«الدستورية العليا» ردا على الرئيس المصري: حل البرلمان نهائي وملزم للجميع

مسؤول حكومي لـ «الشرق الأوسط»: «العسكري» ينتظر كلمة القضاء ولا يفضل الصدام مع مرسي

الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي (وسط) بين المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس العسكري والفريق سامي عنان في حفل تخريج دفعة 49 فنية عسكرية من الضباط المهندسين في الكلية الفنية العسكرية أمس (إ.ب.أ)
TT

قال مسؤول في الحكومة المصرية لـ«الشرق الأوسط»، أمس، إن المجلس العسكري الذي سلم السلطة للرئيس الإخواني المنتخب، محمد مرسي، يتجه إلى عدم الصدام مع الرئيس، على خلفية إصدار الأخير قرارا بعودة مجلس الشعب للعمل، على الرغم من حكم أصدرته المحكمة الدستورية العليا الشهر الماضي بحل البرلمان. وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنه جرت أمس وأول من أمس مشاورات بشأن القرار المفاجئ للرئيس مرسي، وأن هذه المشاورات مع اتجاه يدعمه «العسكري» مفاده «انتظار كلمة القضاء في القرار» قبل نهاية هذا الأسبوع. يأتي هذا في وقت ردت فيه المحكمة الدستورية العليا أمس على قرار مرسي، وشددت على أن «حل مجلس الشعب نهائي، وملزم للجميع».

وفي أول رد له على قرار مرسي، أكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة مساء أمس على أهمية سيادة القانون والدستور «حفاظا على مكانة الدولة المصرية، واحتراما لشعبها العظيم»، مشددا على أنه، منذ تحمله المسؤولية مطلع العام الماضي، انحاز ولا يزال لإرادة الشعب، ولم يلجأ لأي إجراءات استثنائية، وأنه أعلى قيمة العمل المؤسسي لجميع مؤسسات الدولة.

وقال: «الإعلان الدستوري (المكمل) الصادر في 17 الشهر الماضي فرضته الضرورة والظروف السياسية والقانونية والدستورية التي كانت تمر بها البلاد، وتضمن تحديد مهام واختصاصات لمؤسسات الدولة وللمجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى إقرار الدستور الجديد»، مؤكدا ثقته في أن جميع مؤسسات الدولة ستحترم كل ما صدر من الإعلانات الدستورية.

وكانت «الدستورية العليا» قد حكمت الشهر الماضي بأن القانون الذي جرت على أساسه انتخابات مجلس الشعب غير دستوري، وأن مجلس الشعب يعتبر منعدما ولا وجود له. وترتب على ذلك إصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يقوم مقام رئيس الجمهورية، قرارا بتنفيذ حكم الدستورية، إلا أن الرئيس مرسي فاجأ الجميع يوم الأحد الماضي وقرر عودة البرلمان للعمل. وبينما عارض قراره عدد من رموز القوى السياسية والقانونية، أيده مناصرو التيار الإسلامي، وعلى رأسهم جماعة الإخوان والسلفيين.

واستمر الجدل القانوني والسياسي حول قرار مرسي الذي أصدره يوم أول من أمس بإعادة مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) للعمل، ودعوة رئيسه الدكتور سعد الكتاتني النواب للاجتماع في مقر البرلمان اليوم (الثلاثاء). وعلى المستوى القانوني أكدت «الدستورية العليا»، أمس، أن أحكامها وكافة قراراتها نهائية وغير قابلة للطعن بحكم القانون، وأن هذه الأحكام ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة. وأشارت المحكمة في أول بيان لها أمس بشأن قرار مرسي إلى أنها ماضية في مباشرة اختصاصاتها التي عقدها الدستور لها، وفي مقدمتها أنها تتولى، دون غيرها، الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح.

وأكدت المحكمة أنها، كعادتها، ليست طرفا في أي صراع سياسي مما عساه أن يثور بين القوى السياسية، ولا شأن لها بما تتخذه هذه القوى من مواقف أو تتبناه من آراء، وإنما تظل حدود نطاق مهمتها المقدسة هي حماية نصوص الدستور ودرء أي عدوان عليها أو انتهاك لها.

