تونس: تجاوز الأزمة بين الحكومة والرئاسة حول تسليم البغدادي لليبيا

المرزوقي دعا إلى استخلاص النتائج لتفادي هزات أخرى

TT

سيطر الخلاف بين مؤسستي رئاسة الحكومة بقيادة حمادي الجبالي ورئاسة الجمهورية التي يشغل منصبها المنصف المرزوقي، على المشهد السياسي خلال الفترة التي تبعت تسليم البغدادي المحمودي، آخر رئيس وزراء في عهد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، في 24 يونيو (حزيران) الماضي. وظهر المرزوقي في مظهر من لم يعلم بتاريخ التسليم واعتبر الأمر تعديا على صلاحيات الرئيس واستنجد بأعضاء المجلس التأسيسي للبت في ما اعتبره تجاوزا لصلاحياته حسب القانون المنظم للسلطات (الرئاسات الثلاث). وردت رئاسة الحكومة في حينها بأن الخلاف بين الطرفين لا يمس جوهر الموضوع ممثلا في تسليم البغدادي بقدر ما يتجه نحو توقيت التسليم الذي فرضته آليات أمنية معقدة. وقدم المرزوقي نفسه في هذه العملية في مظهر الضحية، وحاول بكل الطرق إنقاذ ما يمكن إنقاذه لمؤسسة الرئاسة التي فقدت الكثير من بريقها باعتبار كونها معدلة للسلطات وقوتها ذات طبيعة رمزية خلال فترة الانتقال الديمقراطي الذي تشهده تونس.

وأكد خبراء ومتابعون للوضع السياسي أن المرحلة تتطلب الكثير من الدراية السياسية والحنكة في التعامل مع مجموعة من الملفات الشائكة على غرار مسألة الهوية وحرية المرأة وفض مشاكل التنمية والتشغيل وهو الدور الذي حاول المرزوقي لعبه خلال الفترة الماضية.

وبالنسبة لموضوع تسليم البغدادي المحمودي، فقد عرض الملف منذ البداية على أساس أنه من صلاحيات رئاسة الجمهورية، وتناول الإعلام التونسي المسألة من باب ضرورة إمضاء الرئيس لحصول التسليم إلى الطرف الليبي وكيف امتنع فؤاد المبزع الرئيس التونسي السابق عن الإمضاء وانتظرت كل الأطراف إمضاء المرزوقي على قرار التسليم حتى يصبح ساري المفعول. إلا أن المرزوقي الذي ترأس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي لا تزال النظرة الحقوقية تسيطر على أدائه بعد ارتقائه إلى سدة الرئاسة وصرح أكثر من مرة بأن تسليم المحمودي البغدادي لن يتم إلا في ظل توافر الظروف المناسبة لمحاكمة عادلة في ليبيا.

لكن حكومة حمادي الجبالي نظرت إلى الأمر نظرة براغماتية وتعاملت مع الملف بصفة عملية وحسمته في لحظات، فقد تكونت لجنة حقوقية للغرض وأرسلتها إلى ليبيا وبنت عليها القرارات اللاحقة واتخذت القرار بتجاوز هذا الملف الذي قد يوفر مصدرا للتوتر الأمني مع الجارة الشرقية، على حد تصريح الجبالي. ورأت بعض الأطراف في تسليم البغدادي تقديم دعم قوي لإسلاميي ليبيا في الانتخابات. ولم يجد المرزوقي من مناص إلا التوجه إلى التونسيين لتفسير حقيقة ما جرى بعد أن سرى السؤال ملحا هذه المرة هل كان الرئيس يعلم أم أنه لم يكن على دراية مما جرى وأن القرار قد اتخذ في غفلة منه صباحا ويوم الأحد (العطلة الأسبوعية في تونس)؟

وقال بلقاسم حسن، الأمين العام لحزب الثقافة والعمل، لـ«الشرق الأوسط»، إن الخلاف بين الطرفين «لا يمس جوهر العمل بين الرئاستين، فكلاهما مضطر للتعايش مع الطرف الآخر، وليس من صالح أحدهما ترك الآخر في منتصف الطرف بعد الاتفاق منذ ما قبل إجراء انتخابات المجلس التأسيسي على تكوين الائتلاف الثلاثي الذي سيقود البلاد بعد الإعلان عن نتائج تلك الانتخابات».

واعتبر بلقاسم أن المرزوقي قد أبدى من خلال الخطاب الذي بثته التلفزة التونسية تفهما لما جرى، وهو على حد رأيه تفاعل إيجابي يسعى إلى قطع الطريق أمام الأطراف المتربصة بالائتلاف الثلاثي الحاكم. وقال إن العلاقات بين الرئاستين ستتجه نحو التفاهم وإعادة بناء التحالف السياسي أكثر من السعي نحو التصعيد خلال الفترة المقبلة.

وكان المرزوقي قد صرح في خطاب بثه التلفزيون الرسمي مساء أول من أمس «في مصلحة استقرار البلاد، اعتبر أننا تجاوزنا هذه الأزمة، لكن يجب استثمارها باستخلاص النتائج لتفادي هزات أخرى». وخفف من حدة الخلاف بالقول إن أربعة وزراء في حكومة الجبالي قدموا له «اعتذارات» وإن المغامرات السياسية لا أحد يدري أين يمكن أن تقود البلاد. وضخم المرزوقي، حسب المتابعين، عمدا ملف حقوق الإنسان وخاصة في ما يتعلق بحق اللجوء أو حق الرأي والتعبير والمعتقد واللباس، وهو يدرك أن تلك الملفات لا تزال تؤرق قسما كبيرا من التونسيين.

إلا أن ما قاله المرزوقي قد لا يكون أقنع أغلبية التونسيين، وفي هذا السياق، قال عادل الشاوش، عضو المكتب السياسي لحركة التجديد من الأقلية المعارضة، إن مؤسستي الرئاسة لم تتمكنا من تجاوز الخلاف كما أراد المرزوقي من خلال الخطاب الذي ألقاه في التونسيين. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن خطاب المرزوقي حمل في طياته شروطا للتجاوز على غرار عرض صلاحيات رئاسة الجمهورية من جديد على أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان).

واعتبر الشاوش أن «مؤسسة الرئاسة خسرت نقاطا كثيرة بعد ظهور الخلاف بين الطرفين»، وتابع بأنها «فقدت دورا هاما ممثلا في كونها مؤسسة شرفية وتحكيمية بالأساس»، لكنه أضاف أن «الأمر الإيجابي الوحيد في كلمة المرزوقي يتمثل في تأكيده الحوار الوطني، إلا أن ذلك لا يخفي في كل الحالات تراجع أهمية مؤسسة الرئاسة في عيون التونسيين، والدليل قلة اهتمام التونسيين بالخطاب والمتابعة القليلة لما احتواه».