أوباما يغير أسلوب خطابه لهزيمة حزب معارض عنيد

بالأمس وظفه لتوحيد الأمة.. واليوم حول مواجهة الجمهوريين

أوباما في جولة حافلة لمدة يومين بولايتي أوهايو وبنسلفانيا (واشنطن بوست)
TT

سلطت جولة الرئيس أوباما بالحافلة عبر ولايتي أوهايو وبنسلفانيا نهاية الأسبوع الماضي الضوء بشكل لافت على التحول البارز في شخصية الرئيس. ففي عام 2008، وظف أوباما أسلوب الخطاب المتعالي والسيرة الذاتية الشخصية في الحديث عن توحيد الأمة بحزبيها الجمهوري والديمقراطي. أما رسالته اليوم، فتتمحور حول الحاجة الماسة لهزيمة حزب معارض عنيد بهدف المضي بالدولة قدما نحو المستقبل.

قبل أربع سنوات، وظف أوباما فكرتي «الأمل» و«التغيير» للإشارة إلى أن بإمكانه طرح سياسات جديدة في واشنطن. كان متقبلا لفكرة أنه، مثلما يشير في بعض الأحيان، تتمثل الحلول لمشكلات الدولة في الوصول لصيغة توافقية بين خطاب ورؤى الحزبين. وقال إن هدفه كان المساعدة في توجيه الدولة، من خلال قيادته، إلى تلك الوسيلة الذهبية الخيالية، مع التمسك في الوقت نفسه بمبادئه.

واليوم، ينظر الرئيس الذي مزقته المعارك والذي قد لقي مقاومة موحدة من الجمهوريين، إلى العالم بشكل مختلف، أو هكذا يبدو من خلال الطريقة التي تحدث بها في أوهايو وبنسلفانيا. وفي كل محطة تقريبا، كان يوضح جليا أنه ينظر إلى نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل باعتباره شهرا فاصلا وأنه لا يمكن أن يكون هناك سوى شتاء واحد. وطلب من معاونيه مساعدته في تحقيق انتصار في نوفمبر المقبل، الذي من شأنه أن يحمل رسالة مفادها أن رؤيته تتفوق على رؤية الجمهوريين.

وفي مدينة مومي بولاية أوهايو، تحت الشمس الحارقة يوم الخميس، تحدث قائلا: «ما يعرقل تخطينا التحديات التي تواجهنا، ليس هو الافتقار للأفكار أو للحلول. وإنما هو أننا قد وصلنا إلى طريق مسدود في واشنطن بين هاتين الرؤيتين المتعلقتين بالوجهة التي يجب أن تقصدها الدولة. وهذه الانتخابات تتعلق بمحاولة كسر تلك الحالة من الجمود».

صباح الجمعة في بولندا بولاية أوهايو، بعد ساعتين من كشف أحدث تقرير خاص بالوظائف عن شهر آخر من تباطؤ النمو، تحدث قائلا: «لدينا فكرتان مختلفتان تماما عن النهج الذي ستتبعه دولتنا. نحن نحاول أن نقوم بتفعيل عمل الكونغرس. وهذه الانتخابات تتعلق بكيفية الخروج من تلك الحالة من الجمود».

يمثل هذا تغييرا عن الطريقة التي تحدث بها بصفته مرشحا رئاسيا في عام 2008. لم تكن رسالته وقتها متعلقة بدرجة كبيرة بخيارات «إما/ أو». لم تكن هي الرسالة التي وجهها عندما ظهر لأول مرة على الساحة الوطنية في مؤتمر الحزب الديمقراطي عام 2004، كذلك لم تكن الرسالة التي بعث بها عشية انتصاره المفاجئ في المؤتمرات الحزبية التي عقدت في ولاية أيوا عام 2008 والتي أتت به إلى البيت الأبيض. لم يتحدث عن الانتخابات بوصفها أشواطا فاصلة بين فريقين، بل عن دولة تتعطش إلى نموذج جديد لسياساتها.

تحدث تلك الليلة قائلا: «جئتم معا؛ ديمقراطيين وجمهوريين ومستقلين، لتقفوا وتقولوا إننا أمة واحدة وشعب واحد.. قلتم إن الوقت قد حان لتجاوز الخلافات والضغائن والغضب، تلك المشاعر المقيتة التي استنزفت واشنطن؛ وللقضاء على الاستراتيجية السياسية المتعلقة بالتقسيم، وجعلها متعلقة بالإضافة؛ وبتشكيل ائتلاف من أجل التغيير يمتد عبر الولايات التي يميل الناخبون فيها للتصويت للجمهوريين، والولايات التي يميل الناخبون فيها للتصويت للديمقراطيين».

كان هناك المزيد في رسالته في عام 2008 بالتأكيد. قاد دعاية سلبية ضد السناتور جون ماكين (الجمهوري عن ولاية أريزونا)، مرشح الحزب الجمهوري. وأوضح أوجه الاختلاف بين أفكاره وأفكار الحزب الجمهوري. وقف ضد الرئيس الأميركي في تلك الفترة، جورج بوش الابن، خاصة في ما يتعلق بالحرب في العراق، ووعد بتغيير التوجه.

