أهالي وادي خالد يتخوفون من «أمر ما» يحضره الجيش السوري ضد منطقتهم

اسر المخطوفين يستأنفون تحركهم بزيارة بري

TT

ألقى الملف الأمني في لبنان بثقله على كاهل الحكومة، خصوصا لجهة الاعتداءات السورية وقصف عدد من البلدات في وادي خالد وسقوط عدد من القتلى والجرحى، وإقفال الطرقات في عكار على خلفية إطلاق سراح ثلاثة ضباط وثمانية عسكريين متهمين بقتل الشيخين أحمد عبد الواحد ومحمد مرعب، والتلويح بتصعيد التحرك وصولا إلى العصيان المدني في حال لم تحل الحكومة هذه القضية إلى المجلس العدلي (القضاء).

فعلى صعيد الحدود، لا يزال الهدوء الحذر يخيم على البلدات والقرى الحدودية في شمال لبنان، وخصوصا وادي خالد التي نالت حصة الأسد من الاعتداءات، بعد سقوط ما يزيد على 25 قذيفة في بلداتها وسقوط قتيلتين ونحو ثمانية جرحى. وأعلن خضر عبيد، وهو مختار بلدة العماير في وادي خالد، أن «الوضع يتسم بالحذر والقلق». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الناس خائفة جدا، وهناك عدد كبير من سكان وادي خالد ينامون خارج منازلهم بعد الذي حصل في اليومين الماضيين».

وأكد عبيد أن «هناك من نزح إلى بلدات أكروم والمشتى ومناطق أخرى في عكار»، مشيرا إلى أن «الجيش اللبناني لم ينتشر في وادي خالد على الرغم مما حصل، وأن الوجود الأمني مقتصر على حاجزين للقوى المشتركة، وهذا لا يوفر عامل اطمئنان للأهالي».

إلى ذلك، أعلن ناشط في وادي خالد أن «الأجواء في المنطقة غير مطمئنة، وهي تنذر بتدهور أمني في أي لحظة». وأوضح الناشط، الذي رفض ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، أن «الاستنفار العسكري السوري قرب الحدود اللبنانية يوحي بأن شيئا ما يحضر ضد المناطق الحدودية في شمال لبنان». ورأى أن «أبناء وادي خالد يتملكهم الخوف بعد أن باتت بلداتهم ومنازلهم هدفا مباشرا للجيش السوري». وقال: «كان أهالي وادي خالد يشكلون ملاذا للنازحين السوريين، أما الآن فباتوا بحاجة إلى ملاذ آمن في ظل ما يشبه الغياب شبه التام للدولة اللبنانية عما يجري لمواطنيها، الذين لم يجدوا من يسأل عنهم وعن ضحاياهم الذين سقطوا في الاعتداءات السورية الأخيرة».

وفي سياق متصل، تتجه الأنظار إلى ما يمكن أن تحمله الساعات المقبلة من تطورات أمنية في بلدة البيرة وبلدات عكارية أخرى غاضبة بعد إطلاق سراح الضباط والعسكريين الموقوفين بقضية مقتل الشيخين عبد الواحد ومرعب، وهي مرشحة للتصعيد أكثر في حال رفضت الحكومة سحب هذا الملف من القضاء العسكري وإحالته إلى المجلس العدلي. وهي تطورات يتوقع أن تبدأ بقطع مزيد من الطرقات وصولا إلى العصيان المدني الشامل في عكار.

ولم يفلح قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر، الذي دعا فيه إلى التوسع في التحقيق بمقتل الشيخين، في لملمة ذيول القضية أو التخفيف من وتيرة التصعيد. ولهذا السبب انتقل أمس وفد أمني كبير برئاسة رئيس فرع المخابرات في الشمال، العميد عمار الحسن، إلى بلدة البيرة، حيث عقد اجتماعا مع فعاليات المنطقة وذوي الشيخين عبد الواحد ومرعب وبحث معهم آخر ما آلت إليه الأمور.

