أزمة الغاز تتفاعل في سوريا وسعره يتضاعف أكثر من 10 مرات في السوق السوداء

قتلى نتيجة التدافع للحصول عليه.. والحكومة نصحت المواطنين باستخدام الكيروسين بديلا

TT

لم تفلح كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السورية للحد من أزمة الغاز التي تشهدها البلاد منذ اندلاع الثورة قبل أكثر من عام، في الحد من ارتفاع سعر الغاز إلى درجات غير مسبوقة ووصول سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء إلى نحو 30 دولارا أميركيا في حين أن التسعيرة الرسمية لا تتجاوز الـ6 دولارات.

وتحدث ناشطون عن أزمة حقيقية تعيشها المناطق السورية كافة في ما يخص مساعي تأمين الغاز، لافتين إلى خلافات يومية وسقوط قتلى وجرحى نتيجة التزاحم على مراكز التوزيع. وأفيد الشهر الماضي بمقتل امرأتين في حي القدم والحجر الأسود في العاصمة، دمشق، نتيجة الازدحام والعراك على أسطوانات الغاز إحداهما أرديت قتيلة عن طريق الخطأ بإطلاق النار من أحد عناصر الشرطة المكلفين الإشراف على عمليات التوزيع وتنظيم الدور.

وقد تضاعف، وبحسب خبراء اقتصاديين، سعر الغاز أكثر من 10 مرات في السوق السوداء منذ بدء الأحداث في سوريا. وفي محاولات الحكومة للحد من الأزمة، دعا وزير النفط المواطنين للاتجاه إلى استخدام الكيروسين بديلا للغاز، بينما أعلنت الحكومة موافقتها على السماح لجميع منشآت القطاع الخاص باستيراد الغاز المنزلي عبر الدول المجاورة، حفاظا على استمرارية عملها، وذلك بناء على اقتراح وزارة النفط.

إلى ذلك، شدد رئيس مجلس الوزراء، رياض حجاب، على وجوب وضع آلية عملية لتوزيع مادتي الغاز والمازوت واتخاذ أقصى الإجراءات الرادعة لمنع الاتجار غير المشروع بهما، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الجهات المحلية في المحافظات لضمان عدالة توزيعهما ووصولهما للمواطنين وموافاة المجلس بالإجراءات والحلول الناظمة لذلك خلال مدة أسبوع.

وقامت الحكومة السورية، مطلع العام الحالي، برفع سعر أسطوانة الغاز بنحو 60 في المائة ليصل إلى 400 ليرة سورية (6 دولارات أميركية) ليعادل سعر الأسطوانة في السوق الموازية في حينه، وذلك بهدف قطع الطريق أمام محتكري هذه المادة. كما لجأت إلى توزيع هذه المادة عبر قوائم اسمية متسلسلة لطالبيها الذين يحصلون على طلبهم بعد إبراز البطاقة العائلية لدى البلديات أو في مراكز خاصة بالنسبة لموظفي القطاع العام.

وفي إطار محاولاتها للحد من الأزمة، أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة قرارا خفضت بموجبه وزن أسطوانة الغاز 20 في المائة مع الإبقاء على سعرها الرسمي للتخفيف من الضغط في عملية تأمين هذه المادة.

ويرى الخبير الاقتصادي اللبناني، لويس حبيقة، أن «المشكلة الأساسية في أزمة الغاز التي تتخبط بها سوريا هي بتعثر العرض وازدياد الطلب وإمكانية تراجع الإنتاج»، مشيرا إلى أن «صعوبة توزيع المادة إلى كل المناطق السورية تزيد من حدة الأزمة في ظل تهافت المواطنين على التخزين»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الحكومة السورية تسعى جاهدة لمحاولة معالجة الأزمة، لكن يبقى لديها أولويات؛ ولعل الأمن أولاها».

وعن الإجراءات الواجب اتخاذها في حالات مماثلة، يقول حبيقة: «أولا وبغض النظر عما إذا كانت الظروف مواتية، فإن السبل لمعالجة الأزمة تكمن في تأمين المادة من ثم متابعة وصولها إلى كل المناطق، ووضع حد للمحتكرين وتقديم تطمينات للمواطنين بأن المادة متوفرة».

ويؤكد ناشطون سوريون أن كل الإجراءات التي اتخذت حتى اليوم لم تحقق أي تقدم يذكر في سياق وضع حد لارتفاع الأسعار بشكل جنوني. ويقول الموظف المتقاعد عبد الكريم لوكالة الصحافة الفرنسية: «إن قرار تخفيف وزن الأسطوانة يزيد من معاناتنا. فبينما كنا نشتري الأسطوانة مرتين شهريا سنضطر لشرائها 3 مرات»، مشيرا إلى أن ذلك يشكل «مضيعة للوقت (نتيجة ازدحام الطوابير) وتوترا إضافيا (من أجل الحصول عليه)».

بدوره يقول حسام، صاحب أحد المطاعم في مدينة جرمانا في ريف دمشق، إنه اضطر إلى إغلاق مطعمه لأيام عدة حتى يتمكن من الحصول على الأسطوانة «بسعر معقول». وأضاف: «كيف لي أن أربح إن كنت أحتاج إلى أسطوانة غاز يوميا سعرها 1800 ليرة، بالإضافة إلى المواد الأولية الأخرى التي ارتفع سعرها كذلك؟».

وكان أحد المسؤولين في مراكز توزيع مادة الغاز في دمشق، ويدعى عدنان الحكيم، قال في وقت سابق إن «حصة المدينة من الغاز انخفضت من 25 ألف أسطوانة غاز إلى 13 ألف أسطوانة يوميا، وهي كمية لا تغطي حاجتها»، مشيرا إلى وجود 9 مراكز لتوزيع الغاز تابعة لفرع دمشق توزع نحو 7 آلاف أسطوانة غاز يوميا وبمعدل 1000 للمركز الواحد، يضاف إليها 2000 أسطوانة لفرع المؤسسة الاستهلاكية في دمشق يذهب منها 1200 أسطوانة للجان الأحياء لتوزع بموجب دفتر العائلة وقوائم بالأسماء وتسلسل الدور.

وتؤكد السلطات السورية أن سبب الأزمة هو العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على سوريا واستهدفت قطاع النفط.

وتقدر حاجة سوريا من الغاز المنزلي السائل بنحو مليون طن سنويا يتم إنتاج 400 ألف طن منها محليا من المصافي ومعامل الغاز، ويتم استيراد الكمية المتبقية. وتسعى السلطات إلى تأمين الكمية من إيران والجزائر بعد أن توقف استيرادها من الغرب. وبلغت الخسارة في قطاع النفط السوري نحو 4 مليارات دولار نتيجة العقوبات التي تحظر تصدير واستيراد النفط والمشتقات البترولية.