وذكرت المحكمة أن عددا من ذوي الشأن وأصحاب الصفة أقاموا أمس منازعات تنفيذ أمام المحكمة بشأن قرار رئيس الجمهورية الأخير، الذي قضى في مادته الثانية بعودة مجلس الشعب لعقد جلساته وممارسة اختصاصاته. وأضافت المحكمة أن المدعين طالبوا بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية. وأشارت المحكمة إلى أنه «إعمالا لحكم المادة (50) من قانون المحكمة الدستورية العليا، تفصل المحكمة دون غيرها في كافة المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة منها، وأنه نفاذا للقانون ستنظر المحكمة منازعات التنفيذ المقامة أمامها على النحو المقرر قانونا». واستمرارا للتداعيات القانونية لقرار الرئيس مرسي، قررت المحكمة الدستورية العليا أيضا نظر عدد من دعاوى منازعات تنفيذ الأحكام خلال اليومين القادمين بعد أن أقامها عدد من المتضررين من تحدي رئيس الدولة لحكم حل البرلمان، وطالبت الدعاوى بوقف تنفيذ قرار مرسي بعودة مجلس الشعب للانعقاد. وطالب مقيمو دعاوى منازعات التنفيذ، بالاستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب.

وحددت محكمة القضاء الإداري جلسة اليوم (الثلاثاء) لنظر 25 طعنا رفعها محامون وأساتذة قانون يطالبون فيها بإلغاء قرار الرئيس مرسي بعودة مجلس الشعب. ويتهم المدعون مرسي بمخالفة الإعلان الدستوري المكمل الصادر من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الشهر الماضي، قائلين إن قرار مرسي «يعتبر تعديا على مبدأ الفصل بين السلطات ومخالفة القرار المطعون عليه لمبدأ المشروعية وسيادة القانون».

وفي بيان له أمس، قال سامح عاشور نقيب المحامين المصريين، ورئيس اتحاد المحامين العرب: «ليس من حق الرئيس إلغاء حكم المحكمة الدستورية». ودعا عاشور في بيان له القوى المدنية والوطنية ورجال القضاء والقانون في كل مواقعهم، لمواجهة حازمة وحاسمة لرد العدوان «ليس على حكم القضاء فقط، ولا على السلطة القضائية بأثرها، بل على الوطن كله»، قائلا إن «استقلال القضاء ليس ملكا للقضاة، لكنه ملك لكل الوطن». وأضاف أنه «من حق رئيس الجمهورية أن يعمل بالسياسة ويشتغل وينشغل بها، وليس من حقه أن يعمل بالقضاء وينصب نفسه قاضيا عليها وعلى القضاة».

وعلى المستوى السياسي، استمرت الخلافات بشأن قرار عودة مجلس الشعب، ووصل الأمر إلى حد الاشتباكات بالأيدي بين مؤيدي ورافضي القرار الذين تظاهروا أمس أمام بوابة البرلمان بوسط القاهرة، وسط ترقب لحدوث صدام بين المجلس العسكري والرئيس مرسي، لكن حسين إبراهيم، زعيم الأغلبية الإخوانية بمجلس الشعب، أعرب عن اعتقاده أنه لن يحدث صدام بين الطرفين، قائلا في تصريحات للمحررين البرلمانيين بمقر مجلس الشعب، أمس، إن حزب الحرية والعدالة يحترم أحكام القضاء ويتعهد بتنفيذها، مشيرا في نفس الوقت نفسه إلى أن قرار مرسي نابع من صلاحياته، وأنه لا يوجد أي تعد على حكم المحكمة الدستورية العليا.

وعلى العكس من موقف نواب جماعة الإخوان والسلفيين الذين قرروا حضور جلسات البرلمان بعد قرار مرسي، أعلن عدد من نواب أحزاب ليبرالية ويسارية عدم حضور الجلسة البرلمانية المقررة عقدها اليوم (الثلاثاء)، احتراما لإعلاء كلمة القضاء وسيادة دولة القانون، ومن هؤلاء النواب ممثلون لحزب المصريين الأحرار وحزب الوفد والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب التحالف الاشتراكي وبعض النواب المستقلين. وبينما اتهم حزب التجمع، قرار الرئيس مرسي بأنه «تحرك استبدادي يعصف بكل ممكنات احترام الدستور والقانون وأحكام القضاء»، قال الدكتور عماد جاد، النائب عن الحزب المصري الديمقراطي، إنه لن يحضر جلسات البرلمان، وأن قرار مرسي سيؤدي إلى انقسام بين مؤسسات الدولة. ومع ذلك، لم تحسم هذه القوى المدنية من نواب البرلمان أمر حضور جلسات البرلمان اليوم من عدمه.

وقال النائب المستقل محمد أبو حامد، لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أخذنا الإجراءات القانونية المتاحة لتعطيل قرار مرسي». لكنه أردف أن نواب التيار الإسلامي «لو عقدوا الجلسات لازم نحضرها، لأن أقصى أمانيهم أن تغيب الأصوات المدنية عما سيتخذونه من إجراءات»، مشيرا إلى أن القوى السياسية المدنية تتشاور لاتخاذ موقف موحد بخصوص التعامل مع البرلمان، وأن المشاورات ما زالت جارية حتى وقت متأخر من ليلة أمس.