سوق العملة في قلب طهران القديمة تؤثر سلبا على الثقة في الريال الإيراني

لفت نظر السلطات بعد اتساع الهوة بين السعر الرسمي لصرف الدولار وبين سعر الصرف فيه

TT

مع مواجهة إيران مشاكل بسبب انخفاض سعر صرف عملتها وارتفاع الأسعار، أصبحت سوق العملة في قلب مدينة طهران القديمة هي محور الجدل الدائر حول كيفية حل المشاكل المالية العسيرة التي تواجهها البلاد.

لم تلاحظ السلطات الإيرانية التجار في هذه السوق، التي تبدو مثل منطقة وسط بين البورصة ومركز لرهانات غير مشروعة، حتى بدأت الهوة بين السعر الرسمي لصرف الدولار الذي يحدده البنك المركزي وسعر صرف الدولار في السوق غير الرسمية في الاتساع، مما أثر سلبا على الثقة في الريال الإيراني، وأدى إلى زيادة كمية المطروح من العملات في السوق غير الرسمية. وكانت أول ضربة تلقاها الريال الإيراني في سبتمبر (أيلول) عام 2010، عندما أعلنت الحكومة إلغاء الدعم الحكومي للسلع الأساسية الذي تقدمه منذ فترة طويلة. وتزامن هذا مع بداية تنفيذ حزمة جديدة من العقوبات الدولية هدفها إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي، مما أدى إلى انخفاض قيمة العملة، بحيث أصبح سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الريال الإيراني 13 ألف ريال، بعد أن كان 10.500 ريال خلال أسبوع واحد من التداول في السوق غير الرسمية. ومع تنفيذ أكثر العقوبات ضررا حتى هذه اللحظة نهاية الأسبوع الماضي، تأرجح سعر صرف الدولار بعدا واقترابا من 20 ألف ريال إيراني للمرة الأولى منذ يناير (كانون الثاني)، وبدأ المسؤولون الإيرانيون مناقشة طرق لتحقيق الاستقرار في سوق العملة. وهناك عدة حلول مقترحة لمعالجة أزمة العملة، منها تهديد المنخرطين في المضاربة في العملات بإصدار أحكام إعدام بحقهم.

ومع ذلك تركز الحديث خلال الأيام القليلة الماضية على الخطوات التي ينبغي على الدولة اتخاذها لتهدئة المخاوف الشعبية وإعادة التوازن لسوق العملة. من ضمن هذه الإجراءات اقتراح بتعويم سعر الصرف الذي يعتمد إلى حد كبير على سعر النفط، ووضع خطة شعبية من أجل إرساء سعر صرف متعدد يتحدد بنوع السلعة التي يتم شراؤها بالعملة الأجنبية. وفي محاولة لإقناع الإيرانيين بشراء الدولار من منافذ الصرافة المرخصة فقط، حذر وزير المالية الإيراني، شمس الدين حسيني، يوم الثلاثاء الماضي من زيادة العملات المزيفة في طهران. وأوضح قائلا «نشعر بقلق من وجود تجار سريعي الانفعال ولا يتمتعون بالخبرة في سوق العملة التي يعمل بها المحترفون».

وتخدم سوق الصرافة غير الرسمية إلى حد ما رجال الأعمال الذين يرتبون للسفر إلى الخارج. ولم يكن توافر كمية كبيرة من الدولارات يعني الكثير بالنسبة للآخرين إلى أن بات من المستحيل تحويل الأموال من إيران إلى المصارف الأجنبية العام الماضي بسبب العقوبات.

نتيجة لذلك لم يعد هناك سوى كمية محدودة من الدولارات في المصرف المركزي هذه الأيام بسعر صرف 12.260 ريالا إيرانيا، ولا يحصل على تلك الدولارات سوى الأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج والشركات التي لها اتصالات بجهات رفيعة المستوى وتعمل في مجال الاستيراد. وانتشرت المضاربة في العملات الأجنبية هنا، حيث تعد التجارة في الدولار واحدة من الاستثمارات القليلة التي ينظر إليها الإيرانيون باعتبارها مستقرة مثلها في ذلك مثل الذهب والعقارات.

ووصل سعر صرف الدولار الأميركي في سوق العملة في طهران يوم السبت إلى 19.600 ريال إيراني. ونتيجة لوجود كمية كبيرة من العملات التي يتم تداولها في السوق، أصبحت مصدرا مقبولا بشكل كبير للحصول على العملات الأجنبية في إيران وإن كان ذلك غير رسمي. ولتراجع قيمة الريال الإيراني تأثير مباشر على الأسعار في مختلف أنحاء البلاد، حيث يحدد تجار التجزئة الأسعار بناء على تكلفة السلع البديلة التي يعرفون أنها سترتفع مثلها مثل السلع التي تشترى بعملة أجنبية.

وارتفعت أسعار كل السلع تقريبا سريعا في إيران منذ الإعلان عن برنامج إصلاح الدعم في ديسمبر (كانون الأول) 2010، لكن أصبح ارتفاع الأسعار منذرا بالخطر منذ بدء تنفيذ حزمة العقوبات الأخيرة، حيث وصل سعر الخبز العادي في بعض المناطق في طهران إلى 10 آلاف ريال إيراني (0.50 دولار)، بعد أن كان ألف ريال إيراني (0.05 دولار) منذ عامين. وارتفع سعر كيلو اللحم إلى 30 ألف ريال إيراني (1.50 دولار)، في الوقت الذي يجني فيه الإيرانيون شهريا أقل من 500 دولار.

