مسؤول إداري بسيط يتصدى للمهمة الصعبة في أفغانستان

دوراني يريد استرداد قروض نهبها أصحاب النفوذ وكرزاي يعول عليه لتحسين صورة البلاد

أفغانية تمر أمام بنك كابل في العاصمة الأفغانية (أ.ب)
TT

لم يكن المنصب الحكومي غير واضح المعالم الذي يشغله عبد الله دوراني موجودا إبان السنوات الأولى من الصعود الواضح لبنك كابل، عندما استفاد البنك من الطفرة التي شهدتها فترة الحرب المتقلبة والاتصالات السياسية، بحيث أصبح يمكنه منح قروض غير قانونية لمساهميه وجذب المودعين بقروض يانصيب مربحة.

لكن هذا المسؤول البيروقراطي معسول اللسان البالغ من العمر 40 عاما هو رئيس لجنة تسوية النزاعات المالية في أفغانستان، ويجد نفسه في قلب الجهود الحكومية الرامية لاحتواء الفضيحة المالية المشينة. وتعتبر وظيفته بسيطة، حيث تتمثل في استعادة أكبر قدر ممكن من القروض التي تبلغ قيمتها نحو مليار دولار، التي منحها بنك كابل لمساهميه، الذين يعتبرون من بين أكثر رجال الأعمال نفوذا في البلاد. بيد أنه لا يقدر قيمة المهمة الملقاة على عاتقه، إذ يقول وعلى وجهه ابتسامة شاحبة «إنني واقع تحت ضغط شديد».

ظهرت قدرة دوراني على إتمام مهمته - والعمل بمعزل عن التدخل السياسي - كاختبار رئيسي لالتزام الرئيس حميد كرزاي بمحاربة الفساد في أفغانستان. فبعد نحو عامين من استحواذ البنك المركزي على بنك كابل، لم تتم محاكمة أي من الأشخاص المتورطين في الانهيار الوشيك للبنك، على الرغم من أن رئيس البنك كان من بين الواحد والعشرين مسؤولا الذين تم اتهامهم الشهر المنصرم.

وفي مؤتمر المانحين الذي سيعقد اليوم في طوكيو، تتطلع الدول التي تقدر حجم الأموال التي يجب منحها لأفغانستان إلى التعامل مع فضيحة بنك كابل، كإشارة مهمة على أن كرزاي يتخذ خطوات في سبيل القضاء على أكثر جرائم الكسب غير المشروع والرشوة فظاعة. ويقول دوراني «يتمثل أهم سؤال بالنسبة لنا كدولة وكحكومة في: هل نحن قادرون على التخلص من هذه المشكلة؟ هل نحن قادرون على التغلب على ذلك التحدي؟».

لا يزال يحدو المسؤولين الأميركيين المشاركين في معركة محاربة الفساد كثير من الشكوك إزاء التزام الرئيس كرزاي بمعاقبة أولئك المسؤولين عن أزمة بنك كابل. كان كرزاي بطيئا في اتخاذ أي إجراء وألقى باللوم على المستشارين الغربيين في حدوث هذه المشكلات. كان الأمر الآخر الذي أثار غضب المسؤولين الأميركيين هو أن الاتهامات لم تشمل شقيق الرئيس، محمود كرزاي، أو شقيق نائب الرئيس، حاسم فهيم، ونظروا إلى هذا بوصفه تحصينا من جانب الرئيس لأقارب مسؤولي القصر الرئاسي.

غير أن بعض المسؤولين الغربيين ما زالوا ينظرون إلى دوراني كبارقة أمل، باعتباره مسؤولا بيروقراطيا أمينا جديرا بالاحترام في موقف محرج. وقال أحد المسؤولين «دوراني مسؤول ممتاز يحاول اتخاذ الإجراء الصحيح في ظروف صعبة. إنه بحاجة لدعمنا الكامل».

حتى الآن، يقول دوراني إن لجنته قد استعادت مبلغ 128 مليون دولار نقدا، وصادرت ممتلكات قيمتها 145 مليون دولار، من بينها 11 فيلا فاخرة في دبي يملكها مؤسس بنك كابل، شيرخان فرنود. ويقدر إجمالي ما تم استرداده بنسبة 30 في المائة من مجمل القروض التي منحها البنك والتي تبلغ قيمتها 937 مليون دولار. وقال دوراني إنه بالإضافة إلى ذلك، فإن مساهمي البنك الاثنين الرئيسيين، محمود كرزاي وفهيم، قد سددا قيمة القروض التي حصلا عليها.

وقال دوراني «في بعض الدوائر القضائية حول العالم، يقدر إجمالي قيمة القروض التي استردها بنك مفلس بنسبة 30 في المائة. لقد قمنا بهذا في عام واحد». وأضاف «كانت لدينا موارد ومعلومات محدودة، وكنا قادرين على القيام بهذا».

لقد أجل صندوق النقد الدولي التصديق على منح خط ائتمان جديد لأفغانستان في أعقاب الفضيحة، مما عرقل منح مساعدات مالية تقدر بالملايين. غير أن صندوق النقد الدولي صدق في الآونة الأخيرة على نفقات جديدة، في إشارة تنم عن أنه يعتقد أن أفغانستان تفي بالمعايير المحددة للإصلاح.

رحل دوراني عن أفغانستان في سن الشباب للالتحاق بالجامعة في العاصمة الباكستانية، إسلام آباد. وبعدها، سافر إلى الولايات المتحدة وحصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة هيوستن، ثم عاد إلى كابل وأصبح مدير الإشراف المالي بالبنك المركزي في أفغانستان. وفي عام 2008، أنشأ لجنة تسوية النزاعات المالية، وهي تلك الهيئة المختصة بتسوية النزاعات بين الجهات التنظيمية والقطاعات المالية وقطاعات الاتصالات.

يقول دوراني عن لجنته، التي تضم ستة موظفين، بينهم ثلاثة محامين «لم تكن هناك سابقة في الماضي على هذه الشاكلة. الناس لا يقرأون القانون هنا. نحن لسنا مجتمعا يلتزم بالقانون».

استحوذ البنك المركزي على بنك كابل في عام 2010، وقدم مبلغا قيمته 830 مليون دولار لتفادي خطر انهياره وتأمين أموال المودعين. ومنذ ذلك الحين، تجري الجهود من أجل محاربة الاحتيال واسترداد الأصول المفقودة.

ويبدو دوراني مدركا بشكل جيد للمخاطر. وقد فر محافظ البنك المركزي السابق، عبد القادر فيترات، إلى الولايات المتحدة العام الماضي، متذرعا بأنه كان يخشى على حياته بعد الترويج لفرض عقوبات على مرتكبي جرائم الاحتيال ببنك كابل. يذكر أنه تم اختطاف عم دوراني، المدعي العام السابق، عبد الجبار ثابت، الذي كان ينظر إليه البعض بوصفه من المشاركين في الحملة المناهضة للفساد، العام الماضي ولم يتم بعد العثور عليه.

ومن جانبه، عبر عبد الحميد محبي، ممثل الدائنين ببنك كابل، بشكل معلن عن غضبه من مناقشة أشخاص بعينهم في القضية. لكنه أثنى على دوراني قائلا «إنه يتمتع بالثقة في النفس في عمله، فضلا عن كونه أمينا ومحترفا ونظيف اليد. أتمنى لو كان لدينا مزيد من الأشخاص مثله».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»