باكستانيون يحنون للحكم العسكري في ظل تراكم الأزمات

تدني شعبية زرداري واستمرار الصراع بين المحكمة والحكومة يقوضان استقرار البلاد

صاحب محل في منتجع موري يبيع بيضا ومواد أخرى مقلية على فانوس الغاز، في ظل معاناة المنطقة المستمرة من انقطاع الكهرباء (واشنطن بوست)
TT

منجذبين إلى الصنابير العامة التي تعد بمياه شرب مجانية نقية، اصطف السائحون الأسبوع الماضي للحصول على مياه منعشة على طول الشارع الرئيسي في موري، المدينة التي تعتبر منتجعا صيفيا وتوجد على ارتفاع 7500 قدم في جبال الهيمالايا. غير أنهم سرعان ما اكتشفوا أن الصنابير جافة.

«لم نحصل على أي شيء»، هذه هي العبارة التي جاءت على لسان زائر ظمآن، يدعى عبد الستار، عمره 47 عاما. لم يكن يتحدث فقط عن المياه التي لم تصل إلى موري منذ أسابيع بسبب النقص الحاد في الطاقة الذي تسبب في إغلاق محطات ضخ المياه في الوادي بالأسفل. فقد أشار عبد الستار، وهو في حالة من الإحباط وخيبة الأمل، إلى أنه لم يتحقق أي شيء من النظام الديمقراطي بالمثل - على الأقل لأنه يطبق من قبل الحكومة الفيدرالية شبه المعطلة في إسلام آباد، التي تفصلها ساعة بالسيارة أسفل الجبال.

الاقتصاد متدهور بالدرجة التي تجعل عبد الستار وآخرين يحنون إلى الحكم العسكري، تلك الفترة التي وفر فيها الجنرالات على الأقل الكهرباء للبلاد. ويقول أمير إقبال، المالك المشارك لـ«مستر فود»، وهو مطعم صغير قل عدد زبائنه هذه الأيام بشكل ملحوظ «الحكم العسكري أفضل». وفي سن الرابعة والأربعين، يسترجع بشغف الازدهار النسبي ومعدلات النمو الاقتصادي المرتفع التي ميزت فترة حكم الجنرال برويز مشرف الذي استمر تسع سنوات. وعلى الرغم من صغر سنه في تلك الفترة، فإنه يتحدث بشكل إيجابي عن حقبة قائد بارز سابق هو الجنرال محمد ضياء الحق. ويقول إقبال «حينما يتولى الجيش مقاليد الحكم، يبقي معدل التضخم منخفضا». ويضيف «الجنرالات بارعون في الحكم وعلى درجة أفضل من التنظيم».

وليس هذا الحنين للنظام والانضباط في واقع الأمر بحديث في تاريخ باكستان الذي يعود إلى 64 سنة مضت، فقد تدخل الجيش، بدعم شعبي، ثلاث مرات للإطاحة بأنظمة ضعيفة وفرض الأحكام العرفية. وكان احترام القضاء للجنرالات هو القاعدة المعتادة. لكن بظهورها في صورة نصيرة للشعب الذي يشن معركة ضد الفساد، قلبت المحكمة العليا الحالية ذلك الوضع رأسا على عقب. فقد ترأست التحقيقات في مخالفات السلطة التنفيذية والجيش. ويشير بعض الباكستانيين إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا، القاضي افتخار محمد تشودري، بوصفه أقوى رجل في البلاد، فيما يتهمه معارضون بتنظيم «انقلاب على القضاء» باسم سيادة القانون. وقد أقالت المحكمة الدستورية العليا الشهر الماضي رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني، الذي تولى هذا المنصب لفترة طويلة، بسبب رفضه تطبيق أحكامها، وتستعد للإطاحة بخليفته للسبب نفسه. ويهدد صراع على السلطة بين السلطتين القضائية والتنفيذية، وبدرجة أقل، الجيش، بزعزعة استقرار البلاد التي تملك أسلحة نووية، في وقت تنهار فيه شراكتها مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب.

وبصرف النظر عن إخفاقاتها، فإن حكومة باكستان الائتلافية قد استمرت لمدة أربعة أعوام ونصف من دون انقلاب أو عملية اغتيال أو إعدام لقائد رفيع المستوى، وفي طريقها لأن تصبح الحكومة المدنية الأطول أمدا في تاريخ البلاد. غير أنه لا أحد يعلم إلى أي مدى يمكن أن تستمر البلاد في تقدمها البطيء نحو إرساء ديمقراطية حقيقية. وتواجه باكستان، التي تخوض معركة ضد حركة تمرد إسلامية، الآن أزمة دستورية في خضم تدهور اقتصادي مقترن بغضب شعبي جامح، مع تحول المظاهرات احتجاجا على انقطاع الكهرباء إلى أعمال شغب عنيفة. ويقول المحلل السياسي والكاتب الصحافي، فاروق سليم «لقد تسببت الديمقراطية في أن يلف الظلام البلاد، تلك هي الحقيقة». وأشار إلى أنه منذ نهاية حكم مشرف، زاد سعر اللبن بمقدار ثلاثة أضعاف سعره الأصلي، كما ارتفع سعر الكهرباء بنسبة 500 في المائة. ويضيف سليم «لقد أتت الديمقراطية بقيادة سيئة وشجعت على الفساد. ارتفع معدل الفقر والبطالة ونفد البنزين، وارتفعت الأسعار بشكل حاد».

على سبيل المثال، في موري، لا يشكو رجال الأعمال فقط من الظلام على مدار 12 ساعة يوميا، وإنما أيضا من الرسوم الضخمة التي يتعين عليهم دفعها الآن لشاحنات المياه الخاصة للتمتع بخدماتها.

