رغم الانتقادات.. لا يزال الجيش المصري يحظى بالتبجيل والاحترام

شعار «الجيش والشعب إيد واحدة» طغى على هتاف «يسقط حكم العسكر»

TT

بعد نجاح المتظاهرين المصريين العام الماضي في الإطاحة بنظام حسني مبارك بعد ثلاثين عاما في سدة الحكم، احتفوا بالقوات المسلحة، التي تحظى باحترام وتبجيل منذ أمد طويل، باعتبارها حامية الثورة. مع ذلك سرعان ما تبدد هذا الوئام بعد تقارير أفادت بإطلاق القوات المسلحة النار على متظاهرين والتورط في انتهاكات بحق نساء، وازداد الوضع سوءًا عندما أرجأ المجلس العسكري الذي كان يحكم البلاد بصورة مؤقتة عملية التحول الديمقراطي في البلاد وجرّد الرئيس من صلاحياته. ورغم الغضب العارم غير المسبوق، الذي كان بالأساس من نصيب القادة في المجلس العسكري الذين لم يواجهوا أي نوع من الرقابة الشعبية من قبل، لا توجد مؤشرات كثيرة بوجه عام تدل على تأثر سمعة القوات المسلحة المصرية به.

وحتى في ظل هتاف المتظاهرين الأسبوع الماضي «يسقط يسقط حكم العسكر», وهو ما لم يكن يخطر على بال أي شخص، لم يكن من الصعب العثور على أشخاص مثل طارق أبو النجا (16 عاما) الذي قال إنه يحلم بأن يكون ضابطًا في الجيش، أو مدحت محمد، الذي قال إنه على استعداد للتطوع في الجيش رغم أنه في الخامسة والأربعين من أجل وطنه. قد ينبئ هذا الإعجاب الشعبي بالاستقرار، فرغم ابتعاد جنرالات المجلس العسكري عن بؤرة الضوء، يقول المحللون إنهم قادرون على عرقلة جهود المدنيين من أجل انتزاع رقابة برلمانية حقيقية وصلاحيات عسكرية وهو ما يتطلب على الأرجح دعمًا من الشعب الذي سأم الاحتجاجات ويبحث عن قيادة وزعامة الرئيس مرسي، الذي أدى اليمين الدستورية الأسبوع الماضي.

وقال ياسر الشيمي، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية والذي يقيم في القاهرة: «من المؤكد أن هذا سوف يزيد من صعوبة مهمة الرئيس أو أي مؤسسة مدنية، فالثورة على مبارك أمر، والثورة على الجيش أمر آخر».

ووردت تقارير منذ اندلاع الثورة بشأن حدوث بعض الاضطرابات داخل أكبر جيش عربي والذي يتلقى معونة سنوية من الولايات المتحدة قدرها 1.3 مليار دولار. وتم إلقاء القبض على مدون يصف نفسه بأنه أول رافض لمبدأ الخدمة العسكرية ويعيش حاليًا في ألمانيا، وتضم حركته التي تدعو إلى رفض أداء الخدمة العسكرية عددًا ضئيلا.

قال الرئيس محمد مرسي في أول خطاب له بعد أدائه اليمين الدستورية يوم الأحد الماضي إن القوات المسلحة سوف تعود إلى ثكناتها، لكن حتى قبل أن يتحدث، هتف جمهور من الشخصيات البارزة والنواب السابقين شعار «الجيش والشعب إيد واحدة». ويقول سامح سيف اليزل، لواء جيش متقاعد والخبير في الشؤون الأمنية ويُنظر إليه باعتباره مقربا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة: «يؤيد أكثر المصريين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والجيش المصري. وينظر الشعب إلى الجيش باعتباره الخلاص».

وتدعم استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الانتخابات زعمه، حيث أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة «غالوب» في شهر أبريل (نيسان) تراجع ثقة المصريين في الجيش منذ يونيو (حزيران) عام 2011 من 95 إلى 89 في المائة. ويشير استطلاع رأي أجراه مركز «بيو» للأبحاث خلال الربيع الحالي أن 75 في المائة من المصريين يعتقدون في تأثير الجيش الإيجابي. وأوضح كلا الاستطلاعين أن نظرة أغلبية المصريين لجنرالات المجلس العسكري إيجابية. وتعود السمعة الطيبة للجيش إلى عقود من الحكم الاستبدادي لرؤساء حظوا بمديح القوات المسلحة وأعانتهم القوانين الرقابية التي تمنع الحديث عن الجيش مما مثّل درعًا يحميه من المحاسبة.

