مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»: مناف طلاس وصل إلى باريس

شقيقته ناهد أسهمت بدور بارز في «الإعداد» لاستقباله.. كما فعلت مع والدهما من قبل

صورة وزعها موقع «الشام» المعارض تظهر عناصر من الجيش السوري الحر يعاينون مخازن في ادلب دمرت من جراء قصف القوات النظامية السورية أول من أمس (رويترز)
TT

في 12 مارس (آذار) الماضي، وصل العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع الأسبق (ما بين 1972 و2004)، إلى باريس قادما من دمشق. وأثار وصوله وقتها تكهنات وشائعات حول انشقاقه عن النظام.. لكن المعلومات التي توافرت أفادت بأنه سافر بغرض إجراء فحوصات وتحاليل طبية في المستشفى الأميركي الكائن في مدينة نويي البورجوازية الواقعة على طرف باريس الغربي.

ويوم الثلاثاء الماضي، انشق ابنه مناف، العميد في الجيش السوري وقائد الفرقة 105 في الحرس الجمهوري، متسللا إلى تركيا ومنها إلى العاصمة الفرنسية. وفي خضم مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الذي نظمته واستضافته فرنسا، أعلن وزير الخارجية لوران فابيوس أن العميد طلاس «في طريقه إلى باريس»، ليتراجع عن ذلك بعد ظهر اليوم نفسه، إذ إنه سئل خلال المؤتمر الصحافي النهائي عن الضابط السوري الكبير المنشق فأجاب بأنه «لا معلومات لديه».

غير أن مصادر واسعة الاطلاع في باريس أكدت لاحقا أن طلاس الابن «وصل» إلى العاصمة الفرنسية بحيث يكون أول ضابط سوري كبير منشق يلجأ إلى باريس، والتي دعت قبل أسبوعين الضباط السوريين والمسؤولين المدنيين إلى الانشقاق أو «الابتعاد» عن النظام الذي ترى أنه آخذ بالتداعي.

ولم يكن مستغربا أن يحط رحال العميد طلاس في باريس. فالعلاقة بين عائلة طلاس والعاصمة الفرنسية قديمة العهد. وللعميد المنشق أكثر من سبب للتوجه إليها، خصوصا أنه يعرف فرنسا جيدا، سواء عاصمتها أو منتجعاتها على الشاطئ اللازوردي، حيث اعتاد أن يمضي عطله الصيفية على غرار الكثيرين ممن يهوون مدن نيس وكان وأنتيب، فضلا عن إمارة موناكو وكازينو مونت كارلو.

وكانت ناهد طلاس التي تكبر أخاها مناف بأربعة أعوام «السباقة» في التطبيق العملي للكلمة الرائجة التي تقول: «باريس مربط خيلنا»، حيث حلت في عاصمة النور قبل 33 عاما بفضل زواجها المبكر عام 1978 برجل الأعمال أكرم عجة السعودي الجنسية، السوري الأصل، المعروف بعلاقاته بقطاع تجارة السلاح. وكانت ناهد الزوجة الثالثة لأكرم عجة الذي توفي في عام 1991. وأعقبت وفاته خلافات حادة حول الإرث بين ناهد وأبناء أكرم عجة انتقل الخلاف إلى المحاكم. وفي هذه الفترة، كانت ناهد تقيم في أحد أجمل منازل العاصمة الفرنسية المطل على ساحة «الولايات المتحدة».

في بداية التسعينات، أصبحت ناهد عجة امرأة معروفة على الساحة السياسية والاجتماعية الفرنسية بسبب مساعدتها لوزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولان دوما. وبصفتها رئيسة «مؤسسة طلاس»، قامت بتقديم جهاز سكانر للمستشفى العام في مدينة سارلات (وسط فرنسا) بغرض مساعدة دوما في حملته الانتخابية، حيث كان مرشحا عن الحزب الاشتراكي للفوز بمقعد نيابي عن هذه الدائرة. ولكونها ابنة مصطفى طلاس، فقد شنت الصحافة الفرنسية حملة شعواء عليها من زاوية تأثير سوريا على السياسة الداخلية الفرنسية.

ولاحقا ساءت العلاقة بين ناهد عجة ورولان دوما إلى حد أنها شهدت ضده في الفضيحة المعروفة باسم «فضيحة ألف»، (الشركة البترولية الفرنسية السابقة)، واتهمته بـ«استعارة» تحف فنية لم يردها إليها.

وتعد ناهد عجة امرأة ذات نفوذ وتأثير في المجتمع الباريسي.. وكانت تطمح، في أوجها أن تعين سفيرة لبلادها لدى منظمة اليونيسكو، كما أنها أصبحت من كبار المساهمين في دعم الفنون والفنانين والأعمال الثقافية، فتولت مثلا الإنفاق على ترميم قصر شانتيي المعروف شمال باريس كما أنها تعهدت جائزة الآغاخان.. مما جعل من ناهد عجة امرأة أعمال معروفة.

وعبر ناهد عجة، نسجت عائلة طلاس علاقات وثيقة مع فرنسا، لا بل إنها أسهمت في التقريب بين باريس ودمشق في زمن فتور العلاقة بسبب الأزمة اللبنانية. وبعد وصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة عام 2000، ارتبطت بعلاقات جيدة مع زوجته أسماء.

ولكل هذه الأسباب، كان من الطبيعي أن تختار عائلة طلاس باريس مرتعا لها، الأمر الذي فعله أيضا نائبا الرئيس السوري السابقين رفعت الأسد ثم عبد الحليم خدام. فالأول يتنقل حاليا ما بين باريس ولندن وجنيف وماربيه (في إسبانيا)، والثاني مقيم في فيللا فخمة على الطرف الغربي لباريس. وإلى جانب ناهد، يقيم العماد طلاس وزوجته وكذلك تالا، زوجة العميد مناف، أما الابن الثاني ورجل الأعمال فراس فإنه موجود في دبي.

وبحسب أوساط المعارضة السورية، فإن طلاس لم ينسق معها هروبه من دمشق عبر تركيا. وحتى تاريخه، لم يحصل تواصل بين الجانبين. وليس واضحا بعد الموقف الذي ستلتزم به المعارضة إزاء أحد أقرب المقربين السابقين من الرئيس الأسد، وهي تتأرجح بين الرغبة من الاستفادة من اسمه لحث ضباط آخرين على الاحتذاء به، بينما الرأي الآخر يصر على ضرورة أن يعتذر للشعب السوري بسبب دوره في ما ارتكبه النظام بحق الشعب السوري.