وينفق فندق «ألماز» المكون من 25 غرفة 170 دولارا مقابل شاحنة مليئة بالمياه والتي ربما تستمر لمدة ست ساعات، بحسب مدير المكتب الأمامي الأنيق، عبد اللطيف. وقال إن التكلفة المعتادة للمياه تقدر بنحو 70 دولارا شهريا. غير أنه ليس بمقدور الفندق زيادة الأسعار لأن نزلاءه لن يمكنهم حينها تحمل دفع تكلفة الغرف. وقال عبد اللطيف، الذي يتحدث جيدا عن مشرف، إنه قد يدعم «حاكما جيدا» من الجيش، لكنه أضاف أنه سيقبل بالمثل «حاكما مدنيا كفؤا».

ولم يعبر سوى 15 في المائة من الباكستانيين عن رأي إيجابي تجاه رئيسهم، آصف علي زرداري، بحسب استطلاع رأي جديد أجراه مركز «بيو» للأبحاث، فيما أشار 39 في المائة ممن تم استطلاع آرائهم إلى أنهم ما زالوا ينظرون إلى مشرف نظرة إيجابية.

ويتجه مشرف، المعرض للاعتقال في حالة عودته إلى باكستان، لكسب الثناء في موري كشخصية حالمة طموحة، لأنه أطلق مشروعا ضخما لتوفير المياه في عام 2006 والذي يقول سكان إنه قد خفف من مشكلة نقص المياه الحالية، غير أن المشروع قد أحبط جراء مناورة للحزب السياسي بعد أن أجبر الجنرال على ترك منصبه بعد عامين.

ما زال الباكستانيون يعبرون عن دعمهم الكبير للجيش كمؤسسة، من خلال إشارة نسبة 77 في المائة ممن تم استطلاع آرائهم إليه باعتباره صاحب تأثير إيجابي. وينظر لقائد الجيش القوي الجنرال أشفق برويز كياني بشكل إيجابي من قبل أكثر من نصف من شملهم استطلاع مركز «بيو» في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان). غير أن محللين عديدين قالوا إنه ليس ثمة احتمال كبير لحدوث انقلاب عسكري. ربما تكون الحكومة قد حصنت نفسها ضد حدوث انقلاب بفضل افتقارها للكفاءة والصلاحية؛ فالوضع الاقتصادي كارثي جدا إلى حد أن الجيش لا يملك الموارد الاقتصادية اللازمة لإصلاح مشكلات البلاد الصعبة وسيتجنب اللوم على الفشل.

ويقول مارفين وينبوم، الخبير الباكستاني في معهد الشرق الأوسط في واشنطن «الجيش لا يرغب في تحمل المسؤولية عن هذا. ومن بعض النواحي، ليس ثمة مدعاة بالنسبة له لذلك: فقد سيطر الجنرالات على الأمور التي يرغبون في السيطرة عليها. ولا يزال لديهم حق الاعتراض على أي سياسة محلية تلحق بهم تأثيرا جوهريا».

أما عن العلاقة المضطربة بين باكستان والولايات المتحدة، فقد تنازل الجيش عن بعض السلطات للمدنيين الذين تعوزهم الخبرة.. وتتجلى أكثر الخطوات أهمية في القرار الذي تم اتخاذه الثلاثاء بإعادة فتح طرق إمدادات حلف الناتو الممتدة من باكستان لأفغانستان، والتي ظلت مغلقة لأكثر من سبعة أشهر. وقد أعرب كياني، الذي يقال إنه ليست لديه رغبة قوية في إدارة الحكومة، عن دعمه للديمقراطية.

على مدار سنوات، دعمت وزارة الخارجية الأميركية أجندة إصلاح في باكستان، بإنفاق عشرات الملايين على برامج لمحاربة الفساد وتطوير عمليات البرلمان وتعزيز الدفاع عن حقوق المواطنين وحقوق المرأة. غير أن مؤيدي الإصلاح يقولون إن الحكومة الدستورية الهشة في باكستان ربما تحتاج عقودا كي تنضج بالدرجة الكافية لتوفير قيادة تتمتع بالجدارة والنزاهة.

ويقول عادل جيلاني، رئيس قسم باكستان بمنظمة «الشفافية الدولية» المناهضة للفساد «لم يكن النظام الديمقراطي قادرا قط على البقاء لأكثر من ثلاثة أو أربعة أعوام، وأدى هذا إلى تدمير المؤسسات الديمقراطية. وجهة نظرنا هي أن الديمقراطية عند أي مستوى أفضل من الديكتاتورية، لأنه في النظام الديمقراطي لا توجد مساءلة على الأقل».

ليس من المعروف عدد الباكستانيين الذين يمكن أن يستعيضوا عن النظام الديمقراطي بالنظام الديكتاتوري.. وربما يكون النصف، بحسب بعض المراقبين، بالنظر إلى موجة الغضب الشعبي العارمة بعد سنوات من التدهور الاقتصادي تحت قيادة قادة مدنيين متعثرين. «نحن نريد أي شخص يمكنه حل مشكلاتنا»، هذا ما قاله عبد الستار، الذي زار موري لينعم بطقس معتدل بعيدا عن الحرارة مع ابن أخيه ذي اللحية الرفيعة، ضياء الرحمن (19 عاما)، الذي هز رأسه تعبيرا عن موافقته على هذا الرأي.

وقال ضياء الرحمن إنه قد بلغ سن الرشد تحت قيادة ديمقراطية. وقال عمه «لست متأكدا مما إذا كان سعيد الحظ أم لا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»