وفي هذا السياق، سأل رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط: «كيف يطلق سراح البعض قبل صدور قرارات ظنية وتطبيق المحاسبة بحقهم، لا سيما في قضية مقتل الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه، فيخلى سبيل المسؤولين عن هذه الحادثة قبل محاسبتهم؟». وشدد جنبلاط في مقالته الأسبوعية التي تنشر في جريدة «الأنباء» التابعة للحزب «التقدمي الاشتراكي» على أن «الحفاظ على الجيش يتطلب إجراءات واضحة لامتصاص النقمة العارمة إزاء ما حدث، وذلك يذكر بحوادث مشابهة حصلت في منطقة الشياح مار مخايل منذ سنوات، وتصرف رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وكان قائدا للجيش آنذاك، بحكمة من خلال محاسبة كل الذين كانوا مسؤولين بشكل أو بآخر عما حدث».

الى ذلك استأنف أهالي المخطوفين اللبنانيين الـ11 في سوريا تحركهم أمس، ملوحين بتصعيد واسع ما لم يفرج عنهم قبل بداية شهر رمضان المبارك، وقد زارت أمس لجنة المتابعة لقضية هؤلاء المخطوفين، رئيس المجلس النيابي نبيه بري وبحثت معه الموضوع وأطلعته على الخطوات التي سيلجأ إليها ذوو المخطوفين.

وبعد الزيارة، وصف الشيخ عباس زغيب، المكلف من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بمتابعة قضية المخطوفين في سوريا، أجواء اللقاء مع الرئيس بري بأنها إيجابية. ولفت زغيب إلى أن بري «طمأن الأهالي بحل ملفهم قريبا، بناء على معطيات يملكها»، مؤكدا أنه «لا تحرك تصعيديا للأهالي في الوقت الحالي بانتظار موضوع التفاوض».

وقال: «أملي أن ينتهي الملف قبل حلول شهر رمضان؛ لأن للصبر حدوده، وهناك تحركات احتجاجية ستعلن في وقتها في حال لم يحل الملف قبل رمضان». وأكد زغيب أن «الهدف من زيارات الأهالي للسياسيين هو إعطاء الموضوع جوا إعلاميا واحدا والحصول على اهتمام من السياسيين بملف المخطوفين».

إلى ذلك كشف مصدر في لجنة المتابعة عن «معطيات إيجابية يملكها رئيس المجلس (نبيه بري) في قضية المخطوفين، لكنه يتحفظ عليها إفساحا في المجال أمام نجاح الاتصالات القائمة». وأعلن المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن بري أبلغ أعضاء اللجنة بأن «قضية المخطوفين ليست منسية، وهي موضع متابعة واتصالات لبنانية وعربية ومع تركيا ساعة بساعة».

بدوره وصف دانيال شعيب، شقيق المخطوف عباس شعيب (رئيس الحملة التي كانت تقل المخطوفين إلى زيارة العتبات الشيعية المقدسة في إيران)، اللقاء مع بري بأنه «لقاء خاص لأننا محسوبون عليه وهو محسوب علينا». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كنا بجلسة مصارحة واتفقنا على ما يجب القيام به في الأيام المقبلة»، مؤكدا أنه «لا شيء ملموس، إنما يبدو أن هناك عملا ما سيقوم به الرئيس بري بالاتفاق مع فخامة رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) ونحن نفسح المجال للمعالجة السياسية والدبلوماسية». وردا على سؤال عما يحكى عن خطوات تصعيدية سيلجأون إليها، أجاب شعيب: «نحن، أهالي المخطوفين، سنبقى على صبرنا ونعض على الجرح، ولن نخرب البلد أو ننجر إلى فتنة تؤدي إلى شلال من الدماء هم يريدونها (الخاطفون)، همنا أن يعود المخطوفون سالمين لا أكثر ولا اقل»، مؤكدا أنه «منذ أن ظهروا في فيديو مسجل لم نعد نعرف عنهم شيئا وانقطعت أخبارهم كليا».