الانتخابات الليبية: تجاوزات في بنغازي وأفراح في طرابلس.. في أول اقتراع منذ 60 عاما

رئيس الوزراء الليبي لـ «الشرق الأوسط»: نجحنا في الامتحان الصعب رغم التجاوزات الأمنية

ليبيون يحتفلون في شوارع العاصمة أمس في أول انتخابات تاريخية تشهدها البلاد.. بينما يمزق ليبي أوراق الاقتراع في بنغازي (أ.ب) (أ.ف.ب)
TT

عاش الليبيون، أمس، يوما تاريخيا مشهودا وسط مشاعر مختلطة تراوحت بين الفرح والتوتر الأمني، حيث توجهوا اعتبارا من صباح أمس إلى صناديق الاقتراع في أول انتخابات برلمانية منذ نحو 6 عقود وبعد نحو 10 أشهر فقط من الإطاحة بنظام العقيد الراحل معمر القذافي ومقتله في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي مؤشر قوي على الإقبال الجماهيري على المشاركة في الانتخابات، قال نوري العبار، رئيس المفوضية العليا للانتخابات، إن عدد الناخبين الذين شاركوا في الانتخابات وصل حتى الرابعة من عصر أمس إلى نحو مليون و200 ألف ناخب، متوقعا أن يقفز العدد بشكل كبير قبل إغلاق مراكز الاقتراع.

ومع تنافس 3702 مرشح وأكثر من 100 حزب، تبدو التوقعات صعبة، لكن 3 من الأحزاب تعتبر الأوفر حظا وهي: إسلاميو حزب العدالة والبناء المنبثق من الإخوان المسلمين، وإسلاميو الوطن الذين يتزعمهم القائد العسكري السابق المثير للجدل في طرابلس عبد الحكيم بلحاج، والليبراليون المنضوون في تحالف أطلقه رئيس الوزراء السابق للمجلس الانتقالي (الحاكم) الدكتور محمود جبريل.

من جهته قال رئيس الوزراء الليبي، عبد الرحيم الكيب، لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات خاصة عبر الهاتف: «الحمد لله.. الآن العملية الانتخابية تسير كما خطط لها من قبل الله سبحانه وتعالى أولا، ثم الفريق الذي يعمل على التخطيط الاستراتيجي في الحكومة بالتوافق مع المجلس الانتقالي والمفوضية العليا للانتخابات ووزارة الداخلية ورئاسة الأركان والجهات المعنية».

وأضاف أن الأمور تسير بشكل طيب، وقال: «لا شك أن هناك بعض المسائل التي حصلت وكادت تكدر صفو هذه الانتخابات، لكن الحمد لله، إجمالا الأمور تسير بشكل جيد». وقال عن توقعاته بالنسبة لمعدلات التصويت ومستوى إقبال الناخبين: «أنا تحركت في عدد لا بأس به من مراكز الاقتراع ووجدت عددا كبيرا من الناخبين والناخبات، وهناك إقبال كبير جدا على مراكز الانتخابات.. هذه أول مرة تجرى الانتخابات منذ أكثر من 42 عاما، ونحن نشعر بكل تواضع ولكن بكل فخر أن الامتحان الأول في هذه الأمور يظهر أننا نستطيع أن ننجح في أمور أكثر منها».

ومضى الكيب قائلا: «نعم حدثت بعض الأشياء التي كادت تكدر صفو الانتخابات ولكن قدر الله لها أن لا تنجح، وجهود الإخوة المخلصين في المجتمع المدني وأئمة المساجد والمشايخ ورجالات هذا الوطن وأصحاب الحل والعقد فيه كلهم أسهموا في أن تسير الأمور على ما يرام».

وكشف الكيب النقاب عن تصدي السكان المحليين وممثلي المجتمع المدني لمحاولات إغلاق مراكز اقتراع في عدة مدن ليبية، كما حدث في بنغازي. وأضاف: «على سبيل المثال في مدينة المرج كانت هناك محاولات، أمس، لإغلاق بعض مراكز الاقتراع، لكن خرج الأهالي بشكل تلقائي، وعفوية الشعب الليبي أصبحت تظهر من خلال مواقف جدية ولا يمكن أن يتوانى فيها، فخرج أهالي الشهداء وممثلو المجتمع المدني وأحبطوا هذه المحاولة».

وبينما عاشت بعض المراكز الانتخابية في بنغازي، ثاني أكبر المدن الليبية ومهد الانتفاضة الشعبية ضد القذافي، أجواء من التوتر الأمني، حيث وقعت عدة محاولات للاعتداء على مراكز الاقتراع، فإن الانتخابات في العاصمة طرابلس تمت من دون أي تجاوزات تذكر، كما هو حال بقية المدن الليبية الأخرى.

ووقعت عدة تجاوزات في المنطقة الشرقية من قبل مسلحين مجهولي الهوية بالإضافة إلى بعض أنصار الفيدرالية، لكنها لم تؤثر في المجمل على سير العملية الانتخابية. وقال شهود عيان وناشطون سياسيون ومراقبون دوليون إن محتجين اقتحموا بعض المقار الانتخابية المتناثرة في بنغازي بعد قليل من بدء التصويت وأحرقوا علانية المئات من بطاقات الاقتراع؛ في مسعى لتقويض مصداقية الانتخابات.

وبينما تحدث عامل محلي في مفوضية الانتخابات عن سرقة صناديق للاقتراع من مقرين انتخابيين آخرين في بنغازي، قال إسماعيل المجبالي، وهو مسؤول محلي في مفوضية الانتخابات، إن رجلا أصيب بالرصاص في ذراعه عند مقر آخر هاجمه محتجون. وأضاف أن آثار الدماء جراء الهجوم لا تزال على الأرض، ونقل الرجل إلى المستشفى.

