الهند: بصيص أمل في تحقيق العدالة بعد عقد على مذابح غوجارات

تسجيلات هاتفية قد تدين العديد من المسؤولين بالتورط في المجازر لأهداف انتخابية

السلطات في أحمد آباد، التابعة لولاية غوجارات، أعادت إسكان آلاف النازحين من أعمال العنف التي شهدتها الولاية قبل عشر سنوات (نيويورك تايمز)
TT

لم تحرك الشرطة ساكنا، بينما كانت جموع الهندوس تذبح نحو ألف شخص أكثرهم من المسلمين. وتشير الأدلة إلى أن تلك المذابح كانت مناورة من مسؤولين في الولاية، من أجل كسب أصوات في الانتخابات. تم إنفاذ الأسياخ في أجساد الأمهات وإضرام النيران في الأطفال وتقطيع الآباء. كان هذا منذ عشر سنوات، وبعد مرور ذلك الوقت ربما لا نذكر أعمال الشغب في ولاية غوجارات بسبب فظاعتها، لكن لم تتكرر مثل هذه المذبحة الطائفية، التي تعد واحدة من كثير من المذابح التي تضرب الهند. وهناك عدة أسباب لهذا السكون، أهمها التكنولوجيا التي لعبت دورا حاسما، فقد أجرى القتلة مكالمات بالهاتف الجوال وهناك تسجيلات لكل تلك المكالمات. وبعد سنوات من التردد والتخاذل، اتخذ القضاء الهندي المتصدع موقفا، حيث تمت إدانة مئات من مثيري تلك الأعمال، وإن كانت لا تزال هناك قضايا معلقة. قرر قاض يحاكم 61 متهما، بينهم وزير التعليم السابق في الولاية، السبت تأجيل القضية إلى 29 أغسطس (آب). وجدير بالذكر أن عدد القتلى من جرّاء الأفعال التي يحاكم حاليا المتهمون بارتكابها يبلغ نحو 94. وبلغ عدد الشهود في القضية 327، لكن الدليل القاطع يتمثل في سجلات المكالمات الهاتفية التي تتناقض مع إفادات بعض المتهمين الذين زعموا أنهم لم يوجدوا بالقرب من موقع الحادث وقت وقوع الجرائم. صحيح أن تلك التسجيلات لا تزال قيد الفحص والتمحيص للتأكد مما إذا كان لناريندرا مودي، رئيس وزراء ولاية غوجارات والذي يعد من أبرز السياسيين، دور في أعمال العنف. ومع ذلك حتى إذا لم يتم توجيه أي اتهام لناريندرا، يرى خبراء سياسيون تغيرا في الحسابات السياسية التي كانت تذكي نار الصراعات الطائفية والتي ظلت لفترة طويلة هي ما يضمن الفوز بالانتخابات في الولاية. ويقول موباشر جود أكبر، مؤلف «Riot After Riot» «شغب بعد شغب» ومدير تحرير صحيفة «إنديا توداي»: «لقد وصلنا إلى مرحلة فاصلة، فهذه هي المرة الأولى التي تحاكم فيها المؤسسة القضائية الهندية أشخاصا متهمين بالتورط في أعمال شغب. في الماضي لم تكن هناك أي محاسبة للجاني».

كانت الهند يوما ما مركز المذابح التي ترتكب على أساس ديني. ومع امتداد أعمال العنف إلى منطقة الشرق الأوسط، تحمل الزهور النابتة في مباني غوجارات السوداء المحترقة الأمل في قدرة المجتمعات الغارقة في الدماء على تحجيم المنطق المتجدد الذي يحكم هذه الاشتباكات والصراعات. وقال شاكيل أحمد، رئيس لجنة الإغاثة الإسلامية في ولاية غوجارات، إنه متفائل. وجدير بالذكر أن عدد النازحين جرّاء أعمال الشغب عام 2002 بلغ نحو 150 ألفا. وتشير إفادات الشهود والأدلة الأخرى إلى تورط مسؤولين في الولاية في أعمال العنف وإن نفوا ذلك الاتهام. وتم احتجاز ابن الدكتور أحمد لنحو سبع سنوات بتهمة التورط في مؤامرة لاغتيال مسؤول في الولاية يمثل أمام المحكمة في الوقت الحالي. ولم يستطع أحمد منع ابتسامة النصر من الظهور على وجهه خلال مقابلة مطولة في مكتبه الذي يقع على أطراف أحد أحياء المسلمين. وقال أحمد بينما دخان سيجارته يلف شعره الأبيض ولحيته: «هناك بصيص من الأمل، فللمرة الأولى في غوجارات نرى مطالبات بالعدالة».

