نقيب الصحافيين المصريين السابق: مجلس الشورى يريد استبدال «الإخوان» بحزب مبارك

مكرم محمد أحمد لـ «الشرق الأوسط»: معايير اختيار رؤساء التحرير جاءت للانتقام من الصحافيين

مكرم محمد أحمد
TT

كشف مكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين المصريين السابق، عن أن مجلس الشورى (الغرفة الثانية في البرلمان) يريد استبدال حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، بالحزب الوطني المنحل، في ما يتعلق باختيار رؤساء تحرير الصحف القومية، قائلا إن إقرار معايير وضوابط اختيار رؤساء تحرير الصحف جاء انتقاما من الصحافيين باعتبارهم هم من شوهوا سمعة نواب مجلس الشعب المنحل (الغرفة الأولى للبرلمان).

وتصاعدت أمس حالة الغضب داخل المؤسسات الصحافية بعد فتح مجلس الشورى (الذي يسيطر عليه «الإخوان» والسلفيون) باب الترشح لمنصب رؤساء التحرير للصحف القومية، وتشكلت حركات احتجاجية داخل المؤسسات ضد المجلس، ونظم عدد من الصحافيين مظاهرة أمام مبنى مؤسسة «الأهرام» بوسط القاهرة، انتقلت إلى سلم مبنى نقابة الصحافيين المجاور، احتجاجا على ما وصفوه بـ«محاولة الشورى تسهيل سيطرة (الإخوان) على المؤسسات الصحافية القومية عبر اختيار رؤساء التحرير».

وقال مكرم محمد أحمد، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»، إن «مجلس الشورى يريد فقط أن يتدخل في تعيين رؤساء التحرير في الصحف القومية عن طريق معايير نصفها سياسي والنصف الآخر يقال عنه مادي»، مؤكدا أن النصف السياسي مرفوض بشكل مطلق، لأنه يحتاج إلى الكشف عن نوايا أعضاء الشورى، لافتا إلى أن معايير مجلس الشورى بألا تكون لرئيس التحرير المرشح علاقات سياسية بقوى أجنبية كلام «متخلف»، موضحا أن المعايير المهنية لا بأس بها، والقضية في اختيار رؤساء التحرير لم تكن قضية معايير، إنما قضية تطبيق هذه المعايير، وما يريد أن يفعله مجلس الشورى الآن هو استبدال حزب الحرية والعدالة الإخواني بالحزب الوطني المنحل (الذي كان يرأسه الرئيس السابق حسني مبارك) في اختيار رؤساء التحرير.

وقال تقرير لمجلس الشورى الذي تسيطر عليه قوى الإسلام السياسي إن السلطات الحاكمة فرضت في العقود الأخيرة على المؤسسات الصحافية القومية شخصيات فاسدة تدور مع الفساد وتزين للحاكم كل صنوف الطغيان وتقف حجر عثرة أمام مسيرة التطور الديمقراطي‏.‏ ومن جانبه، تابع نقيب الصحافيين السابق قائلا «لدينا 225 مطبوعة في مصر تصدر عن المؤسسات القومية، مفروض أن يتم الفصل فيها طبقا لمعايير مجلس الشورى؛ ولكن كيف يتحقق ذلك واللجنة التي شكلها مجلس الشورى يسيطر عليها السلفيون و(الإخوان)، حيث تضم 8 أعضاء هم رؤساء لجان بمجلس الشورى، وسيقومون بتعيين 6 بمعرفتهم سواء كانوا من أساتذة الإعلام أو غير ذلك».

وتساءل مكرم «ما هي المرجعية التي تمكن مجلس الشورى من التدخل في شؤون الصحافة القومية بهذا الشكل؟»، وتابع موضحا أن «الشورى يقول إنه هو المالك للصحافة القومية؛ لكنه مالك صوري، ورغم ذلك ليس لدينا مانع من ذلك، ونقول له: إذا كنت المالك فمن حقك أن تفتش جيوبنا وتفتش على مالية المؤسسات، وإذا كان هناك فساد يتم تقديمه للجهات المختصة».

وقال نقيب الصحافيين السابق إن «الشورى» كمالك لديه في كل مؤسسة صحافية مكتب للجهاز المركزي للمحاسبات، وكل ورقة وقرار يعرض على ممثليه، ويراقب جميع الأعمال المالية، وفي النهاية يقول إنها مليئة بالفساد. وتساءل مكرم مجددا «ما الذي منع مجلس الشورى طوال هذه السنوات من إبلاغ النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود عن هذا الفساد؟».

