بعد أكثر من نصف قرن على اختفائهم منها.. كركوك تتذكر يهودها

لم يبق في قلعة المدينة التاريخية سوى 3 قبور لأنبيائهم

عراقيون في طريقهم لزيارة مرقد الأنبياء دانيال وعزير وحنين في قلعة كركوك («الشرق الأوسط»)
TT

لم يبق منهم في كركوك أحد سوى قبور ثلاثة من أنبيائهم.. ويثير غيابهم في بعض سكان المدينة التي يقطنها مزيج من الطوائف والقوميات مشاعر الحزن. إنهم اليهود الذين كانوا يسكنون قلعة كركوك حتى مغادرتهم لها منتصف القرن الماضي إلى فلسطين.

وتعد قلعة كركوك رمزا لوحدة الأطياف والأديان المختلفة التي تعيش في المدينة وتشهد على التاريخ المشترك لها. وقالت أم أرتان وهي امرأة مسنة تجاوز عمرها 85 عاما تسكن مدينة كركوك «ما زلت أتذكر آخر يوم ودعت فيه جيراننا من العوائل اليهودية». وأضافت لوكالة الأنباء الألمانية «لقد كنا مجتمعين عند أضرحة الأنبياء الثلاثة لليهود في المدينة وهم دانيال وعزير وحنين وكنا جميعا نبكي وكان مشهدا مأساويا أتذكره دائما بحسرة وألم». وتضيف «كان لدي ذكريات لا تنسى مع صديقاتي اليهوديات وحزنت كثيرا على تركهم مدينة كركوك ولا أملك أي تواصل معهن سوى بعض الذكريات الجميلة وكنا نشاركهم احتفالاتهم في أعيادهم ومناسباتهم وهم أيضا». وتقول أم أرتان «لا يوجد أي يهودي حاليا في مدينة كركوك لا في القلعة ولا قربها».

وتشير إحصائيات في العراق إلى أن اليهود كانوا يشكلون نسبة 6.‏2% من مجموع سكان العراق عام 1947 في حين انخفضت نسبتهم إلى 1.‏0% عام 1951. وكان اليهود في كركوك يسكنون في القلعة الأثرية الشهيرة في كركوك واتسعت رقعة سكنهم لتشمل أطرافها أيضا قبل أن يتركوها في الخمسينات.

وتحتوي قلعة كركوك الأثرية التي يقطنها خليط من الطوائف العراقية على أضرحة لثلاثة أنبياء من اليهود وهم دانيال وحنين وعزير وأصبحت مزارا فيما بعد للسائحين والزوار وهناك حي في منطقة بريادي قرب سوق كركوك الكبيرة كان يعرف بحي اليهود. وتشير المصادر التاريخية إلى أن الغالبية العظمى من يهود العراق كانت تسكن المدن مثل بغداد والبصرة والموصل وكركوك وغيرها حيث ساهم اليهود في بناء العراق وكان أول وزير مالية في الحكومة العراقية عام 1921 يهوديا ويدعى حسقيل ساسون.

وقال نجاة حسين عضو مجلس محافظة كركوك: «كركوك الآن خالية تماما من اليهود لأنهم غادروا بعدما كانوا يتخذون من القلعة مسكنا لهم». وأضاف: «عددهم قليل جدا لكن لا أعلم بالضبط العدد».

وتعرض اليهود في العراق إلى مضايقات واسعة وقتل ونهبت ممتلكاتهم في بداية الأربعينات، وبعد قيام دولة إسرائيل عام 1948 على أرض فلسطين المحتلة كثفت الحكومة العراقية ضغوطها على اليهود العراقيين لمغادرة العراق. ولم تسمح الحكومة العراقية في بداية الأمر لليهود بالسفر لكنها أصدرت لاحقا قرارا يسمح لليهود بالسفر بشرط إسقاط الجنسية العراقية عن المهاجرين منهم. وهاجر أغلبهم من العراق بعد عملية سميت «عزرة ونحمية» إلى أن تم إغلاق باب الهجرة أمامهم وكان قد بقي في بداية الخمسينات نحو 15 ألف يهودي في العراق من أصل نحو 135 ألف نسمة عام 1948.

لكن انقلاب حزب البعث وتسلمه للسلطة أعاد الاضطهاد والقيود عليهم، وفي عام 1969 أعدم عدد من التجار معظمهم من اليهود بتهمة التجسس لإسرائيل ما أدى إلى تسارع حملة الهجرة بين صفوف البقية الباقية من يهود العراق والتي شهدت ذروتها في بداية السبعينات.

وقال سردار جباري وهو باحث عراقي في مجال التاريخ: «لم يكن عدد اليهود في كركوك كبيرا مثل بغداد وكان وجودهم في القلعة ثم هاجروا وتركوا كركوك في الخمسينات». وأضاف: «لم يبق من هؤلاء سوى الذكريات، فكم كان الأمر يبدو جميلا لو بقي اليهود في كركوك لأصبحت هذه المدينة مدينة للتآخي بكل قومياتها وأديانها».

وتعيش مدينة كركوك اليوم حالة من الاضطراب بسبب الخلافات السياسية وسعي حكومة إقليم كردستان لضمها إلى الإقليم حيث يعتبرها القادة الأكراد بأنها «قدس كردستان» الأمر الذي يثير القلق تجاه مستقبل هذه المدينة الغنية بالنفط.