أكثر من 100 دولة ومنظمة في مؤتمر أصدقاء سوريا بباريس غدا.. وروسيا والصين تقاطعان

المؤتمرون سيضغطون باتجاه رحيل الأسد وتطبيق خطة أنان.. ويخططون لاستخدام الفصل السابع

TT

تصل إلى باريس اليوم غالبية الوفود المشاركة في مؤتمر باريس لأصدقاء الشعب السوري الذي ينعقد على المستوى الوزاري بالمقر الثاني لوزارة الخارجية الواقع في الدائرة الخامسة عشرة، غدا الجمعة. وفي حين تصل وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي تلتقي على انفراد بعد ظهر الجمعة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والرئيس الفلسطيني محمود عباس، كما تلتقي نظراءها من الغربيين والعرب، فضلا عن الأمين العام للأمم المتحدة وأمين عام الجامعة العربية، فإن ثمة غائبين أساسيين عن الاجتماع هما روسيا والصين. وأعلنت موسكو رسميا أنها لن تشارك، بينما لم يصل جواب من الجانب الصيني وفق ما قالته مصادر فرنسية دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط»، مما يؤشر لنيتها عدم الحضور. وسبق للدولتين أن غابتا عن مؤتمري تونس في فبراير (شباط)، وإسطنبول في أبريل (نيسان) الماضيين.

ويقوم وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بزيارة إلى بكين يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، وسيكون الملف السوري أحد المواضيع الأساسية التي سيناقشها مع نظيره الصيني يانغ جياشي ورئيس الوزراء وين جياو باو. وترى المصادر الفرنسية أن موقف بكين مرتبط إلى حد بعيد بالخط الذي تسير عليه بكين.

وفي مؤتمر صحافي عقب استقبال نظيره البريطاني ويليام هيغ أمس، شدد فابيوس على أهمية حضور المعارضة السورية، دون أن يكشف عن الجهات التي ستمثلها، ورحب بالحضور قائلا: «بات من المؤكد أن تحضر اجتماع مجموعة أصدقاء الشعب السوري في باريس أكثر من 100 دولة، أي نصف العالم على الأقل».

وأوضح فابيوس أن أحد الأهداف المرجوة من المؤتمر، إلى جانب تأكيد الدعم والتأييد للمعارضة والتشديد على ضرورة توفير وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين، هو حشد التأييد لخطة المبعوث العربي - الدولي كوفي أنان المشكلة من النقاط الست، وكذلك لما أسفر عنه مؤتمر جنيف و«الورقة» التي صدرت عنه. كما حض الوزيران روسيا على الكف عن تقديم الدعم، وعدم الوقوف إلى جانب «نظام (الرئيس بشار الأسد) القاتل»، وقال هيغ إنه «على روسيا أن تدرك أننا نتجه نحو انهيار (النظام) في سوريا»، وأضاف: «حتى لو كان بوسع الرئيس الأسد ارتكاب هذا الكم من الجرائم، فإنه لن يتمكن من السيطرة على الوضع في سوريا»، مضيفا: «إنه نظام فاشل ومدان».

وقال فابيوس، من جهته، إنه يوافق على كلام هيغ، وأضاف: «ينبغي أن يدرك زملاؤنا الروس أنهم بدعمهم نظاما مدانا، إنما يقفون في الجهة المعاكسة، وإضافة إلى ذلك، يجازفون بخسارة النفوذ الذي يمكن أن يتمتعوا به في هذا الجزء من العالم. في حين لا يعارض أحد أن يكون لهم نفوذ لو استطاعوا المساعدة في إيجاد حل». وتابع: «نعرف أنه ينبغي أن نمارس كل الضغوط الممكنة على نظام بشار الأسد، القاتل»، موضحا بعيد ذلك: «نحن في صدد العمل على توسيع العقوبات».

وتسعى الدول الغربية والعربية إلى أن تخرج بنتائج من شأنها حمل الرئيس السوري على الرحيل وزيادة الضغط على النظام من أجل تطبيق ورقة أنان، إضافة إلى بحث إمكانية تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما تطالب به المعارضة السورية - ممثلة في المجلس الوطني السوري - التي تسعى لـ«حسم» الأمور، بعد ما اعتبرته «فشلا» لمؤتمر جنيف.. الأمر الذي يصل إلى حد اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية، وهو ما تعارضه موسكو والصين بقوة.

وسبق للجنة المتابعة المنبثقة عن الجامعة العربية أن اقترحت هذا الإجراء، وتلقفت باريس منذ ما يزيد على الأسبوعين مطلب الفصل السابع وحاولت تسويقه وطرحه من خلال مشاورات غير رسمية في مجلس الأمن الدولي مستعجلة إقراره. غير أن صدور ورقة جنيف، على علاتها، أدخل إلى المعادلة عاملا إضافيا، وهو الحاجة إلى إعطاء الوقت الكافي لأنان لمحاولة تفعيل وتطبيق مضمون الورقة المذكورة.

وقال وزير الخارجية البريطاني أمس إنه «إذا لم تطبق خطة أنان، فسنعود إلى مجلس الأمن الدولي»، غير أن المشكلة في موضوع دعم ورقة جنيف أن الموقف الفرنسي - العربي -الغربي منها «يفترق» عن موقف المعارضة السورية التي أجمعت على رفضها التام التفاوض مع النظام قبل رحيل الأسد عن السلطة. وذهب برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري إلى وصفها بـ«المهزلة»، كما انتقدها المعارضون الذين اجتمعوا في القاهرة.