وكانت تقرير الشورى أشار إلى أن بعض المؤسسات الصحافية القومية تعاني إلى حد الإفلاس، وأن هناك خسائر مستمرة في‏ 7‏ مؤسسات، وأن إجمالي خسائر هذه المؤسسات وصل إلى نحو ‏10‏ مليارات جنيه‏.‏ واستند الشورى إلى تقريره للتدخل في شؤون المؤسسات الصحافية القومية بالطريقة التي أثارت غضب قطاع كبير من الصحافيين أخيرا.

ووصف نقيب الصحافيين السابق مشروع مجلس الشورى بأنه حملة كراهية وضغوط وإرهاب من أجل أن يستسلم الصحافيون، وأن يكفوا أقلامهم عن انتقادات جماعة الإخوان، مؤكدا أن الاحتياج الحقيقي بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) أن تحصل المؤسسات الصحافية على استقلالها، بمعنى أن يقوم مجلس الشورى بتعيين مجالس إدارات المؤسسات كيفما يشاء، وتكون فيه مجموعة من الصحافيين أو الشخصيات العامة كممثلين له كمالك، وأن يعطى مجلس الإدارة الحق في إدارة هذه المؤسسات بحرية واستقلال، مثلما يحدث في المؤسسات الصحافية الخاصة، وفي كل المؤسسات الصحافية العالمية.

وتابع مكرم قائلا «لكن مجلس الشورى يريد أن يسلب المؤسسات القومية حريتها في اتخاذ القرار، وأن يتدخل في شؤونها بشكل يومي ليسيطر على حرية الرأي والتعبير»، مضيفا أن «مجلس الشورى الذي سيعين رؤساء التحرير مطعون على شرعيته من الأساس، فضلا عن أن عدد ناخبيه لم يتجاوز الـ7 في المائة من إجمالي الناخبين المصريين، وهناك توصية بحله لأنه مجلس «ليس له لازمة» - على حد تعبيره - ولم يذهب أحد لانتخابه.

وقال مكرم محمد أحمد إن «أعضاء مجلس الشورى يريدون أن يسيطروا على كل الصحف القومية وليست لهم أي خبرة بوضع الصحافة، ولذلك نخشى من تفاقم مشكلة الصحف القومية، وسوف تزداد سوءا خلال الفترة المقبلة، لأنه سوف تحكمها البيروقراطية، التي ستؤدي إلى شلل حركة هذه المؤسسات».

وحول توقعاته بشأن مواصلة الصحافيين رفض مشروع الشورى، قال نقيب الصحافيين السابق «الوضع الصحافي في مصر الآن مضطرب، ونقابة الصحافيين دورها غائب، رغم أنها هي الحصن الأمين لكل الصحافيين؛ لكن الشواهد تقول إن جموع الصحافيين يرفضون هذا المشروع، ويرون أنه مشروع تم التعجيل به ووراءه أهداف أخرى».

وكشف عن أن مشروع الشورى سبقته حملة كبيرة على الصحافة، بدأها الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان، عندما وصف الصحافيين بـ«سحرة فرعون»، ثم الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي الذي أعلن أثناء تقديم أوراق ترشحه للرئاسة أن لديه في جيبه قوائم بأسماء الصحافيين المرتشين، لافتا إلى أن هذا الكلام عفى عليه الزمن، وأن «الإخوان» تناسوا أن نقابة الصحافيين وقفت في وجه مبارك وهو في كامل سطوته ونفوذه، عندما حاول تغليظ قوانين عقوبة حبس الصحافيين، ووقف الصحافيون لمدة 18 شهرا في جمعية عمومية مستمرة، حتى ألزموا مبارك بالتراجع عن ذلك.

وتوقع مكرم محمد أحمد مزيدا من القمع لحرية الرأي خلال الفترة المقبلة، قائلا إن «الإشارات متضاربة، فكيف يقول الرئيس مرسي خلال لقائه بالصحافيين والإعلاميين في الصباح إن حرية التعبير خط أحمر، ومجلس الشورى يقوم بفعل عكس ذلك بعد ظهر اليوم نفسه، ويقول: تعالوا هاتوا أوراقكم وحساباتكم.. وأنا من سيعيّنكم ويضعكم في الفلكة؟!». وكشف مكرم عن أن الحملة التي تشنها الجماعة على الصحافة القومية، يأتي لأنها (الجماعة) اتهمت الصحافيين بأنهم ترصدوا لمجلس الشعب المنحل وشوهوا صورته، وهذا غير حقيقي، لأن من شوه سمعة المجلس هم نوابه الذين فصلوا القوانين حسب مقاسهم واستحوذوا على السلطة التشريعية والتنفيذية، وكان أداؤهم سيئا على مدار الأشهر الـ6 الماضية، قائلا «دائما عندما يخيب التنفيذيون والسياسيون يقال إن الصحافيين.. هم السبب».

