بعض المناطق تتخلف عن ركب التطور في حي بروكلين بنيويورك

الشباب المتعلم يحول الحي إلى مكان ساحر.. والسكان يشعرون بالتهميش

المقاهي الموجودة في الهواء الطلق وحارات الدراجات في حي بروكلين (نيويورك تايمز)
TT

على مدار معظم فترات القرن الماضي، كانت مدينة بروكلين معروفة بأنها موطن نجم الكوميديا الشهير رودني دانغرفيلد وبنمطها العمالي ولهجتها الغريبة، وبالطبع بكونها أحد الأحياء التي لا تحظى بالاحترام، إلى أن جاء مالكو المنازل المبنية من الحجر البني والرواد البوهيميون الذين حولوا ذلك المكان القاحل في أحياء بارك سلوب ودامبو ويليامسبورغ إلى أماكن ساحرة، وهو ما جذب الشباب والفتيات الحاصلين على تعليم جيد والذين فتنوا بتلك المنازل الغريبة والمتاحة بأسعار معقولة، والمقاهي الموجودة في الهواء الطلق وحارات الدراجات، فضلا عن الروح التي يتحلى بها سكان المكان.

وعلى الرغم من كل تلك الصعاب، فإن مدينة بروكلين تحولت إلى رمز للهدوء باعتراف العالم بأسره. وثمة جدل لا نهاية له بشأن هذا التحول المادي والثقافي. وعلى الرغم من ذلك، فإن تلك النهضة لا تزال مصدر قلق وهلع بالنسبة للسكان المقيمين منذ فترة طويلة في بعض المناطق التي لم تتأثر بالتطور الذي شهده هذا الحي، مثل شاطئ غيريستين ومارين بارك وخليج الشبهد وبراونزفيل وشرق نيويورك.

وفي هذه الأحياء، التي نادرا ما يتم ذكرها ضمن الأماكن السياحية بالمدينة، فإن البعض لا يهتم كثيرا بإعادة تصنيف بلدتهم كبلدة تتمتع بإثارة وجاذبية أكبر، أو كبلدة صاخبة ونائية ليس لها أي علاقة بحياتهم اليومية، بينما يخشى آخرون من الدخول في دائرة النسيان تماما. ومع ذلك، يعرب آخرون عن استيائهم الشديد لأنهم لم يستمتعوا بثمار السمعة الرائعة والعصرية التي باتت تشتهر بها مدينة بروكلين. ولا تزال المصانع المغلقة في أماكن مثل دامبو تذكرهم بالوظائف التي فقدوها، بدلا من الغرف العلوية باهظة الثمن التي يتم الإعلان عنها.

وتقول غوسلين ماينارد، وهي مديرة مكتبة «ستون أفينيو» التي تم إنشاؤها منذ ما يقرب من 100 عام في منطقة براونزفيل التي تعاني من البطالة وتضم عددا من المنازل المحجوز عليها والمدارس التي تواجه مشاكل عدة والعصابات المسلحة: «أنا سعيدة لأن بروكلين تصنع لنفسها اسما ومستقبلا، ولكن يتعين أن يكون لهذا تأثيرا على سكانها. وأعتقد أن هناك تركيزا أكبر على المناطق الأرستقراطية في المدينة».

وأضافت ماينارد: «حتى في بعض الأماكن من منطقة بيدفورد ستايفسنت من الممكن أن تجد مقهى يضع طاولة لمن يريد الجلوس في الشمس، ولكن هنا، كيف يمكن للمرء أن يجلس في مقهى في الهواء الطلق والناس يشعرون بالقلق من العصابات المسلحة التي يقابل بعضها بعضا؟» وفي بعض المناطق التي تقطنها الطبقة الوسطى مثل شاطئ غيريستين الذي يعد موطنا لأجيال من ضباط الشرطة ورجال الإطفاء وعمال البريد، الذين غالبا ما يقضون عطلاتهم في العبادة والمناسبات الاجتماعية التي يتم خلالها شواء لحم الخنزير، يتم النظر إلى بعض المناطق الراقية في مدينة بروكلين مثل «بارك سلوب» و«بوروم هيل» على أنها دولة أجنبية.