وينظر كثير من المصريين إلى الجيش باعتباره القوات الباسلة التي واجهت إسرائيل خلال حرب أكتوبر عام 1973 والتي انتهت بحالة من الجمود، لكنها أدت في النهاية إلى استعادة مصر لسيناء. ويرى كثيرون أن المؤسسة العسكرية أكثر شمولا وأقل قسوة ووحشية من الشرطة وأجهزة الأمن، التي غالبًا ما يعمل أفرادها في خدمة مبارك. وكان الجيش قبل الثورة يحظى باحترام لنجاحه في مجال الأعمال، حيث يمتلك مساحات شاسعة من الأراضي ومصانع تنتج سلعا متنوعة من بينها زيت الزيتون والأجهزة المنزلية، وهو ما يجعله يسيطر على ثلث الاقتصاد بحسب تقدير الخبراء. ورغم أن تدني رواتب ضباط الجيش جعل كثيرا من الشباب المتعلم يعزفون عنه، يظل الجيش وسيلة لتدرج الفقراء في السلم الاجتماعي.

يقول جوشوا ستاشر، خبير في الشؤون المصرية بجامعة ولاية كينت وأجرى دراسات خاصة بالقوات المسلحة: «يرتبط كونك مصريًا بدرجة ما بعلاقتك بالجيش».

مما لا شك فيه أن ما تعرضت له المؤسسة العسكرية، التي ظلت محصنة من أي مساس بها حتى اندلاع الثورة، من انتقادات صريحة تضمنت انتقادًا لاقتصاد الظل الخاص بها والمحاكمات العسكرية لآلاف المدنيين عقب الثورة، و«كشف العذرية» الذي أُجري لفتيات معتقلات، والسيطرة السافرة على السلطة، أثر سلبًا على سمعة المؤسسة على نحو غير مسبوق على حد قول محللين.

قال محمود التابعي، شاب طويل ونحيل يبلغ 17 عاما، من القاهرة، إنه «يحب» الجيش منذ نعومة أظافره، وإنه قرأ موضوعات على الإنترنت عن تحرير سيناء وشاهد مقاطع مصورة لتدريبات الجيش واطلّع جيدًا على شروط الالتحاق بالقوات الخاصة في الجيش. واستمر تقديره للمؤسسة العسكرية بعد سقوط نظام مبارك، ويرى أن الجنود المتهمين بارتكاب انتهاكات وحشية تم استفزازهم. وتغير هذا في أبريل (نيسان) عام 2011 عندما قُتل اثنان من المتظاهرين أثناء فضّ الجيش لمظاهرة في ميدان التحرير. وقال التابعي إنه تخيل نفسه جنديا في ذلك الموقف ورأى أن اللائمة تقع على الجنود أنفسهم لا قادتهم. وتساءل التابعي: «من الذي سيضربنا؟ هل هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة أم الجيش؟».

يعمل التابعي الآن في فريق بإحدى الحركات الصغيرة التي تنظم عروضا عامة لمقاطع مصورة تكشف للمصريين الذين لا يشاهدون سوى وسائل الإعلام التابعة للدولة عنف الجيش. ويتعهد التابعي برفض أداء الخدمة العسكرية. وقال: «كنت أرغب في الالتحاق بالجيش من أجل حماية الناس».

وينصّ القانون على أداء الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا، للخدمة العسكرية التي تتراوح بين عام وثلاثة أعوام بحسب مؤهلاتهم الدراسية. ويُعفى من أداء الخدمة العسكرية الابن الوحيد للأسرة. ولم يتسن الوصول إلى متحدث باسم الجيش من أجل التعليق على ما جاء في المقال رغم بذل الكثير من المحاولات.

كثيرًا ما يطمس إعلام الدولة وجنرالات المجلس العسكري محاولات مثل التي يقوم بها التابعي من خلال تقديم روايات مغايرة تحاول تصوير المتظاهرين على أنهم بلطجية يعرقلون عجلة الإنتاج أو أنهم إسلاميون متطرفون. ولا يمكن إنكار أن تعامل الجيش المصري مع المتظاهرين كان أقل دموية من الجيش في كل من ليبيا وسوريا. ويقول عمر، الطالب في جامعة القاهرة الأسبوع الماضي عن الجيش الذي أعرب عن رغبته في الانضمام إليه: «لقد رأيت كيف يحمي المباني منذ اندلاع الثورة».

* خدمة «واشنطن بوست»