وعن موقف مجلس نقابة الصحافيين الذي يضم أعضاء ينتمون لجماعة الإخوان من مشروع الشورى، قال إن «النقابة انسحبت من جلسات الاستماع بمجلس الشورى؛ لكن المشكلة أن المجلس منقسم على نفسه، لأن فيه مجموعة تنتمي لـ(الإخوان)، وواثق في النهاية أن جموع الصحافيين سيواجهون هذا المشروع».

وأقر مجلس الشورى، برئاسة الإخواني أحمد فهمي، التقرير النهائي الخاص بمعايير وضوابط اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية لدورة جديدة واستيضاح جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للمؤسسات الصحافية بما يكفل استقلالها، وقرر المجلس تشكيل لجنة تتولى الإشراف على اختيار رؤساء التحرير برئاسة الإخواني فتحي شهاب الدين، رئيس لجنة الثقافة والإعلام والسياحة.

وتضمنت المعايير التي أقرها مجلس الشورى، أن يكون المرشح ذا كفاءة مهنية وإدارية؛ وألا يكون قد تورط في وقائع فساد أو سوء إدارة أو إهدار للمال العام أو أي قضية مخلة بالشرف؛ وألا يكون ممن يسري عليهم قانون إفساد الحياة السياسية؛ وألا يكون قد تعرض لجزاء تأديبي من نقابة الصحافيين؛ وألا يكون ممن روجوا للتطبيع مع الكيان الصهيوني (إسرائيل) وأن يكون ذا ثقافة واسعة ومستوعبا لمقتضيات العصر.

كما تضمنت الشروط أن يقدم من يرشح نفسه لقيادة المؤسسات الصحافية أرشيفا يحوي فكره وإدارته وتصوراته وإبداعاته وسيرته الذاتية ويقدم فيه تعريفا بخبراته والمهام التي تولاها خلال سنوات خدمته، بالإضافة إلى ضرورة ألا يكون قد مارس خلطا بين الإعلان والتحرير أو عمل كمستشار إعلامي لمسؤول حكومي أو رجل أعمال أو شركة أو مصلحة محلية أو أجنبية. واشترط مجلس الشورى في رئيس التحرير ألا يزيد عمره على ‏60‏ عاما، وأن يكون ذا خبرة في المجال الصحافي لمدة لا تقل عن ‏15‏ عاما، وأن يكون قد أمضى السنوات العشر الأخيرة متصلة في العمل في المؤسسة ذاتها‏.‏ وتابع مكرم محمد أحمد، قائلا «المشهد السياسي الآن صعب، ومصر تحتاج أن تلتقط أنفاسها، والمصريون راغبون في منح الدكتور مرسي فرصة بعد وعوده وخطبه الأخيرة، ويكادون يعدون عليه أنفاسه وتحركاته من أجل أن يروا إذا كان بالفعل سيقدر على تغيير التوجهات والمآخذ التي أخذت على جماعة الإخوان، ويقبل بالمشاركة بدلا من المغالبة، وينبذ الاستحواذ على كامل السلطة، ويفي بالوعود، أم لا.

وأضاف مكرم أن الحكومة الجديدة سوف يسيطر على مفاتيحها الأساسية وعلى وزارتها السيادية وأغلب وزارات الخدمات المهمة، أعضاء حزب الحرية والعدالة الإخواني، نافيا ما تردد عن أنها ستكون حكومة موسعة، بقوله «قد تكون ائتلافا ضيقا».

وأشار مكرم إلى أن البعض يحاول أن يدفع الرئيس المنتخب مرسي للصدام مع المجلس العسكري، واللجوء إلى ميدان التحرير للحصول على كل سلطاته بقوة الجماهير، خاصة أن مرسي ما زال مصرا على أن مجلس الشعب مجلس شرعي وينبغي أن يعود، وأن اللجنة التأسيسية التي شكلها مجلس الشعب لإعداد الدستور الجديد لا تزال صالحة للقيام بمهامها، ولا يزال يعلن معارضته للإعلان الدستوري المكمل (الذي أصدره المجلس العسكري وقلص صلاحيات الرئيس)، وتابع «لا أظن أن تلك هي الطريقة الصحيحة، لهذا ينبغي تجنب صدام الرئيس مع العسكري في هذا الفترة الحرجة حتى نختصر المرحلة الانتقالية».

ولفت مكرم إلى أن الدكتور مرسي لا يزال يعطي إشارات متضاربة في ميدان التحرير، عندما قال في خطبته بميدان التحرير إن المجلس العسكري لا بد أن يعود لثكناته، وفي كلمته بجامعة القاهرة، التي قال فيها «أحيي أعضاء المجلس العسكري على ما بذلوه من جهود».