موضة مصطلحات السياسة في مصر.. «عرض مستمر»

«الدولة العميقة» أحدثها.. و«الدولة المدنية» أكثرها شيوعا

أحد انصار «حزب الحرية والعدالة» يرفع بطيخة كتب عليها كلمة «فلول» (رويترز)
TT

لا يكف الوضع السياسي في مصر عن إفراز واستقبال مصطلحات جديدة بشكل مستمر منذ قيام ثورة 25 يناير من العام الماضي، وهي المصطلحات التي يتم ابتكارها أو استقدامها من أدبيات السياسة الغربية في الغالب على يد النخبة والمثقفين، وتنقل عبر وسائل الإعلام المختلفة، لتنتشر سريعا بين أوساط المصريين.

وكثيرا ما تلجأ النخبة إلى صبغ هذه المصطلحات بطابع مصري وتوظيفها في مواقف وظروف سياسية معينة كونها الأفضل والأعمق تعبيرا، وهو ما حدث مؤخرا مع جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية عندما تردد مصطلح «الدولة العميقة» ثم أخذ في التداول بعدها، ومن قبله انتشرت مصطلحات عدة على غرار: الدولة المدنية، الدولة الدينية، المُصالحة، العزل، التوافقي، التطهير. فيما عملت الثورة على شيوع مفردات أخرى بين النخبة ومع انتشارها تم دخولها في الحياة اليومية للمصريين وفي الثقافة الشعبية، وأبرزها مصطلح «الفلول».

ويبين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور حسن نافعة، أن هذه المصطلحات تكون موسمية، بما يشبه «الموضة»، فهي تظهر ثم تختفي، أو تتوارى قليلا لتظهر في ثوب جديد، وقد تتغير دلالتها من وقت لآخر حسب الوقت والظروف السياسية السائدة عند إطلاقها. موضحا أنه منذ قيام الثورة المصرية ظهرت مصطلحات عدة كانت لها دلالات معينة، بعضها كان موفقا وبعضها غير موفق، وبعضها أدى إلى عدم فهم وسوء استخدام وبلبلة فكرية.

ويشير نافعة إلى أكثر المصطلحات التي شاعت في الفترة الأخيرة كان مصطلح «الدولة العميقة»، وهو مصطلح موجود في كل الكتب السياسية ومستخدم على نطاق أكبر في الثقافة السياسية الفرنسية، حيث يستخدم في الأدبيات الفرنسية بكثافة، ويشار به إلى القوى الحية والعميقة في المجتمع والتي تمسك بتلابيب هذا المجتمع من الداخل، وليست القوى الأكثر بروزا على السطح، فهذه القوى ليست الحكومة أو البرلمان، وليست الوزارات، إنما هي القوى التي توجد في الأماكن التي على احتكاك مباشر بالجماهير ولها تأثيرها المباشر عليه وتأثير كبير في تسيير الأمور.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية أن مصطلح «الدولة العميقة» بدأ يأخذ دلالات معينة في الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة خاصة في جولة الإعادة بين المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق، حيث استخدم المصطلح ليبين أن ما يجري على السطح وفي ظاهر الأمور شيء، وما يجري في باطنها أو في العمق شيء آخر، وأن المناطق الحساسة في المجتمع المصري ذات التأثير ما زالت تحت سيطرة وسطوة النظام السابق، مثل العمد والمشايخ والمجالس المحلية وكبار الأعيان والقبائل.

ويرى دكتور نافعة أن الدلالة الأساسية لاستخدام مصطلح «الدولة العميقة» في مصر كان «موفقا» في الوقت الذي كان كثيرون يبحثون عن مصطلح دقيق يصف الحالة المصرية، فالفكرة الأساسية من إطلاقه وصفت أماكن التأثير الرئيسية داخل المجتمع، التي هي خارج تأثير قوى الثورة والأحزاب الجديدة، حيث يسيطر عليها النظام السابق الذي امتد على مدار 60 عاما، وبالتالي كان استخدامه موفقا بدرجة كبيرة، على الرغم من أنه مصطلح غير مصري وليس كاتب مصري من ابتكره ولكنه منقول عن الثقافة الفرنسية.

وعلى العكس يرى أستاذ العلوم السياسية أن من أكثر المصطلحات سوءا في الاستخدام كان مصطلح «الدولة المدنية»، الذي شاع كثيرا منذ قيام الثورة، حيث انتشر توظيفه بدلالات وسياقات مختلفة، فهناك من يوظفه في مواجهة «الدولة الدينية» أو الدولة أو الأمنية أو العسكرية، رغم أن المصطلح في الأساس غير موجود في الأدبيات السياسية الغربية.

ويلفت دكتور نافعة إلى أن هناك مصطلحات يتم استخدامها وتصادف نجاحا كبيرا رغم عدم دقتها، وهناك مصطلحات أكثر دقة ولا تصادف نجاحا، وهناك مصطلحات توظف بشكل صحيح ولا تلاقي نفس الانتشار لغيرها. كما أن هناك من الكتاب أو النخبة من يوفق لمصطلحات فيها ابتكار لوصف حدث بعينه، وآخرون يترجمون مصطلحات نتيجة اطلاعهم على الثقافات الغربية، فيتم توظيف هذا المصطلح بما ينطبق على الحالة المصرية في ظرف ما أو لحظة ما، وإذا كان المصطلح موفقا ينتشر بسرعة ويتم تداوله على نطاق أكبر، وهذا ما يحدث كثيرا فتتردد مصطلحات جديدة بشكل مستمر.

ويعتقد كثيرون أن طابع التململ الذي تشهده الساحة السياسية في مصر سيجعلها مرشحة لإفراز واستقبال المزيد من هذه المصطلحات.