واشنطن تعيد تقييم حلفائها بعد وصول الإسلاميين للحكم

تساؤلات حول أسباب منح قيادي من «الجماعة الإسلامية» تأشيرة دخول لأميركا

TT

في أول خطاب هام له الشهر الماضي، تعهد الرئيس المصري محمد مرسي بالسعي لإطلاق سراح عمر عبد الرحمن الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية المصرية من السجن الأميركي. وقبل ذلك بوقت ليس بالطويل، رحبت واشنطن بأحد أعضاء الجماعة الإسلامية، والذي أصبح أيضا عضوا في البرلمان المصري، كجزء من وفد رسمي برعاية وزارة الخارجية الأميركية.

ولم يعلق مسؤولو الإدارة الأميركية بصورة علنية على التعهد الذي قطعه مرسي على نفسه، كما حاولوا جاهدين توضيح السبب وراء منح البرلماني المصري هاني نور الدين تأشيرة دخول للولايات المتحدة، مستندين إلى قواعد الخصوصية ورفضوا الإفصاح عما إذا كان قد حصل على استثناء من الحظر المفروض على هؤلاء الزائرين أو ما إذا كان انتماؤه لتلك الجماعة «الإرهابية» قد مر مرور الكرام.

وبعد الضغط عليها من قبل الصحافيين بعد أن أصبحت التأشيرة مثار جدل كبير في الكونغرس الأميركي، قالت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند إن نور الدين قد تم تقييمه من قبل على أنه لا يمثل تهديدا للولايات المتحدة، وأضافت: «إنه عصر جديد في مصر، وفي العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

إنه يوم معقد أيضا بالنسبة لإدارة الرئيس أوباما التي تتحرك وفقا للآثار الناجمة عن الربيع العربي، حيث طرأ تغيير كبير في الافتراضات القائمة منذ فترة طويلة بشأن من هو صديق ومن هو عدو للولايات المتحدة، وهو ما ترك العديد من الأميركيين في حيرة شديدة.

وقال أكبر أحمد، وهو رئيس الدراسات الإسلامية بالجامعة الأميركية: «في الوقت الحالي، تواجه الولايات المتحدة الأميركية نوعا من عدم الوضوح في الرؤية عندما تنظر إلى دول منطقة الشرق الأوسط حيث يتغير كل شيء».

إن الإطاحة بالحكام المستبدين في العالم العربي وتزايد نفوذ الإسلاميين أو وصولهم لسدة الحكم يجبر واشنطن على إعادة تقييم المعتقدات السائدة منذ عقود.

ويتمحور الأمر الأكثر أهمية في مصر، حيث فاز الدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين التي تعد أكبر حركة إسلامية في منطقة الشرق الأوسط، في انتخابات الرئاسة المصرية بفارق ضئيل، كما أن الخطوة التي أقدم عليها يوم الأحد الماضي بإلغاء قرار حل مجلس الشعب قد جعلت الخبراء الغربيين يتحركون بسرعة لفهم استراتيجيته.

وفي تونس، حصل حزب النهضة الإسلامي، الذي كان محظورا، على أغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، فيما حظي الإسلاميون باليمن على دعم وتأييد جديد. وفى الشأن الليبي، أظهر التصويت على اختيار أعضاء المؤتمر الوطني أن ليبيا تقاوم هذا الاتجاه عندما تغلب ائتلاف بقيادة عالم سياسي معتدل على اثنين من الأحزاب الإسلامية.

وفي إشارة على القوة السياسية للدين، رفض زعيم الائتلاف الليبي الفائز محمود جبريل إطلاق لفظ «علماني» على تحالف القوى الوطنية، ومد يده للإسلاميين، وقال «ليس هناك متطرفون».

وخلال العقد التالي لهجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، نظر الأميركيون إلى منطقة الشرق الأوسط والإسلام على أنهما خطر إرهابي، وأطلقت الولايات المتحدة أحكاما صارمة، ربما كان أبرزها هذا التحذير الذي ورد على لسان الرئيس الأميركي السابق جورج بوش حين قال بعد تسعة أيام من الهجمات الإرهابية: «إما أن تكونوا معنا أو مع الإرهاب».

وحرم علماء مسلمون من تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة بسبب تبنيهم لوجهات نظر مخالفة للسياسة الأميركية. ولم يكن المسؤولون الأميركيون دائما يميزون بدقة بين الإسلاميين الذين يؤيدون وجود دور رائد للإسلام في الحكم وبين الجهاديين الذين يتبنون العنف، والذين يعتنقون نفس الهدف ولكنهم يستخدمون الإرهاب لتحقيقه.

وفي الحقيقة، يعود العداء الأميركي للحركات الإسلامية إلى ما قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر بوقت طويل، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى تقديم الولايات الأميركية الدعم للحكام المستبدين العلمانيين في الدول العربية. وخلال الثلاثة عقود التي حكم فيها حسني مبارك مصر، كانت جماعة الإخوان المسلمين محظورة، ولذا كان الدبلوماسيون الأميركيون في القاهرة يعقدون اتصالات سرية وغير رسمية بالجماعة.

وفي خطاب لها في القاهرة عام 2005، قالت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس: «لم نتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين، ولن نفعل».

وأشار خبراء متخصصون في شؤون الشرق الأوسط إلى أن الخلافات الأخيرة بشأن خطاب مرسي ومنح نور الدين تأشيرة دخول للولايات المتحدة ليسا سوى عملية طويلة ومثيرة للجدل بشأن تكيف الولايات المتحدة مع الوضع الجديد، وانعكاسات ذلك على المعونة الأميركية وعلاقات الدول العربية بإسرائيل.

