شيخ عشيرة في الخليل يتبادل أفكار سلام مع مستوطنين داخل خيمة

برعاية شخصيات يمينية أوروبية ومعارضة السلطة ومعرفة حكومة نتنياهو

الشيخ الجعبري في خيمته محاطا بالشخصيات الأوروبية ويبدو المستوطنون بقبعاتهم (نيويورك تايمز)
TT

استؤنفت محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين الأسبوع الحالي في خيمة بها وسائل راحة على طريق ترابي جنوب هذه المدينة المتنازع عليها بشدة، ولم تتم دعوة ممثلي رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، إلى تلك المحادثات، بل استضاف الشيخ فريد الجعبري، أحد مشايخ عشيرة الجعبري الكبيرة التي تضم 35 ألف فرد، يوم الخميس اجتماع قمة حضره مستوطنون يهود من تيار اليمين، إضافة إلى عدد من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين ينتمون إلى التيار المحافظ. لم تكن هناك أي خرائط تتناقلها الأيدي ولا معاهدات تتم كتابتها، ولم يتم طرح السؤال الذي يثار باستمرار حول وضع القدس، ولم يتم التطرق إلى قضية اللاجئين إلا من بعيد. إذا كان المسار الأول يتضمن المفاوضات بين الأطراف السياسية، والمسار الثاني يتضمن دبلوماسية ينخرط من خلالها مفكرون في حوار بنّاء، فيمكن إطلاق اسم المسار الثالث على هذا التوجه المتمثل في انخراط شخصيات بارزة محليا لا تشغل أي منصب رسمي.. تجلس حفاة الأقدام على وسادات على الأرض، بينما تهب عليهم نسمات منعشة ويتبادلون وعود السلام بين الجيران وسط أطباق العنب والكمثرى والخوخ والبرقوق. ويقول الجعبري لضيوفه بينما يسبح على مسبحته حينا ويدخن السجائر حينا آخر: «بعد كل ما مررنا به من حروب وإرهاب من الطرفين، وانتفاضة ومحادثات سلام سرية وعلنية على حد سواء، لم نصل إلى السلام. نحن لسنا سياسيين، لكننا سوف نساعد السياسيين في عملهم. إذا لم يتم تحقيق السلام بين الأمم والشعوب، فسيظل هدفا بعيد المنال». عمليا تناهض مدينة الخليل، التي تضم نحو 150 ألف فلسطيني و900 يهودي، عملية السلام منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية عام 1967. وشهد الحرم الإبراهيمي في المدينة مذبحة عام 1994 قتل فيها باروخ غولدشتاين، طبيب من مستوطنة «كريات أربع» الكبيرة القريبة، 29 فلسطينيا وهم يؤدون صلاة الفجر قبل أن يتمكن منه باقي المصلين ويقتلوه. وكانت هي المدينة الوحيدة التي تم استثناؤها من اتفاقية أوسلو، وأفرد لها اتفاق خاص عام 1997 تم بموجبه فصل اليهود عن الفلسطينيين وتقييد تحركاتهم. واستمرت الاشتباكات بين الطرفين وكانت تحدث أحيانا بصورة يومية.

ويعد الجعبري، البالغ من العمر 64 عاما، واحدا من أشد المنتقدين للسلطة الفلسطينية. وقال إنه بدأ استضافة المستوطنين اليهود في منزله عام 2008 وشيد العام الماضي خيمة أطلق عليها «خيمة السلام» على تل قاحل تمتلكه عائلته يتسع لمجموعات كبيرة. وكان يحيط به يوم الخميس يهود متدينون تربطه بهم علاقات صداقة هشة، منهم الحاخام شلومو ريسكين، الأميركي الذي أقام منذ 30 عاما مستوطنة عفرات، التي تعد واحدة من أكبر المستوطنات في الضفة الغربية، وغيرشون ميسيكا، رئيس المجلس الإقليمي شمرون، وناعوم أرنون، المتحدث باسم المجتمع اليهودي في الخليل، ونسيم زيف، عضو في البرلمان عن حزب شاس لليهود الشرقيين المتدينين، إضافة إلى يورام إتينغر، المسؤول السابق لشؤون الكونغرس في السفارة الإسرائيلية بواشنطن. وتحدث المجتمعون عن حل غير حل الدولتين، عن العيش جنبا إلى جنب مع المسلمين في أرض يزعم كل طرف أنه يملكها، لكن من غير الواضح بموجب أي سلطة سوى الله. وقال ريسكين: «جاء في التوراة أن أبناء إسحاق وإسماعيل سيعيشون معا. لا بد أن الحلم هو تعايشنا معا في سلام. لا يمكن أن يحقق ذلك القادة الفلسطينيون الذين لا يزالون يرفضون في أفضل الأحوال الاعتراف بوجود الدولة الإسرائيلية». وأضاف: «مع وجود أشخاص مثل الشيخ الجعبري، هناك فرصة حقيقية لتحقيق السلام فورا».

