المخابرات السورية تعذب وتقتل طبيبا لاشتباهها في زيارة قام بها لأميركا لحضور مؤتمر طبي

شقيق القتيل: قاموا بثقب جمجمته وهو على قيد الحياة

TT

يبلغ صخر حلاق 43 عاما، ويدير عيادة ناجحة متخصصة في علاج اضطرابات الطعام في مسقط رأسه بسوريا، وقام بزيارة إلى الولايات المتحدة الأميركية لحضور مؤتمر طبي. وقبل أن يعود إلى بلده، دخل هلاك في نقاش مع شقيقه حول الاضطرابات التي تجتاح وطنهم الأم سوريا. وحاول صخر التمتع بكل لحظة أثناء رحلته الأولى إلى الولايات المتحدة الأميركية في العام الماضي، حيث قام بزيارة شقيقه المقيم في فيلادلفيا، ثم زار ساحة «تايمز سكوير» في نيويورك وميامي بيتش.

وقال شقيقه: «أكد لي أنه ليس هناك ما يدعو للقلق عليه»، وبعدها بأسابيع قليلة، تم العثور على جثة هلاك ملقاة خارج حلب، وعليها آثار تعرضه للتعذيب المبرح.

فعندما عاد صخر حلاق، وهو مسلم سني، إلى سوريا عقب زيارته للولايات المتحدة الأميركية في العام الماضي، لم تسر الأمور كما كان مخططا لها، حيث يؤكد شقيقه حازم أنه قد تم اعتقاله لفترة وجيزة في المطار وتم إخباره بضرورة مراجعة مقر المخابرات العسكرية في مسقط رأسه في حلب.

وفي يوم 23 مايو (أيار) عام 2011، قام عملاء المخابرات العسكرية باستجوابه حول زيارته للولايات المتحدة الأميركية وعن المؤتمر الطبي الذي حضره هناك والأشخاص الذين التقى بهم وسبب ذهابه إلى هناك من الأساس.

وفي اليوم التالي، عاود حلاق الذهاب إلى مقر الاستخبارات العسكرية للإجابة عن المزيد من الأسئلة، حيث أكد لعائلته أن هذا الأمر إجراء روتيني. وفي يوم 25 مايو، تم استدعاء حلاق، وهو أب لطفلين وكان في انتظار الطفل الثالث، للاستجواب مرة أخرى، وقبل خروجه من المنزل طلب من والدته الدعاء له.

لم يعد حلاق إلى منزله في هذه الليلة، وبدأ القلق يساور عائلته حول هذا الأمر. وفي صبيحة يوم الخميس، قام أحد أصدقائه المقربين بالاتصال بمقر الاستخبارات العسكرية وتمكن من التحدث مع حلاق، الذي أكد له أنه بخير.

وبعد فترة وجيزة، قام حلاق بنشر صورة تحتوي على بعض الزهور على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، ثم قام بإرسال رسالة تحية إلى الكثير من أصدقائه، حيث كانت هذه هي الرسالة الأخيرة التي تلقاها أي شخص من حلاق.

وفي اليوم التالي، شاهد شخص على دراجة نارية زوجا من الأحذية في قاع خليج جاف يبعد نحو 15 ميلا خارج حلب، وعندما ذهب ليلقى نظرة فاحصة على الأمر، وجد جثة رجل غارق في الدماء.

أكد تقرير التشريح الرسمي أن حلاق قد لقي حتفه شنقا، مما قد يوحي بأنه قد أقدم على الانتحار، ولكن الأطباء الآخرين الذين كانوا موجودين في مكان الحادث لاحظوا آثار تعذيب مفزعة على الجثة، فضلا عن وجود كثير من الكسور في الذراعين والأصابع والضلوع وكدمات كثيرة جراء الضرب، بخلاف اقتلاع العينين. كانت هناك أيضا بعض الدلائل الأخرى في الجثة التي تؤكد تشويه أعضائه التناسلية، فضلا عن وجود ثقوب متعددة في جمجمته. يقول حازم هلاك، شقيق القتيل: «لقد قاموا بثقب جمجمته بينما كان لا يزال على قيد الحياة»، مضيفا: «يا لها من طريقة مروعة للموت».

وحتى الوقت الحالي، تؤكد عائلة صخر حلاق أنهم ليس لديهم أدنى فكرة عن سبب مقتله، حيث أشاروا إلى أنه لم يكن ناشطا سياسيا ولم تربطه أي علاقات مع المعارضة.

تم لف جثمانه في كفن أبيض اللون لتغطية آثار التعذيب قبل السماح لأسرته برؤيته، ثم قام ضابطان من الشرطة بمرافقة أفراد العائلة أثناء عملية الدفن، حيث أصرا على دفن الجثة في نفس اليوم. وضعت زوجة حلاق طفلة بعد مضي أسبوعين فقط على مقتله، بينما يقول حازم حلاق: «إنه أمر لا يطاق. لم أعتقد يوما أن مثل هذا النوع من التعذيب موجود في الواقع».