ولم يفتح عدد من مكاتب التصويت أبوابه أيضا بسبب عراقيل تسبب فيها ناشطون من دعاة الفيدرالية (في شرق ليبيا) يطالبون بتوزيع أفضل لمقاعد المجلس بين المناطق، حيث قال مسؤولون محليون إن مكاتب التصويت المعنية موجودة في أجدابيا التي تبعد 60 كيلومترا جنوب غربي بنغازي، وفي مدينتي جالو وأوجلة جنوب شرقي ليبيا.

ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن شهود عيان قولهم إن 5 مراكز اقتراع متفرقة تابعة للدائرة الانتخابية الثالثة في بنغازي تعرضت لأعمال نهب وسلب وتخريب من قبل مجموعات تخريبية مسلحة، مشيرة إلى أن أهالي بنغازي سارعوا لمساندة الأجهزة الأمنية التي تمكنت بدورها من إلقاء القبض على عدد من هذه المجموعات التخريبية، بينما تمركز بعض الأهالي عند مراكز الاقتراع لحمايتها من أي تهديدات مماثلة.

واعترف مسؤول محلي في طبرق بالمنطقة الشرقية بأن هناك مركزا انتخابيا واحدا فقط تعرض للاعتداء من قبل بعض الأشخاص ذوي التوجه الفيدرالي الذين حاولوا عرقلة سير العملية الانتخابية من خلال حرقهم بعض صناديق الاقتراع، إلا أن المواطنين تصدوا لهم وأفشلوا محاولتهم.

وحال مسلحون، لم يعرف بعد الجهة التي ينتمون إليها، دون إجراء الانتخابات في عدة مدن وقرى نائية، كما أتلفوا صناديق الاقتراع وأطلقوا الأعيرة النارية في الهواء لترهيب الناخبين من دون أن تتدخل قوات الشرطة والجيش المكلفة أساسا تأمين الانتخابات.

وانتشر القلق أيضا في مدينة الكفرة بالجنوب المعزول، حيث حالت الاشتباكات القبلية الشرسة التي وقعت مؤخرا دون تمكين مراقبي الانتخابات من زيارة مقار اللجان. وفي سرت، مسقط رأس القذافي، غلب مزاج غير إيجابي تجاه الانتخابات؛ حيث قال البعض إنهم لن يشاركوا في التصويت.

وطبقا لما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات فإن نحو 100 مركز انتخابي من إجمالي 1554 مركزا لم تفتح بسبب أعمال تخريب حصلت، خصوصا في المنطقة الشرقية. وقال نوري العبار، رئيس المفوضية، في مؤتمر صحافي، إن «94 في المائة من مراكز الاقتراع فتحت أبوابها»، موضحا أن العملية الانتخابية بدأت في 1453 مركزا من إجمالي 1554. وأضاف أن «بعض مراكز الاقتراع لم تفتح لأسباب أمنية، ولم يتسن إرسال مستلزمات الانتخاب إلى مناطق أخرى».

وفي مواجهة هذا الوضع أعلن العبار أنه بإمكان الناخبين الذين لم يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم في المراكز المسجلة أسماؤهم بها لأسباب أمنية عليهم التوجه إلى أقرب مركز انتخابي لممارسة حقهم الانتخابي، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات تشمل عددا من المراكز في مدينة بنغازي بالإضافة إلى عدد من المدن الأخرى التي حدثت بها خروقات أمنية.

وبعيدا عن أجواء التوتر في المنطقة الشرقية، توافد آلاف المواطنين على الشوارع والميادين العامة في العاصمة، طرابلس، للتعبير عن فرحتهم وابتهاجهم بهذه المناسبة، فقد شهدت المدينة مسيرات عفوية تحمل الأعلام الوطنية، بينما صدحت مكبرات الصوت المتنقلة بالأناشيد.

ومن المنتظر أن يتخلى المجلس الانتقالي برئاسة المستشار مصطفى عبد الجليل وحكومته المؤقتة برئاسة الكيب، عن السلطة بعد إعلان النتائج واختيار رئيس للبرلمان الذي سيكون من أولى مهامه تشكيل حكومة مؤقتة لتسيير البلاد، وإنجاز دستور بعد الاستفتاء عليه من قبل الشعب وصولا إلى الانتخابات العامة.

ويملك المرشحون الإسلاميون فرصا أكبر بين المرشحين البالغ عددهم أكثر من 3700 مرشح، وهو ما يشير إلى أن ليبيا ربما تكون ثالث دولة في ما يعرف بـ«دول الربيع العربي» بعد مصر وتونس التي تفرض الأحزاب الإسلامية نفسها على السلطة بعد الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة العربية العام الماضي.

وبينما يقول محللون إنه من الصعب التنبؤ بشكل الجمعية الوطنية، فإن أحزابا ومرشحين من ذوي توجهات سياسية بعينها يهيمنون على المشهد، بينما يترشح عدد قليل من العلمانيين.

ومن المتوقع أن يبلي حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، بلاء حسنا، وكذا حزب الوطن الذي يتزعمه المعتقل السابق لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية عبد الحكيم بلحاج.

لكن نشطاء ليبيين يأملون في المقابل أن يحقق التحالف الليبرالي الذي يقوده جبريل، الرئيس السابق للمكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي، فوزا كبيرا يحرم الإسلاميين من الاستحواذ على غالبية مقاعد البرلمان الجديد.

-