وتقول جينيفر أفينا، التي تتحدر عائلتها من شاطئ غيريستين منذ عقود: «أنا سعيدة بتلك المناطق وأستمتع بالمطاعم، كما أنني سعيدة لأنها ستكون على الخريطة، ولكن ما مدى تأثير ذلك على السكان؟».

ولا يزال أكثر الأحياء اكتظاظا بالسكان في المدينة يتمتع بحالة مذهلة من التنوع والاختلاف، فعلى الرغم من أن أحياء مثل ريد هوك وبيدفورد ستايفسنت يعيشان جنبا إلى جنب، فإن نظرة سريعة على الدخل والتعليم تظهر أن هناك فرقا شاسعا بين أجزاء تلك المدينة.

وفي الحي الذي يضم منطقتي بارك سلوب وكارول غاردنز، نجد أن نسبة الأسر التي يتجاوز دخلها 100.000 دولار قد ارتفع ليصل إلى 43 في المائة عام 2010 مقابل 28 في المائة عام 1990، في حين لم يتغير هذا المعدل في منطقتي براونزفيل وأوشين هيل، وظل عند 9 في المائة فقط، في حين ارتفع معدل الأسر التي لا يزيد دخلها على 25.000 دولار إلى 46 في المائة مقابل 43 في المائة، وفقا لإحدى الدراسات المتخصصة في دخل الأسر التي أجرتها سوزان ستوغر، وهي باحثة في علم الاجتماع بجامعة كوينز.

وفي منطقتي ويليامسبرغ وغرينبوينت، فقد ارتفعت نسبة السكان الحاصلين على دراسات عليا بأربعة أضعاف لتصل إلى 12 في المائة، مقابل 4 في المائة في شرق نيويورك وستاريت سيتي.

ويقول حكيم جيفريز، الذي فاز بمقعد في الكونغرس عن الحزب الديمقراطي عن مناطق فورت غرين وبروسبيكت هايتس وبراونزفيل وشرق نيويورك: «تأثرت الأحياء الفقيرة تأثيرا سلبيا للغاية جراء الانهيار الاقتصادي ولم تستعد عافيتها حتى الآن».

وأضاف جيفريز: «المقاهي الموجودة على جوانب الطريق رائعة، ولكننا بحاجة إلى خطة لتحسين فرص العمل والوحدات السكنية التي يحتاجها السكان بشدة في براونزفيل وشرق نيويورك. ويتعين علينا الاستمرار في تطوير بروكلين كمدينة عصرية، ولكن لا يتعين علينا أن ننسى القضايا الاقتصادية الأساسية التي تؤثر على سكان المدينة بصورة يومية».

ويمكن سماع هذا الكلام نفسه في المناطق الأكثر ثراء، حيث يوجد شعور بأن المسؤولين لا يستجيبون بسرعة للشكاوى التقليدية عن الخدمات المحلية. ويقول كريغ بوروسو، وهو رئيس هيئة «مارين بارك سيفيك أسوسيشن»، إن سكان الحي الجنوبي «دائما ما يذكرون المسؤولين المنتخبين بوجودهم وبأصواتهم، وأنهم حريصون على منازلهم ومنازل بعضهم البعض، ويريدون أن يتأكدوا أننا لن ننساهم».

وأضاف بوروسو: «ما الذي سيحدث عندما لا تظهر كثيرا على صفحات الصحف وعلى قنوات التلفاز؟ ستتعرض للنسيان إلى حد ما، ولذا فعندما نطلب شيئا ما فإننا لا نحصل على نفس الرد دائما».

وفي منطقة صنسيت بارك التي تكتظ بالمهاجرين الصينيين والمكسيكيين، كانت هناك حالة من المرارة والسخط لأن المدينة لم تلتفت حتى هذا العام للشكاوى التي تفيد بأن مالكي السيارات التي تقوم بتنظيف الشوارع أربعة أيام في الأسبوع لا يجدون مكانا لوقوف السيارات الخاصة بهم. وعلى النقيض من ذلك، يتم تنظيف الشوارع التي يقطنها سكان جنوب منطقة «بارك سلوب» الذين لهم علاقات سياسية على نطاق واسع مرتين في الأسبوع.