ومع ذلك، يشير هؤلاء الخبراء إلى أنه لا يتعين على الأميركيين أن ينظروا إلى صعود الإسلاميين على أنه بمثابة خطر إرهابي على الولايات المتحدة، مؤكدين على أن العكس هو الصحيح.

وقال ستيفن مكينيرني، وهو المدير التنفيذي لمشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط والذي يتخذ من واشنطن مقرا له: «أود أن أقول إنه لا يتعين على الناس أن تقلق من الحديث المناهض للولايات المتحدة». وأضاف مكينيرني أن نهاية حكم مبارك العام الماضي «تعد خطوة هامة على طريق مكافحة الإرهاب في المنطقة وتقويض جاذبيته، حيث أصبح الناس قادرين على التنفيس عن إحباطهم بحرية، كما أصبحوا قادرين على التوجه لصناديق الاقتراع».

ومع ذلك، تمثل التطورات الأخيرة مصدر قلق لبعض أعضاء الكونغرس الأميركي، حيث قال المرشح الجمهوري عن ولاية نيويورك ورئيس لجنة الأمن الداخلي بيتر كينغ، إن دعوة مرسي لإطلاق سراح الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن الذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة «يشبه الكلام الذي تسمعه في الشارع - وليس من رئيس جمهورية - ولذا يتعين علينا أن نشعر بالقلق».

وكتب كينغ إلى وزيرة الأمن الداخلي جانيت نابوليتانو مطالبا إياها بتفسير عن حصول نور الدين على تأشيرة دخول للولايات المتحدة، قائلا: «إذا كنا سنسمح لعضو في جماعة إرهابية سيئة السمعة بدخول البلاد، فيجب أن يتم ذلك بعد عملية طويلة وعلنية لاتخاذ مثل هذا القرار».

واعترف كينغ بوجود سوابق تاريخية، مستشهدا بإحدى الحالات التي يعرفها عن كثب، حيث ضغط كينغ، الذي كان داعما للجيش الآيرلندي الحر، لسنوات من أجل منح رئيس الجناح العسكري للجيش الآيرلندي الحر (الشين فين) غيري أدامز تأشيرة دخول للولايات المتحدة، وبالفعل حصل أدامز على التأشيرة عام 1994.

وأضاف كينغ: «ولكن جاء ذلك بعد سنوات من المفاوضات وتم ذلك بصورة علنية»، على العكس من زيارة نور الدين التي لم تكن معروفة إلى أن تم الإعلان عنها من قبل صحيفة «ذي ديلي بيست». وثمة سابقة أخرى تتمثل في المسلحين الصهاينة الذين شاركوا في أعمال إرهابية ضد البريطانيين قبل تأسيس دولة إسرائيل، ثم أصبحوا سياسيين بارزين يحظون بترحيب حار في واشنطن.

ويبدو أن الجماعة الإسلامية تمثل حالة أخرى من الجماعات الإرهابية التي غيرت تكتيكاتها بشكل تدريجي، حيث شنت الجماعة حملة وحشية من العنف خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي أدت إلى مقتل جنود ورجال شرطة مصريين وسائحين أجانب، ولكنها تخلت عن العنف عام 2003 وتسعى منذ ذلك الحين للدخول إلى المعترك السياسي.

وكان الشيخ عمر عبد الرحمن (74 عاما)، والذي يقبع الآن خلف أسوار سجن فيدرالي للمدانين المرضى في بوتنر بولاية نورث كارولينا، قياديا بارزا في الجماعة وقت أن كانت تتبنى العنف، وحكم عليه في عام 1996 بتهمة التآمر لشن «هجمات إرهابية في مناطق مكتظة بالسكان» ضد الولايات المتحدة، بدءا من تفجيرات الأنفاق وحتى بعض معالم مدينة نيويورك.

ومع ذلك، يشكك العديد من المصريين في تلك الاتهامات ويرون أنه ضحية لعملية تآمر بين الولايات المتحدة والرئيس المصري السابق مبارك.

وقالت ميشيل دن، وهي خبيرة في الشؤون المصرية بمؤسسة المجلس الأطلسي البحثية في واشنطن، إن حديث الدكتور مرسي عن تلك القضية يعد بمثابة إشارة سياسية للسلفيين من أمثال نور الدين، وأضافت أنه لم يتضح بعد ما إذا كان مرسي سيتابع تلك القضية مع المسؤولين الأميركيين، الذين سيرفضون أي طلب للإفراج عن الشيخ بكل تأكيد.

وقالت دن إن النظام الدكتاتوري لمبارك هو السبب الرئيسي وراء السلوك الإرهابي للإرهابيين المصريين البارزين مثل عمر عبد الرحمن وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وأشارت إلى أن دخول الحركات الإسلامية للمعترك السياسي سيحد من خطر الإرهاب.

وأضافت دن أن هذا التطور كان في الحسبان عندما ظهر الشهر الماضي أن الجيش المصري قد يتدخل ليمنع مرسي من الوصول لسدة الحكم. واستطردت دن قائلة: «ستكون هناك عواقب وخيمة لو فقدت الجماعات الإسلامية، مثل جماعة الإخوان المسلمين، ثقتها في الديمقراطية».

* خدمة «نيويورك تايمز»