وتجمع عدد كبير من الرجال بمختلف الأعمار يوم السبت في ساحة تسوق مفتوحة تعود إلى القرن التاسع عشر في حي تجاري قديم بطهران منصتين بينما يتم إعلان أسعار الصرف في عدة أماكن بسوق الصرافة.

وعندما بدأ التداول، باع أحدهم 5 ملايين دولار فورا، مما أدى إلى انخفاض السعر بنحو 200 ريال (ما يعادل 0.01 دولار). وتم تداول هذا السعر عبر الهاتف ورسائل المحمولة النصية ورسائل البريد الإلكتروني وبين الأفراد مباشرة.

ويتم تداول أكثر من 100 مليون دولار يوميا بحسب تقديرات تجار العملة في السوق. ويحمل الكثير من التجار العاديين معهم مئات الآلاف من الدولارات نقدا أغلبها من فئة المائة دولار الجديدة التي يلوحون بها في الهواء في إشارة إلى استعدادهم للعمل.

وتعد هذه الحارة الضيقة هي مركز تداول العملات الأجنبية، إلا أنها تتشعب في اتجاهات مختلفة، مما يؤثر على التجارة في أنحاء إيران، حيث يتغير سعر صرف الدولار والعملات الأجنبية الأخرى على مدار اليوم. مع ذلك، يؤكد المسؤولون الإيرانيون أن هذا نفوذ كبير بالنسبة إلى مجموعة وسطاء غير قانونية وإن كانت مقبولة. وقال أحد التجار في السوق رفض ذكر اسمه «انظر إلينا، نحن غير متعلمين، لكننا نعرف فقط كيف نستخدم الآلة الحاسبة».

وتم إغلاق السوق في يناير في أعقاب حدوث أول تراجع كبير في قيمة الريال الإيراني، مما دفع تجارة العملة إلى العالم السري بشكل مؤقت. وعندما عادت السوق إلى العمل مرة أخرى بعد ذلك بعدة أسابيع، كانت كما هي تقريبا باستثناء انتشار ضباط الأمن الذين يرتدون لباسا مدنيا. وعاد نشاط السوق إلى طبيعته، لكن مع التهديدات الجديدة بفرض ضوابط أكثر صرامة، ربما لا يدوم الشعور بالارتياح كثيرا. وطبقا لخطة وضعت الأسبوع الماضي، سيتم تطبيق نظام متعدد المستويات للعملات الأجنبية مشابه لنظام طُبّق ذات يوم في فنزويلا. وبموجب هذا النظام يتم تحديد سعر صرف الدولار بحسب نوع السلعة التي يتم استيرادها بالدولار. وستقضي هذه الخطة، التي وضعها أرسلان فتحي بور، رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني، بتقسيم كل السلع إلى ثلاثة أنواع لتحديد سعر الصرف.

سيكون سعر صرف الدولار في حالة السلع الأساسية التي يتم استيرادها مثل الأغذية هو السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي، والذي يبلغ حاليا 12.260 ريالا إيرانيا. وسيكون سعر الصرف في حالة السلع المتوسطة، التي تشمل الآلات والمعدات التي تستخدم في الإنتاج المحلي، أكبر. أما سعر الصرف في النوع الثالث فسيكون أكبر، ويشمل هذا النوع السلع الفاخرة خاصة السيارات والأجهزة الإلكترونية الأجنبية.

وأوضح فتحي بور قائلا «حتى إذا فكرنا في جعل سعر صرف الدولار في حالة السلع الفاخرة 50 ألف ريال، فهذا لا يهم، لأن الأولوية لتوفير السلع الأساسية للناس لا السلع الفاخرة المستوردة».

ويلقى هذا النظام ترحابا من الذين يودون رؤية المزيد من الضوابط في الاقتصاد الإيراني، ومن بينهم الكثير من نواب البرلمان الذي يحاولون إرضاء الناس في دوائرهم الفقيرة. على الجانب الآخر، يلقى هذا النظام معارضة شديدة من قبل رجال الدولة الذين طالما دعموا القطاع الخاص ومنهم الرئيس السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني. وصرح محمد رضا فارزين، مدير صندوق التنمية القومية، والمسؤول عن برنامج إصلاح الدعم الحكومي المثير للجدل، لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية شبه الرسمية (إسنا) الأسبوع الماضي بأنه لا يوافق على النظام متعدد المستويات لأنه يزيد من الفساد الاقتصادي ويقلل الوضوح. ويقول بعض المحللين في الشؤون الاقتصادية الإيرانية إن هذا النظام قد يكون الخيار الوحيد أمام الجمهورية الإسلامية.

ويرى جواد صالحي أصفهاني، أستاذ الاقتصاد بجامعة فيرجينيا للتكنولوجيا، أن تطبيق نظام يتكون من مستويين أمر حتمي عندما تكون هناك عقوبات مفروضة وهروب لرؤوس الأموال.

* خدمة «واشنطن بوست» و«بلومبيرغ نيوز» خاص بـ«الشرق الأوسط»