ليبيا: الإسلاميون يتجهون لتشكيل تحالف لمواجهة الليبراليين بعد خسارتهم حسب النتائج الأولية

المجلس الانتقالي يعلن رسميا اعتزامه تسليم السلطة في أول جلسة للبرلمان الجديد

عمال تابعون للجنة العليا للانتخابات يقومون بنقل صناديق من مراكز الاقتراع إلى مركز الفرز في طرابلس (إ.ب.أ)
TT

بينما استمرت عملية فرز صناديق الاقتراع في أول انتخابات متعددة تشهدها ليبيا منذ نحو ستة عقود, وسط صعود متواصل لتحالف القوى الوطنية الذي يقوده الدكتور محمود جبريل، رئيس أول حكومة للثوار خلال الانتفاضة الشعبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي, قال قيادي في جماعة الإخوان المسلمين وحزبهم السياسي لـ«الشرق الأوسط»، إن الجماعة ستعيد ترتيب أوضاعها في ضوء هذه النتائج. وتمهيدا، على ما يبدو، لتخليه عن السلطة التي يتولاها منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية العام الماضي, أعلن المجلس الانتقالي أنه بصدد إعداد تقاريره النهائية عبر لجانه الاستشارية لتسليمها إلى المؤتمر الوطني العام (البرلمان) في أول جلسة سيعقدها كما هو منتظر مطلع الشهر المقبل, بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات.

وقال صالح درهوب، الناطق الرسمي باسم المجلس، إنه عقب إعلان النتائج النهائية وانعقاد الجلسة الأولى للبرلمان المنتخب سيسلم المجلس الانتقالي مقاليد الأمور للبرلمان ويكون بذلك قد أدى ما عليه من أمانة, على حد تعبيره.

من جهته, قال هشام الكريكشي، وهو عضو مؤسس في جماعة الإخوان المسلمين وحزب البناء والعدالة، الذراع السياسية لها، إن نتيجة الانتخابات كانت صادمة ومفاجئة, لكنه توقع في المقابل حصول الحزب على نحو 40 مقعدا من إجمالي عدد المقاعد الـ80 المخصصة للكتل والأحزاب السياسية.

وأوضح الكريكشي لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من العاصمة الليبية طرابلس، أن «لديهم (تحالف جبريل) ربحا كبيرا, لكن ما حدث لنا ليس خسارة», معتبرا أن تحالف القوى الوطنية يضم 60 حزبا وعددا من منظمات المجتمع المدني.

وأضاف: «لم نتوقع أن يحصل تحالف جبريل على كل هذه الأصوات, انتخابات المؤتمر الوطني العام أوضحت لنا رؤية الشعب وفهمه لنا, الدعاية والتواصل, هذا ما لمسناه، وبالتأكيد هذا يحتاج إلى تغيير في الاستراتيجيات وإلى طريقة تواصل اجتماعي أفضل مما نقوم به الآن».

وسئل: هل ذلك يعني تغييرا في قيادات الإخوان المسلمين؟ فقال الكريكشي لـ«الشرق الأوسط»: «ليس بالضرورة, بل تطعيمها بدماء ووجوه جديدة في الحزب نعم».

وقال إن «الإخوان» يعتزمون المشاركة في الحكومة الائتلافية التي دعا إلى تشكيلها الدكتور جبريل أول من أمس، على أن تضم مختلف القوى السياسية المحلية على الأرض, مضيفا: «نحن مع كل ما يخدم مصلحة ليبيا».

وعن تفسيره لاتجاه الناخب الليبي قال الكريكشي لـ«الشرق الأوسط»: «الرؤية غير واضحة بالنسبة لليبيين ولا يفهمون الوضع حقيقة، كما أن الناس تصوت لمحمود جبريل بينما هم يصوتون للتحالف وليس لجبريل».

ولمح إلى ضرورة تحقيق تحالف بين مختلف الأحزاب التي لديها مرجعية إسلامية في ليبيا، وقال: «لعل تعاون بعضنا مع بعض يمثل تحالفا طيبا ويثمر ثماره الإيجابية». وكان محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء التابع لجماعة الإخوان المسلمين, قد اعتبر أن النتائج الأولية للانتخابات تعتبر جيدة بالنسبة للحزب، لافتا إلى أن الحزب حقق فوزا كبيرا بهذه النتيجة.

وأوضح صوان في تصريح بثته وكالة أنباء التضامن الليبية المستقلة, أنه يتوقع فوز حزبه بـ40 مقعدا بالنتائج النهائية للانتخابات في كل الدوائر من 200 مقعد: 120 للفردي و80 للأحزاب والكيانات السياسية.

وعلى الرغم من أن صوان أشاد بدور المفوضية العليا للانتخابات، وقال إنه كان لها دور كبير في إنجاح الانتخابات, فإنه تحدث للمرة الأولى عن وجود ما وصفه ببعض الاختراقات التي حدثت في الانتخابات من بعض المرشحين, أدت إلى تضليل بعض الناس البسطاء في إعطاء أصواتهم. وانتقد صوان استخدام تحالف القوى الوطنية اسم رئيسه محمود جبريل في دعايته الانتخابية على الرغم من أنه غير مرشح لهذه الانتخابات، معتبرا أن هذا أسلوب غير صحيح.