لكن كان أكثر ما ترددت أصداؤه هو الجانب الطموح في رسالته. الدولة لن تواكب تحدياتها إلا بطريق واحد فقط؛ الاتحاد. قارن ذلك بالأسلوب الذي تحدث به عن الانتخابات وقت غروب الشمس عشية الخميس في أحد المتنزهات في بارما بولاية أوهايو. يقول: «ثمة رؤيتان مختلفتان تماما حول كيفية المضي قدما بالدولة نحو المستقبل». ويضيف: «وأعظم شيء يتعلق بديمقراطيتنا هو أنك يجب أن تكون اللاعب في الشوط الإضافي النهائي في المباراة».

ثمة أسباب واضحة وراء نظرته للأشياء بطريقة مختلفة اليوم. تطرأ تغيرات على جميع الرؤساء نتيجة التجارب التي يمرون بها، ومعارك أوباما، من بينها المعارك الاستقطابية بشأن الحوافز والرعاية الصحية وإصلاح النظام المالي، وفي نهاية المطاف المواجهة الحاسمة بشأن سقف الديون، قد غيرت ملامح شخصيته.

حدث التحول في الصيف الماضي. وفي هذا الوقت من عام 2011، كان أوباما يجري مفاوضات مع رئيس مجلس النواب جون بوينر (الجمهوري عن ولاية أوهايو) من أجل رفع سقف الديون، وهي المحادثات التي تضمنت صفقة ضخمة لتقليل العجز وبدء التعامل مع التكاليف المستقبلية لبرامج الاستحقاق. وقد انهارت تلك المحادثات لاحقا، وسط اتهامات متبادلة. ومن ذلك الانهيار، جاء الخطاب من كلا الجانبين، الذي يشكل الاختيار بين الرئيس ومرشح الحزب الجمهوري المفترض، ميت رومني، لاذعا إلى أقصى درجة. ينظر كل من أوباما ورومني إلى رؤية الآخر بوصفها معيبة تماما، بل وخطيرة بالنسبة للدولة.

على الجانبين، يعتبر هذا اختيارا بين الأسود والأبيض، مع عدم وجود منطقة وسطى بينهما. من جانب، ينظر إلى هذا بوصفه تهديدا من حكومة كبيرة وتقييدا للاقتصاد ونهاية للحرية. على الجانب الآخر، يعتبر هذا عاملا مساعدا في تمزيق الطبقة المتوسطة بهدف مكافأة الأثرياء. ويطلب من الناخبين المتأرجحين في المنتصف اختيار أحد الطرفين، وعدم التطلع إلى أن يصبحوا جزءا من هذا النوع من الائتلاف الموحد الذي يجمع الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين، الذي تحدث عنه أوباما عام 2008.

ويقول كثير من الديمقراطيين إن الأمر يتعلق بالفترة التي أصبح فيها الرئيس أكثر صرامة، التي خصص فيه قسطا كبيرا من الوقت للتفاوض مع الجمهوريين الذين لم يكونوا مهتمين بالتفاوض معه. وفي البيت الأبيض، بدأت حملة عام 2012 في أعقاب الجدال حول سقف الدين. لنجعل الناخبين يقومون بتسوية ما لا يستطيع ساسة واشنطن تسويته.

ربما يعتقد الرئيس أنه بطلبه من الناخبين منحه فترة رئاسة ثانية، فإنهم بذلك يصوتون لوضع حد للسياسات المتجمدة في واشنطن، باعثا برسالة إلى الجمهوريين مفادها أنه يتحتم عليهم البدء في التفاوض معه بدلا من معارضته.

من ثم، عندما تحدث عبر الجزء الشمالي من ولاية أوهايو، كان هناك بعض التكرار للأفكار التي وردت في خطابه عام 2008. تحدث إلى الجمهور في مومي قائلا: «لست ديمقراطيا في المقام الأول. إنني أميركي. أؤمن بأننا نصعد أو نهبط معا بصفتنا أمة واحدة وشعبا واحدا. وأرى أن ما يعرقلنا ليس عجزنا عن مواجهة التحديات، بل سياساتنا. وتلك مشكلة لديك القدرة على حلها».

لكن جوهر رسالة أوباما قد تغير. إن أهمية مناشدته متأصلة في قناعته بأن هذه الانتخابات متعلقة بالأفكار والسياسات والفلسفات السياسية، وبأن الدولة تواجه لحظة فارقة واختيارا واضحا. الدولة الآن في موقع مختلف تماما عن ذلك الذي كانت فيه حينما خاض سباق الترشح لمنصب الرئاسة لأول مرة، كما أنه في معركة مختلفة تماما. وقد قرر النهج الذي سيتبعه في هذه المعركة من الآن وحتى نوفمبر المقبل.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»