مؤتمر باريس لمجموعة أصدقاء الشعب السوري يريد تغليب «القراءة الغربية» لورقة جنيف

قرارات عملية سيخرج بها المؤتمرون.. والمغرب الأكثر ترجيحا لاستضافة المؤتمر القادم

وزير الخارجية الفرنسي لورون فابيوس ونظيره التركي أحمد داود أوغلو لدى وصولهما لمؤتمر صحافي عقداه أمس بباريس على هامش اجتماع أصدقاء سوريا الذي يعقد اليوم (أ.ب)
TT

يبدو أن أول أهداف مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في باريس الذي يلتئم اليوم في العاصمة الفرنسية، وفق ما قالته مصادر دبلوماسية غربية في العاصمة الفرنسية، تغليب قراءة «ورقة جنيف» التي تقول إن عملية الانتقال السياسي في سوريا «لا يمكن أن تتم إلا مع رحيل (الرئيس) بشار الأسد وأركان نظامه عن السلطة».

وبحسب هذه المصادر، فإن المؤتمر سيظهر أن هناك ما لا يقل عن مائة دولة تفهم ورقة جنيف التي تدعو إلى تشكيل حكومة مشتركة ومختلطة من المعارضة وأفراد من الحكومة الحالية على هذا النحو، وهو «ما من شأنه تشكيل عامل ضغط إضافيا على روسيا والصين» اللتين لا تقبلان هذا التفسير.

وترى هذه المصادر أن اجتماع أكثر من مائة دولة ومنظمة في هذا المؤتمر، الثالث من نوعه (بعد تونس واسطنبول) يعكس حجم «التعبئة» الدولية ويشكل «رسالة دعم قوية» للمعارضة بمختلف مشاربها التي سيكون تمثيلها واسعا في باريس. وسيدين المؤتمر مجددا وبقوة استمرار أعمال العنف وقمع النظام إلى جانب توجيه رسالة ستكون بمثابة ورقة ضغط عليه باتجاه دفعه نحو الرحيل وقبول تنفيذ مبادرة المبعوث الدولي - العربي ذات النقاط الست و«ورقة جنيف» التي هي الترجمة الفعلية العملية للمبادرة. ويرجح أن يدعو المؤتمرون إلى نقل الملف مجددا إلى مجلس الأمن الدولي بغرض استصدار قرار منه تحت الفصل السابع مما يجعل تنفيذ المبادرة «إلزاميا» تحت طائلة فرض عقوبات.

وإلى جانب البعد السياسي للمؤتمر، فإنه سيخرج، وفق ما أفادت به مصادر فرنسية متابعة لعملية التحضير، بـ«قرارات عملية» تتناول المساعدات التي ستقدم للمعارضة والمدنيين وسبل إيصالها. ويهدف المؤتمرون إلى السعي لتوسيع دائرة الدول التي تفرض عقوبات مالية واقتصادية ودبلوماسية على النظام السوري، وتعميم تلك التي اتخذها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والدول العربية والعديد من الدول الأخرى مثل كندا وأستراليا واليابان وسويسرا.. وبالمقابل، تغيب بكين وموسكو عن المؤتمر كما غابتا عن المؤتمرين السابقين.

وبينما يحضر وزراء خارجية الدول الغربية الكبرى (الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا)، والعربية (مصر، والمغرب، وقطر، و...)، فإن دولا أخرى ستمثل على مستويات أخرى. وانتدبت السعودية الأمير عبد العزيز بن عبد الله، نائب وزير الخارجية. وقالت المصادر الفرنسية إن نحو خمسين وزير خارجية سيحضرون المؤتمر الذي سينتهي بالإعلان عن «الخلاصات» التي هي بمثابة مقررات تعاقدية بين الدول المجتمعة.

وشددت المصادر الفرنسية على أهمية حضور المعارضة السورية بجناحيها السياسي والمجتمع المدني. غير أن الغائب الأكبر، سوريًّا، هو الجيش السوري الحر. وبررت باريس ذلك بالقول إن المؤتمر «سياسي» لكن سيكون هناك تواصل معه عبر أطراف سوريا حاضرة.

ودشن وزير الخارجية لوران فابيوس أمس في المقر الثاني للوزارة الكائن في الدائرة الخامسة عشرة من باريس حيث سيعقد المؤتمر «بيت الشعب السوري» المكرس للمجتمع المدني وهيئاته والذي سيكون، يوم انعقاد المؤتمر، بمثابة «واجهة» للتواصل مع شرائح المجتمع السوري. ودعت باريس ما لا يقل عن 130 سوريا من مختلف الفئات السياسية والاجتماعية للحضور مع تركيز خاص على الشباب. والأهم من ذلك أن باريس دعت كل الأطراف التي تتشكل منها المعارضة في الداخل والخارج. وسيتعاقب على الكلام عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري، وريما فليحان الناطقة باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر القاهرة، وممثل عن لجان التنسيق المحلية التي «سيكون صوتها مسموعا» ومجموعة من شباب الداخل. كما سيستمع المؤتمرون لـ«شهادات» مسجلة من الداخل.