ويوم تلو آخر، تتزايد أعداد القتلى في سوريا، حيث أشارت عناوين الصحف إلى مقتل العشرات من الرجال والنساء والأطفال عن طريق الرمي بالرصاص أو الطعن بأسلحة حادة في المجزرة التي شهدتها بلدة الحولة، أو حتى مقتل عائلات بأكملها في مجزرة بلدة القبير.

وخلاف هذه الأرقام، يولي المجتمع الدولي القليل من الاهتمام بهؤلاء الأفراد الذين فقدوا حياتهم فيما يصفه مسؤولو الأمم المتحدة بالحرب الأهلية الدائرة في سوريا.

وتحدث معظم عمليات القتل بعيدا عن أعين العالم، حيث أصبحت سوريا، بكل المقاييس، أكثر الأماكن خطورة في العالم بالنسبة للصحافيين، حيث تأتي الغالبية العظمى من التغطية الإعلامية الدولية للصراع المستعر في البلاد من خارج الحدود السورية. وفضلا عن ذلك، قام مراقبو الأمم المتحدة في سوريا بتجميد مهمتهم في البلاد نظرا للمخاطر المتزايدة التي يواجهونها هناك.

لا يعرف أي شخص على وجه الدقة العدد الدقيق للقتلى في سوريا، ولكن واحدة من أكثر الإحصائيات تحفظا تشير إلى أن الحصيلة الإجمالية للقتلى في البلاد قد زادت على 14000 قتيل، بينما تؤكد إحصائيات أخرى أن الرقم يزيد على 18000 قتيل. ومن بين بلدان منطقة الشرق الأوسط التي عصفت بها الثورات الشعبية، يبدو أن سوريا في طريقها لكي تكون أكثر بلدان الربيع العربي دموية.

لم يسلم أي فصيل، في هذا البلد الذي يحتوي على خليط متنوع من الجماعات العرقية والطائفية، من تبعات أحداث العنف التي تشهدها البلاد، حيث فقدت الأسر المسلمة السنية والعلوية والكردية والدرزية والمسيحية المنتشرة في شتى أنحاء البلاد بعضا من أفرادها. يبدو أن الوضع في سوريا يزداد سوءا باستمرار، حيث يبحث زعماء العالم بصورة بائسة عن حلول، تظل بعيدة المنال، للوضع في سوريا منذ اندلاع الثورة الشعبية في البلاد ضد الرئيس بشار الأسد منذ أكثر من 15 شهرا.

ويقول رضوان زيادة، وهو زميل بارز بـ«معهد الولايات المتحدة للسلام» ومدير «مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان»، وهي جماعة غير هادفة للربح: «في كل مرة نقول فيها إن هناك نقطة تحول في الأحداث، يظل المجتمع الدولي ساكنا دون حراك»، مضيفا: «سوف يستمر الوضع في التدهور في البلاد حتى يقرر المجتمع الدولي اتخاذ الإجراءات اللازمة».

وفي هذه الأثناء، يستمر الصراع في حصد المزيد من أرواح الضحايا بصورة يومية، حيث تم قتل دلال عوف (15 عاما) وطالبة في المدرسة الثانوية وتحب الرسم، وأحمد صديق، وهو إمام موالٍ للحكومة ظل يلقي خطبا مناهضة للمعارضة حتى لقي حتفه رميا بالرصاص في عمر 36 عاما، وباسيليوس نصار، وهو قس مسيحي كان يبلغ من العمر 30 عاما وكان يقوم بتدريس الموسيقى البيزنطية.

واعتمادا على بعض المقابلات التي أجريناها مع أصدقاء وأقارب هؤلاء الضحايا الثلاثة، فضلا عن أربعة ضحايا آخرين، قامت صحيفة «واشنطن بوست» بتجميع بعض المعلومات المختصرة عن كل واحد منهم. تم التحقق من ظروف وفاة كل واحد منهم من خلال تقرير صادر عن «مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان» و«الشبكة السورية لحقوق الإنسان»، حيث تقوم المنظمتان بتوثيق أحداث العنف في سوريا، نظرا لتمتعهما بشبكة اتصالات واسعة في البلاد.

تعتبر الإحصائيات التي تصدر عن كلتا المنظمتين بمثابة النافذة على البعد الإنساني لهذا الصراع الذي تعد فيه أسماء القتلى وتفاصيل حياتهم مألوفة فقط لأحبائهم الذين سبقوهم إلى القبور.

* خدمة «واشنطن بوست»