع، فأنت تقسم البلد.

* يعني من الممكن أن تكون هناك مصالحة وطنية.. هل تؤيد هذا؟

- أي جهد من هذا القبيل، إن أعلن على الملأ، فإنني أؤيده.. البعض يخلط بين الأمور. الذي ينتمي لأي حزب أو تفكير آخر، هو جزء من المنظومة السياسية المصرية التي يجب أن تتحدد في أمور أساسية وتوجهات أساسية ثم نختلف في أمور أخرى. هناك شيء آخر، وهو أن نتوحد حول مواقف معينة، ونمكن الرئيس من أداء عمله، ثم إذا اختلفنا في شيء فليعبر كل عن رأيه. توجد أحزاب من حقها أن تؤيد وأن ترفض. فلنظهر جميعا أننا متحدون.. فكرة المصالحة ولم الشمل.. هذا لا يعني أن نعود لفكرة الحزب الواحد مرة أخرى، ولا إلى القلاقل التي لا تتحملها مصر. والطرف الذي يبدأ هو الطرف الذي يكون في موقع القرار والقوة.. طالما يمد يده فينبغي أن يكون الجميع قابلا لمد اليد، وليس معنى أن تمد اليد أنك ستبصم وتقف مع كل اتجاه تقوم به السلطة التنفيذية الحكومة أو في البرلمان.

* البعض محليا وإقليما ودوليا يتخوف من قيادة رئيس إخواني للبلاد، بما قد يؤدي مثلا لمشاكل في سيناء أو غزة أو حتى قناة السويس. ما رأيك؟

- أولا.. حقيقة الأمر.. يجب على دول الغرب أن تدرك أن القرار المصري قرار مستقل، ويجب (على تلك الدول) أن تفهم أن التدخل أو محاولات التدخل في الشأن المصري يفقدها الكثير، لأن الشعب المصري يرفض دائما (مثل هذه المحاولات)، خاصة أن مصر انتهجت منذ بداية السبعينات عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة في المنطقة، وترفض التدخل في شأنها الداخلي. وأنا أعتقد أن هذه الأخبار (التي تنشر عن المخاوف من الرئيس الإخواني) مبالغ فيها.. الرئيس عندما يتولى الرئاسة هو رئيس مصر.. وبالتالي، فهو مسؤول عن مراعاة المصالح العليا للبلاد بغض النظر عن خلفيته السياسية أو انتمائه إلى حزب من الأحزاب أيا كان هذا الحزب، وهو عند تركه أصبح رئيسا لكل المصريين ومسؤولا في المقام الأول عن الأمن القومي المصري.

* ألا تلاحظ زيادة التحذيرات من ترحيل إسرائيل للقضية الفلسطينية إلى سيناء؟

- هذا هو حلم إسرائيل. لكن لا الفلسطينيون ولا المصريون سيسمحون بذلك. حل القضية الفلسطينية هو في إطار الدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. هذا هو نهجنا وهذه هي قناعاتنا. حين تم توقيع معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، عرض رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيغن أن تعود غزة إلى السيادة المصرية، فكان رد السادات الذي اتهم ظلما في كثير من الأحيان، أن غزة فلسطينية تبقى في أيدي الفلسطينيين، وأنها كانت أمانة في أيدينا، لكن لا يمكن أن نعتبرها أراضي (مصرية). وهذا بطبيعة الحال هو رد فعل «الدولة المصرية العميقة» التي هي ليست بدولة عدائية ولكنها تقدس ترابها حتى آخر شبر منه، مهما مر عليها من ثقافات أو توجهات.