ويدير وزير الخارجية الفرنسي أعمال المؤتمر الذي يفتتحه صباحا الرئيس فرنسوا هولاند. وحتى الساعات الأخيرة، دارت اتصالات واسعة لتحديد الدولة التي ستستضيف المؤتمر الرابع. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن المغرب هو الأكثر ترجيحا لاستضافته باعتبار أن المغرب عضو حالي في مجلس الأمن الدولي. فضلا عن ذلك، ثمة توافق على ضرورة إظهار دور الجانب العربي وموقعه في مجموعة أصدقاء الشعب السوري. واقترحت بداية الولايات المتحدة كدولة مضيفة، قبل أن يصرف النظر عنها لصالح المغرب.

ويواجه المؤتمر «صعوبة» في كيفية التوفيق بين الدعم المعلن لورقة جنيف من جانب وتحفظات المعارضة السورية عليها من جهة أخرى، وهي التي ترى فيها فرصة إضافية للنظام لكسب الوقت والاستمرار في العنف والقتل. وبحسب المصادر الفرنسية، فإن المعارضة السورية «غير مطلوب منها أن توقع على أي شيء»، وأنها «حرة في التعبير عن آرائها ومواقفها». لكن يفهم من تشديد هذه المصادر على القراءة الغربية لورقة جنيف، أي على رحيل الأسد، أنها مسعى للتخفيف من حدة تحفظات المعارضة، إذ إن هذه القراءة تتلاقى جزئيا مع ما تطلبه، أي رحيل الأسد وسقوط نظامه. ونقطة الخلاف تبقى التوقيت، حيث تطالب المعارضة بتنحي الأسد وأركان نظامه من أجل البدء في العملية السياسية، مما يتمايز عن طرح الغربيين الذين لا يفرضون هذا الشرط. وذهب بعضهم إلى اعتبار أن العواصم الغربية تريد من التشديد والإصرار على فهمها لورقة جنيف «تصحيح» الخلل الكامن فيها لجهة أنها لا تنص صراحة على رحيل الأسد. وبحسب مصادر حضرت مداولات جنيف، فإن وزيرة الخارجية الأميركية هي التي تفاوضت مع نظيرها الروسي سيرغي لافروف على النص الذي تم تبنيه في النهاية رغم معارضة باريس ولندن.

وبخصوص الموقف الروسي من النظام السوري، قالت المصادر الغربية إن المناقشات التي أجرتها مع دوائر عسكرية وسياسية روسية تبين بداية «تحولا» في موقف موسكو، حيث تبرز «تحليلات لم تكن تسمع منهم من قبل» حول مسار الأمور في سوريا وقدرة الأسد على العودة للإمساك بالوضع. وتتساءل هذه المصادر عن الفترة الزمنية الضرورية لتتحول «القناعات الروسية الجديدة» لجهة قدرة النظام السوري على البقاء وقدرته على ضمان المصالح الروسية على المدى البعيد إلى «خيارات سياسية». ففي السابق، كانت موسكو ترى في الأسد الضامن لمنع «الفوضى الإسلامية» من التمدد إلى القوقاز الروسي. لكن هذه القناعة أخذت تتلاشى، فضلا عن أن لموسكو مصالح في العالم العربي وهي لا تريد خسارتها، الأمر الذي يعني أن موسكو ستعيد النظر في سياستها «لأن النظام أخذ يتحول عبئا عليها ولم يعد الضامن لمصالحها».

وتترافق هذه القراءة الجديدة مع ما تراه هذه المصادر من بداية تحولات «ميدانية»، حيث فشلت خطة النظام العسكرية في إعادة إحكام الطوق على البلاد انطلاقا من دمشق وريفها وامتدادا إلى المنطقة الوسطى ثم المنطقة الشمالية الغربية. وتؤكد هذه المصادر أن ثمة مناطق غاب عنها نهائيا حضور أجهزة النظام الأمنية، مما يعني أن النظام يخسر ميدانيا ويفقد سيطرته على الأرض، مما يؤشر لبداية تحول في الميزان العسكري. وكل هذه العوامل من شأنها أن تحث موسكو على إعادة تقويم الوضع واستخلاص العبر منه.