وتتكرر نفس الشكاوى من الإهمال في مناطق أخرى مثل براونزفيل، حيث يقول أل ماثيو (38 عاما)، الذي يعمل في صالون «بلاك سكسيس» للحلاقة منذ 15 عاما، إن الحي الذي يقطن به يعاني حالة من الإهمال، سواء من قبل المدينة أو من قبل شركات التطوير العقاري، وأضاف: «إنهم يضعون أموالهم في كل الأحياء ما عدا هذا الحي. ويقوم القطاع الخاص بعمل مشاريع قليلة للغاية».

وحتى عندما يقوم السكان الذين يشعرون بالتهميش بالترحيب بإعادة تطوير الأحياء القديمة مثل وليامسبيرغ لتصبح أماكن راقية تجذب الكتاب والمشاهير وكبار الطهاة، فإن منظومة الثقافة والقيم تبدو غريبة للغاية في بعض الأحيان. وأشاروا إلى أن فكرة مقاطعة المنتجات هي عبارة عن احتجاج سياسي، وهو الاقتراح الذي نوقش بحماس من قبل الجمعيات التعاونية الغذائية في منطقة «بارك سلوب» فيما يتعلق بالمنتجات الإسرائيلية.

وقال جورج برودهيد، وهو رئيس اتحاد مالكي العقارات بشاطئ غريستين بجنوب مدينة بروكلين: «لا يمكنك أن تصادف أي شيء من هذا القبيل هنا».

وتقول جينيفر أفينا (35 عاما) إنه لا يوجد إقبال على الخضراوات العضوية أو لحوم الأبقار التي تتغذى على الحشائش في أماكن مثل «بارك سلوب»، وأضافت: «لو كانوا يعتقدون أن هذا أمر صحي، فهذا شأنهم، ولكن هذا لا ينطبق علي».

وفي مارين بارك، فإن بوروزو، وهو تاجر أجهزة، يزدري المطاعم الفاخرة في شارع «سميث» ويفضل تناول الغداء في مطعم ميشيل الذي تم بناؤه قبل 40 عاما في هذا الحي الساحلي، الذي يقدم طعاما موثوقا به، والأهم من ذلك أنه يقدم مكانا لوقوف السيارات. وتساءل بوروزو: «هل حاولت من قبل إيجاد مكان لوقوف سيارتك في بروكلين هايتس أو بارك سلوب؟».

وتشعر تيريزا سكافو، وهي رئيسة مؤسسة «كوميونتي بورد 15» التي تضم هومكريست وخليج الشبهد وشاطئ مانهاتن وشاطئ غريستين، بالفخر لوجودها في حي يضم عددا من اللغات والجنسيات، بما في ذلك الآيرلنديون والإيطاليون الأميركيون واليهود السوريون، والمهاجرون السوفيات، علاوة على عدد متزايد من المقبلين الجدد من الآسيويين. وقد اعتمد سكان الحي على أساليب الحياة التقليدية، مفضلين المنازل والمباني السكنية ذات المروج المشذبة التي تعود للقرن التاسع عشر. وتضيف سكافو: «لم يتغير أي شيء هنا. إنهم لا يريدون عددا من المقاهي على جانبي الطرق، ولكنهم يريدون نمط حياة حضريا وملائما لتشييد المنازل. إننا لا نبحث عن طرق مبتكرة للقيام بالأشياء، لدرجة أنني أجد صعوبة في ضبط مسجل الفيديو الرقمي الخاص بي». وقالت سكافو إن معظم السكان لا يهتمون كثيرا بالأحياء الجديدة في بروكلين ولا يريدون محاكاتها، وأضافت: «عندما يسمع الناس عن بروكلين الجديدة، فإنهم يقولون دعوهم يستمتعون بها».

* خدمة نيويورك تايمز