وتابع: «هذا الحزب قدم نفسه في الانتخابات على أنه ذو مرجعية إسلامية إلا أنه بعد فوزه بعدد من المقاعد يظهر بأنه حزب ليبرالي».

وقال صوان إن حزب «الإخوان» سيعلن قريبا عن تشكيل تجمع قوى وطنية إسلامية تتكون من عدة أحزاب وتكتلات سياسية في ليبيا.

وتعتبر هذه التصريحات بمثابة أول رد علني على دعوة أطلقها جبريل الذي شغل في السابق رئيس المكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي منذ الانتفاضة الشعبية ضد القذافي وحتى شهر أغسطس (آب) الماضي, بتشكيل حكومة وطنية من ائتلاف يضم كل الأحزاب والتكتلات السياسية.

وأكد جبريل في مؤتمر صحافي عقده قبل يومين, أن ليبيا تحتاج للجميع لإعادة اللحمة الوطنية من خلال جهد جماعي من كل أبناء الوطن، وعلى الكيانات السياسية التحاور من أجل وضع الأسس الصحيحة والقوية لبناء ليبيا من جديد, مشددا على ضرورة المصالحة بين أبناء الشعب الواحد.. وأضاف: «لا إقصاء في ليبيا بعد اليوم، ما عدا الذين اقترفوا جرائم ضد الشعب الليبي أو ارتكبوا قضايا جنائية وسرقوا المال العام أو قاموا بأعمال القتل وانتهاك الأعراض».

كما دافع جبريل عن تحالف القوى الوطنية الذي يقوده, معتبرا أن التحالف لا علاقة له بأي آيديولوجية, مشيرا إلى أن ليبيا اليوم لجميع أبنائها وعليهم تصحيح أي مسار لأي كيان من الكيانات لضمان سلامة الثورة والبلاد.

في غضون ذلك, استمرت أمس بمركز الإحصاء والمعلومات بالمفوضية العليا للانتخابات بالعاصمة طرابلس لليوم الثالث على التوالي, عملية فرز النتائج وإدخال البيانات بحضور مراقبين محليين وملاحظين دوليين. ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن مصادر المفوضية أن العمل متواصل بالمركز على فترتين صباحية ومسائية, مشيرة إلى أنه يتم حاليا حصر وفرز نتائج دائرتي الاقتراع بنغازي وطرابلس. وما زالت المفوضة تنتظر وصول بقية صناديق الاقتراع من باقي الدوائر والمحطات الانتخابية، خاصة في المناطق النائية منها، إلى مقرها لإتمام حصرها وفرزها وإدخالها بمركز المعلومات بالمفوضية, تمهيدا للإعلان عنها لاحقا.

من جهة أخرى, تعهدت وزارة الداخلية الليبية باتخاذ الإجراءات القانونية والأمنية لتحرير صحافيين مختطفين يعملان لصالح قناة محلية في مدينة بني وليد مؤخرا. وأقرت الوزارة في بيان لها أمس بأنه على الرغم من الجهود التي قامت بها لاحتواء الموقف ومنع تطوره، فإن كل جهودها لم تؤت ثمارها, داعية الخاطفين إلى الإفراج الفوري عن الصحافيين وإخلاء سبيلهما دون قيد أو شرط، وحملتهم المسؤولية الكاملة عن النتائج المترتبة عن عدم الاستجابة لهذا الطلب.

وجاء هذا البيان في وقت تحدثت فيه مصادر ليبية عن استعداد حشد عسكري من الثوار المسلحين للاتجاه إلى بني وليد التي كانت أحد آخر معاقل القذافي قبل سقوطه ومقتله في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي, لتحرير الصحافيين المخطوفين. وقال نشطاء ليبيون على موقعي «فيس بوك» و«تويتر» للتواصل الاجتماعي, إن طائرات حربية حلقت أمس في سماء مصراتة لكي تمهد الطريق أمام الثوار ومراقبة حدود منطقة بني وليد.

وبثت قناة ليبية أخرى أمس تسجيلا مصورا يظهر فيه الصحافيان، وهما من مدينة مصراتة، بعد توقيفهما بسبب دخلوهما بطريقة غير شرعية لمدينة بني وليد التي تقع على بعد 180 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة طرابلس، حيث زعمت القناة أن الصحافيين قاما بتصوير مناطق عسكرية داخل المدينة دون إذن، بالإضافة إلى عدم حملهما أي تصاريح إعلامية.

وتكررت في الآونة الأخيرة حوادث الاعتداء على صحافيين وإعلاميين في ليبيا، بينما تعجز السلطات المحلية عن إقناع الثوار بالتخلي عن أسلحتهم والاندماج في الحياة المدينة أو الانخراط في المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للحكومة الانتقالية.