لم يعلم مارك ريجيف، المتحدث باسم نتنياهو، بأمر اجتماع يوم الخميس، لكنه قال: «تفضل الحكومة الإسرائيلية الاجتماعات الشعبية». على الجانب الآخر انتقد خافيير أبو عيد، المتحدث باسم دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، الاجتماع بقوله إن أي محاولات لا يوافق عليها أبو مازن «لا يمكن أن تخرج بنتيجة عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات النهائية. ربما يكون هناك الكثير من القصص المثيرة للاهتمام عن إسرائيليين عملوا مع فلسطينيين في قضايا تتعلق بالبيئة أو المياه أو الاقتصاد، لكن النتيجة الوحيدة لاجتماع بين شيخ عشيرة فلسطيني ومستوطنين هو الإبقاء على الوضع الراهن، فضلا عن السماح لبعض الأشخاص باستغلال الموقف». وقال العقيد غاي هازوت، قائد وحدة عسكرية إسرائيلية في المنطقة، إنه يتقابل شهريا مع الجعبري، الذي قال عنه إنه يتمتع بشخصية مميزة جدا. وأضاف هازوت الذي تمت دعوته يوم الخميس، لكنه لم يحضر: «لقد كنا ننجح من خلال التحدث معه في الكثير من الحالات في إحلال بعض السلام في المنطقة. هناك توتر في العلاقة بين القيادتين الفلسطينية والإسرائيلية، وعندما تغيب الثقة بين الاثنين إلى حد عدم التحدث معا، تختفي كل فرص نجاح عملية السلام». من بين السياسيين الأوروبيين الذين جلسوا تحت الخيمة ديفيد لازار من النمسا، وكينت إكيروث من السويد، وفيليب دوينتر من بلجيكا، وهم من تيار اليمين كما يقدمون أنفسهم، وقد استضافوا الجعبري في بروكسل منذ شهر. وعبر الثلاثة عن استيائهم من المبالغ المالية الهائلة التي يقدمها الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء به إلى السلطة الفلسطينية، لكنهم أعربوا عن أملهم في أن تثمر جهود الشيخ على المستوى الشعبي. وقال دوينتر: «إنهم لا يملكون نفوذا سياسيا حقيقيا، ولا يزال الأمر عند المستوى النظري لا العملي، لكن هذه هي طريقة تعاملهم مع الأمور، فهم عرب».

لقد كان مشهدا غريبا، فالشيخ الجعبري في رداء أبيض يصل إلى الكاحل ويدخن، بينما يجلس اليهود بقبعاتهم الصغيرة وأرديتهم الدينية التقليدية، والأوروبيون في ملابسهم الرياضية. وكان هناك رجل يرتدي طربوشا ويصب عصير البلح من إبريق يحمله على ظهره يحمل العلم الفلسطيني.

كانت الخيول تصهل خارج الخيمة، بينما يختلس عدد من الفلاحين الفلسطينيين النظر عبر فتحات في الخيمة من الخارج قبل أن يتم إبعادهم. وبينما كان الاجتماع على وشك الانتهاء، وصل بعض الشيوخ الآخرين من محيط المنطقة من أجل الجولة الثانية. توجه الأوروبيون بعد ذلك لزيارة الحرم الإبراهيمي الذي قسمته سلطات الاحتلال بعد مجزرة غولدشتاين، إلى قسمين أحدهما خاص بالمسلمين والآخر بالزوار اليهود. وعندما عرف ديفيد وايلدر، متحدث آخر باسم المستوطنين في الخليل، أن الأوروبيين سيذهبون مع الجعبري إلى الجزء المخصص للمسلمين، حثهم على الدعوة إلى القيام بعد ذلك بجولة في الجزء اليهودي من المنطقة.

*خدمة «نيويورك تايمز»