اندلعت أعمال الشغب في 27 فبراير (شباط) 2002، عندما هاجمت مجموعة من المسلمين قطارا يحمل عددا كبيرا من الهندوس القادمين من ضريح مثير للخلافات في مدينة غودرا الصغيرة التي تقع شرق ولاية غوجارات. شبّ الحريق في القطار مما أودى بحياة على الأقل 58 شخصا حرقا. ونقلت جثامينهم المتفحمة إلى أحمد آباد، أكبر مدن ولاية غوجارات، وعرضت أمام الجميع في خطوة لا يمكن إلا أن تؤجج العنف. وتجمعت الحشود من أجل مشاهدة الجثث. اندلعت أعمال الشغب بعد فترة قصيرة من تعيين حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يدعم أفضلية وتفوق الهندوس، لمودي رئيسا لوزراء ولاية غوجارات، لكنه واجه تراجعا في شعبيته في الولاية. ودعم مودي وحزبه هجوما شاملا. وبدأت المجزرة فورا، حيث تم إضرام النيران في نحو 20 ألف منزل ومحل عمل للمسلمين و360 دار عبادة. في وقت لاحق من ذلك العام، حقق حزب مودي نجاحا ساحقا في الانتخابات. وفي الوقت الذي يمكن أن يتم فيه إقالة عمدة في الولايات المتحدة إذا سدت الثلوج الطرقات، غرقت الشوارع بالدم في عهد مودي، ورغم ذلك فاز بالانتخابات. كان مودي يتبنى طريقة معروفة ومجربة، ففي عام 1984 اغتيلت أنديرا غاندي، رئيسة الوزراء آنذاك، على أيدي اثنين ينتميان إلى طائفة السيخ من حرسها الشخصي وانتقم الهندوس بقتل جموع منهم آلاف الهنود الذين ينتمون إلى طائفة السيخ. وكوفئ حزب المؤتمر الشعبي، الذي حرّض على أعمال الشغب، في وقت لاحق من ذلك العام، بفوزه بأغلبية برلمانية.

ورغم تشكيل لجان للتحقيق في الحادث، لم يتم إلقاء القبض سوى على عدد قليل، ولم يتم إدانة سوى عدد أقل. وبعد اندلاع أعمال العنف بين الهندوس والمسلمين في مومباي عام 1992 والتي راح ضحيتها 900 شخص، تم تجاهل توصيات اللجنة كما هو معتاد. كما تم تشكيل لجان بعد أحداث العنف التي شهدتها ولاية غوجارات، وأخبر أحد المسؤولين في الولاية إحدى اللجان بأن مودي أصدر أوامر إلى المسؤولين بعدم اتخاذ أي إجراء ضد مثيري تلك الأعمال. وتم قتل ذلك المسؤول. وأغلقت الشرطة ملفات آلاف القضايا ضد مثيري الشغب بسبب عدم كفاية الأدلة رغم روايات شهود العيان.

ومع ذلك تدخلت المحكمة العليا عام 2004 بناء على مذكرات التماس مقدمة من منظمات لحقوق الإنسان. وأصدرت المحكمة أمرا بإعادة فتح التحقيق فيما يزيد على ألفي قضية، وتشكيل فريق خاص من الشرطة ونقل بعض المحاكمات خارج ولاية غوجارات. لقد بدأت عجلة القضاء قي الدوران مما شجع المزيد من الضحايا على إقامة دعاوى قضائية. في ذلك العام كان محامي إحدى الضحايا يستجوب مسؤولا رفيع المستوى في جهاز الشرطة مثل للشهادة عندما وضع المسؤول أسطوانة مدمجة على الطاولة أمامه. وسأل المحامي موكول سينغ: «ما هذا؟»، فأجاب الضابط راهول شارما: «إنه الدليل». كانت الأسطوانة تحوي تسجيلات لكل مكالمات التي أجريت عبر الهواتف الجوالة في أحمد آباد وقت اندلاع أسوأ أعمال عنف شهدتها الهند. وأتاحت التسجيلات للمحامين تحديد زمن تحركات الكثير من مثيري أعمال الشغف، التي توافقت مع روايات ضحايا الشغب وتعارضت مع روايات المتهمين. ولا يزال سينغ يفتش في السجلات بحثا عن أدلة، لكن حكومة مودي تحاول بقوة عرقلة التحقيقات واتهام الضابط، الذي قدم هذه السجلات، بمخالفة قانون سرية الوثائق الرسمية. وثبت أن قيمة سجلات المكالمات كبيرة بالنسبة إلى ممثلي النيابة. وفي الوقت الذي لا يبدو فيه أن أي هيئة حكومية أو محكمة تعرف عدد الأشخاص المدانين، توضح سجلات الدولة والمحاكم أن عددهم بالمئات وهو عدد مرشح للزيادة. ولم يرد المسؤولون في ولاية غوجارات وممثلي مودي على عدد كبير من الطلبات بإجراء مقابلات معهم أو حتى إرسال الأسئلة إليهم عبر البريد الإلكتروني. ولا يزال تورط مودي في أعمال الشغب يطارده هو وحزبه، فبعد مرور عامين على أعمال الشغب، خسر تحالفه سيطرته على الحكومة. وحذر أعضاء بارزون في الحزب من ترشيح مودي عن التحالف لمنصب رئيس الوزراء في انتخابات 2014. مع ذلك لم تختف شعبية مودي في ولاية غوجارات تماما، حيث أعاد تقديم نفسه باعتباره الشخص القادر على حل المشكلات الاقتصادية.

* شارك هاري كومار في إعداد هذا التقرير.

* خدمة «نيويورك تايمز»