وفي غضون ذلك، قال مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين أمس إن «سوريا ترحب بالبيان الختامي الذي صدر عن اجتماع جنيف»، داعيا إلى أن «تلتزم» الدول التي شاركت في الاجتماع وأن «تعمل بصدق من أجل حل سياسي للأزمة في سوريا»، مشيرا إلى وجود «نقاط غامضة» في البيان الختامي تحتاج إلى «إيضاح»، وذلك رغم قوله «ما دام أقر المجتمعون بأن الشعب السوري وحده هو صاحب القرار في تقرير مستقبله دون تدخل خارجي، فإن كل المسائل قابلة للنقاش على طاولة الحوار الوطني».

وأفادت مصادر واسعة الاطلاع في باريس أن موضوع تنحي الأسد ومغادرته سوريا قد بحث في جنيف، مما يناقض التأكيدات الروسية. وبحسب هذه المصادر، «سيتعين على روسيا أن تقول لنا كيف ستعمل من أجل تنفيذ مضمون ورقة وافقت عليها في جنيف»، وهي «التزمت بقيام حكومة تشكل من المعارضة وبعض النظام، وإذا لم ينجح أنان في ذلك، فما الذي ستقترحه؟».

من جهة أخرى، أكد مصدر مسؤول بالخارجية الأميركية أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون سترأس وفد بلادها في الاجتماعات، مشيرا إلى أن موقف الولايات المتحدة ثابت ولم يتغير، وهو ضرورة بدء عملية سياسية وتشكيل حكومة انتقالية لا تشمل الرئيس الأسد.

وأشارت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند إلى أن الروس أحرار في خيارهم بعدم الحضور، وقالت: «إنه خيارهم، ونعتقد أن الاجتماع مهم للغاية ويجمع مجموعة كبيرة من الدول، والباب مفتوح لهم إذا كان يريدون الانضمام»، وأضافت: «من وجهة نظرنا.. نود أن نستمر لنكون قادرين على تحقيق تقدم في الملف السوري سواء في الأمم المتحدة، أو من خلال كوفي أنان أو في مجلس الأمن وجلب المزيد من البلدان، ونحن في طريقنا لتحقيق ذلك».

وأوضحت أن العقوبات، التي أعلنت سابقا أو التي سيجري بحثها، لها تأثير كبير على النظام السوري وقالت: «ما نعرفه أن لديه (الأسد) ثروة سيادية للدولة تجعله يحافظ على آلته العسكرية واقفة على قدميها، لكن العقوبات تقلص من قدرته على الحفاظ على الدولة»، وأضافت أن «كل يوم يمر دون أن يوقف (الأسد) العنف، فإنه يضر بلاده بعدة طرق، وليس فقط بالطرق العسكرية الواضحة».

وبالنظر إلى النقطة التي وصل إليها الخلاف بين المعسكر الغربي - العربي من جانب، وروسيا والصين ودول وأطراف أخرى من جانب آخر، يبدو أن نتائج مؤتمر باريس «لن تكون ثورية» وفق تعبير سفير عربي معتمد لدى فرنسا. وبرأيه أنه كان من «الأجدى» تأخير انعقاد المؤتمر ليتبين ما ستحدثه ورقة جنيف من تعديلات على مواقف المعسكرين ولمعرفة ما إذا كان سيكون لها تأثير «على الأرض».

يأتي ذلك، في الوقت الذي أعلن فيه نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أمس أن روسيا لا تبحث مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد مع الولايات المتحدة، وذلك إثر المعلومات الصحافية التي أفادت أن واشنطن تحاول إقناع موسكو بمنح الرئيس السوري اللجوء السياسي.

وأضاف ريابكوف لوكالة «إنترفاكس» الروسية: «لقد شرحنا موقفنا أكثر من مرة: مسألة السلطة في سوريا يجب أن يقررها الشعب السوري. والخطط المطروحة، خاصة عندما تكون مفروضة من الخارج، لا يمكن إلا أن تسيء للوضع».

تأتي هذه التصريحات بعدما نشرت صحيفة «كومرسانت» الروسية أمس معلومات مفادها أن الغربيين يحاولون إقناع موسكو بمنح اللجوء السياسي للرئيس السوري، بعد أربعة أيام على الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه في جنيف حول مبادئ الانتقال السياسي في سوريا.

وكتبت الصحيفة نقلا عن مصدر دبلوماسي روسي إن «الدول الغربية؛ وفي مقدمتها الولايات المتحدة تحاول إقناع موسكو باستقبال الرئيس السوري ومنحه اللجوء السياسي»، لكن المصدر أضاف: «ليس لدينا مشاريع لاستضافة الأسد، كما لم يكن لدينا مثل هذه الخطة».

ونقلت الصحيفة عن مصدر آخر مقرب من الكرملين قوله: «نحن لا ندافع عن الأسد شخصيا»، وأضاف أن «الرئيس السوري أهدر الوقت. وفرص بقائه في السلطة ليست قوية وتقدر بـ10%. ونحن لسنا ضد المعارضة السورية، لكننا نعارض التدخل المسلح الخارجي في سوريا».

وفي المقابل، نفت الخارجية الأميركية وجود أي مناقشات حول منح الأسد حصانة من الملاحقة القضائية أو بحث توفير ملاذ آمن له، وأكدت أن واشنطن ليس لها أن تقرر مصير الأسد، لكنها أوضحت أن مغادرته البلاد ستكون من مصلحة سوريا بشكل واضح.